ان يصوم المدخن فهو لنفسه، لكن أن يدفع ثمن صيامه الآخرين، فهنا لا بد من وقفة. فهذا عبد المنعم العلي يعيش ازدواجية في المزاج، لا تنشط إلا في شهر رمضان، وهو واحد من كثيرين، يعانون من ذات الأعراض التي تحيلهم في نهار رمضان إلى فئة عصبيي المزاج، وفي المساء يرجعون إلى حالتهم الطبيعية، إلا أن العلي اختار حلين للهرب من هذه الأعراض التي أثرت على أسرته سلباً، فإما أن ينام أو يقضي نهاره خارج المنزل، ومع ذلك، لا يمكن أن يهرب بمزاجه السيئ بعيداً. ويقول:"وجدت أن الحل الناجح هو النوم لساعات طويلة في نهار رمضان، وكما نقل لنا أن نوم الظالم عبادة، وهذا صحيح، فحين أنام أكف عن التشرّط والتحكم في أهلي، لا لشيء، ولكن لأنفس عما بداخلي من شعور غاضب". عُرف عن العلي أنه مدخن من الدرجة الأولى، ويرى أنه"سبب رئيس فيما أعانيه"، مضيفاً"تشتكي نساء عدة من تغير مزاج أزواجهن في رمضان، وزوجتي واحدة منهن، إذ أصبح أكثر عنفاً وعصبية، تماماً كغيري من الذين اعتادوا التدخين أو الإكثار من القهوة والشاي، لأننا وصلنا إلى مرحلة متقدمة من الإدمان على كل هذا". وأرجع أطباء أحد أسباب هذا التغير إلى"السهر دون فائدة، إذ يحدث ذلك خللاً على مستوى الدماغ، ما يؤدي إلى تعكير مزاجه خلال النهار، خاصة مع عدم القدرة على تناول المسكنات، والمنبهات، مثل القهوة والشاي". وأرجح باحثون الأسباب أيضاً إلى"عدم القدرة على تحمل كثرة الجوع والعطش لساعات طويلة، بالنسبة إلى بعض الناس، ما ينتج عنه تغير في المزاج". لم تكن الإجازة التي مُني بها بعض الموظفين في هذا الشهر خيراً على فايزة عبد الرحمن، التي تحاول جاهدة أن لا تلتقي زوجها في الظهر، ويزداد رعبها مع اقتراب الساعات الأخيرة قبل الإفطار، لأنه وبحسب قولها:"يزداد عصبيةً على أتفه الأسباب، وحين يتناول الفطور يعتذر ويؤكد أنه لم يكن يعي ما يقول". ويؤكد اختصاصي علم النفس الدكتور عمر النويب أن"كثيراً من النساء يعشن إرهاباً من نوع خاص، وبالتحديد في فترة ما بين المغرب والظهر، ومن المؤكد لو عملنا مسحاً شاملاً لمنازل، لوجدنا أن نسبة الخصومات والمشاحنات العالية تنشط في هذا الشهر، الذي ينبغي أن يكون مصدراً من مصادر الروحانية والصبر". ويؤكد أن"المدخنين هم على رأس القائمة، فبمجرد انقطاعهم عن شرب السيجارة، تبدأ معاناتهم، نتيجة حرمان خلايا الدماغ مما تعودت عليه، ما يترتب عليه الشعور بالعصبية وسرعة الغضب والتململ والصداع، إلى جانب ضعف التركيز وانخفاض المزاج العام، والقلق وضعف الذاكرة، واضطراب النوم، وكل هذه ناتجة عن الإدمان على التبغ". ويشير إلى أن"تعكير المزاج لا ينتج فقط عن عدم التدخين، بل إن هناك الإدمان على مادة الكافيين المنبهة، التي تكثر نسبتها في القهوة والشاي، وغيرهما من المشروبات التي تحتوي على الكولا، إذ أن الانقطاع المفاجئ عنها، وبخاصة حين تطول الساعات، ينتج عنه الشعور بالكسل والنعاس، وعدم القدرة على إنجاز العمل، والإصابة بالصداع". ووجدت هاجر العويس طريقة ناجحة قضت بها على عصبية زوجها. وتقول:"أعرف حاجته للتدخين وهو صائم، لأنه يشبه إلى حد كبير المدمنين على الكحول أو المخدرات، وكل ما أعمله أن أحوله إلى طفل صغير، ألبي له كل حاجاته، فينتهي الصراع الداخلي الذي يعانيه بسرعة". وترجع دراسات طبية حديثة إلى أن بعض الأطعمة تحدد مزاج الصائم، لذا يجب اعتماد نظام غذائي متوازن. وتحذر الدراسات أيضاً من"الإكثار من تناول البروتين والمواد الدهنية ليلاً، إذ أن ذلك يمكن أن يؤدي إلى نوم مضطرب، تشوبه الكوابيس، وأخطر من ذلك، تسببه في تعكير المزاج طيلة اليوم التالي". وتؤكد الدراسات أيضاً أن"البروتين والمواد الذهنية ينتج عنها حرمان الدماغ من الاستفادة من مادة"السيروتونين"، التي تلعب دوراً أساسياً في صفاء المزاج والشعور بالسعادة". ويعتبر محللون نفسيون أن"الصيام ترجمة لرضا الفرد عن نفسه، وتضحية بالوجود الشخصي بالامتناع عن الطعام والشراب، وبالوجود النوعي بالإمساك عن الشهوة الجنسية، تعبيراً كذلك عن القوة الكامنة المادية والمعنوية في الإنسان، كما أنه فرصة لاكتساب قوة الإرادة ومواجهة جميع احتمالات الحياة بحلوها ومرها وسائر أوجهها"، كما يرون في الصيام تدريب على الصبر، والقدرة على الامتناع عن الطعام والشراب، وتقوية للإرادة الكامنة داخل جسم الإنسان، ويعتبرون أنه مناسبة للمدمنين على التدخين للاقلاع عن هذه العادة". ويرى اختصاصي الطب النفسي طلال العبد رب النبي أن"من أسباب تعكر المزاج عند الصائمين، وانخفاض معنوياتهم عند الصيام، وجود قدر كبير من القلق النفسي لديهم، والخوف الغامض من أن يعانوا من امتناعهم عن الطعام والشراب، وأن عليهم الانتظار إلى المغرب.