لم يدر في خلد ذلك الشاب اليافع النحيل، والمتخرج حديثاً من قسم الإعلام بجامعة الملك سعود بالرياض، أن القدر يخبئ له مستقبلاً باهراً في مجال الإعلام ويصبح الاسم الأهم والأغلى في سماء الإعلام العربي الممتد من المحيط إلى الخليج، بل ان شهرته الواسعة تجاوزت ذلك ووصلت إلى العالمية بشهادة الكثير من الخبراء والمتخصصين العالميين . ولكن تلك النجومية الساحقة لم تأتِ إلا بعد سلسلة طويلة من الجد والكفاح والمثابرة والإصرار، مُزجت بسلسلة مماثلة من الإخفاقات والعثرات والمنغصات كادت بل انها استطاعت في بعض الأحيان أن تُرمي به يعيداً عن ذلك المستطيل الذي يُجيد اللعب فيه بلغة عصرية واثقة وبأسلوب رائع ولافت، حتى انه عاد للمربع الأول أكثر من مرة، ولكن ذلك لم يُثنِ عزيمته أو يكسر طموحاته التي بلا حدود مع الاعتذار لبرنامج"بلا حدود"في تلك القناة بل العكس تماماً، إذ كان يقف بعد كل كبوة ونكسة أشد عوداً وأقوى عزيمة وأكثر تألقاً. بدأ ذلك الشاب الطموح رحلته الشاقة والممتعة عام 2000 بإذاعة الرياض يُقدم برنامجاً هنا وفقرة هناك، ولكن يُعتبر برنامج"سهرة بلا عنوان"البداية الحقيقية لهذا المذيع الواعد والقادم من المجهول بالنسبة لرؤسائه وزملائه وجماهيره. وبمجرد تدشين القناة الرياضية السعودية كان من أوائل الأسماء التي تم الاستعانة بها للإسهام في مسيرة هذه القناة الجديدة، وقد تدرج وقدم الكثير من البرامج والفقرات، ولكن يظل"مواجهة"هو البرنامج الأهم والأشهر في مسيرته الإعلامية المحلية والخليجية، وقد كان المشاهد السعودي والخليجي يحرص مساء السبت من كل أسبوع على متابعة مواجهة ملتهبة وحادة وصريحة يُديرها مذيع غير تقليدي يوجه السهم تلو الآخر لضيفه الذي يتحول في كثير من المواجهات إلى مجرد فريسة سهلة لا تقوى على ذلك السيل من الأسئلة والاتهامات والانتقادات، تماماً كالسهام المنطلقة بكل قوة وسرعة ودقة لتصيب قلب الحقيقة وأحياناً كثيرة قلب الضيف. وعلى رغم انشغاله الدائم بالعمل في الإذاعة والتلفزيون إلا انه برز أيضاً وبشكل لافت كمحرر صحافي في صحف عدة أهمها"الاقتصادية"، وان كانت بصمته الرائعة في المجال الصحافي مرتبطة بمشاركته في تأسيس صحيفة"شمس"ورئاسة تحريرها. ولكن على رغم كل ذلك النجاح والشهرة في مسيرة ذلك الشاب الطموح يظل عام 2006هو الأبرز، إذ وقع الاختيار عليه لتقديم برنامج رياضي مصاحب لمونديال ألمانيا 2006 لمصلحة قناة"العربية". وهكذا ولمدة ثلاثة أعوام متتالية يحصل على لقب أفضل مقدم برامج رياضية على امتداد الوطن العربي، ويحظى برنامجه الرياضي الشهير"في المرمى"على أعلى نسبة مشاهدة، هي الأعلى على المستوى العربي وذلك بشهادة مؤسسات إعلامية كبيرة ومستقلة. ذلك المذيع السعودي اللامع مجرد مثال صارخ للمستوى الكبير الذي يتمتع به الإنسان على هذه الأرض الطيبة من إمكانات وقدرات وإبداعات ومواهب، فقط الأمر في حاجة إلى بعض أقول بعض الرعاية والاهتمام وتوفر الفرص المتكافئة، ونحن ولله الحمد والمنة نتوسد الحضارة والتاريخ ونستلقي على الثراء والخيرات وننعم بالراحة والطمأنينة، لا ينقصنا شيء أبداً. ويبقى السؤال المحير هنا... لماذا يهاجر ذلك المذيع ورفاقه من سمائنا الإعلامية ليحلقوا بكل براعة وتألق في تلك السماوات البعيدة؟ من السبب وراء تلك الهجرة المتزايدة لمبدعينا وطاقاتنا؟ دع"الريموت كونترول"يُقلّب المحطات والقنوات كيفما شاء، وتوقف قليلاً عند اصطدامك فجأة بوجه تبدو عليه السحنة السعودية. هل جربت ذلك؟ أنا فعلت! وشاهدت بكل فخر وحسرة بعضاً من تلك الطيور المهاجرة في تلك المحطات العربية تصدح بكل عذوبة وروعة. شاهدت نادين البدير وسليمان الهتلان وبُثينة النصر في قناة"الحرة"، وتركي الدخيل وصالح الثبيتي في"العربية"، وعلي الظفيري في قناة"الجزيرة"، وعلي العلياني وزميلتيه في ال LBC، وابتسام الحبيل في"الجزيرة الرياضية"، وماجد التويجري في ال MBC، وأنيس القديحي في ال BBC العربية، وحسن الحمادي في قناة الأنوار، والكثير الكثير من الأسماء السعودية الرائعة. لقد نسيت عزيزي القارئ أن أخبرك بأن ذلك المذيع السعودي الشهير هو بتال القوس، كما نسيت أن أخبرك أيضاً بأنه يتقاضى 75 ألف ريال شهرياً، إضافة إلى الكثير من الامتيازات والحوافز، هل يُساعد هذا الرقم في كشف أسباب ذلك الهروب الكبير؟ [email protected]