محمود درويش واحد من أهم آبائي الشعريين، وهو الصوت الأكبر في الحداثة المعاصرة. لا أنكر أن كثيرين رسموا في ذاكراتي أفقهم الشعري، وأن كثيرين استطاعوا أن يملأوا عقلي وانفعالاتي بهم وبشعرهم، ولكن محمود درويش هو من استطاع واستطعت معه أن أنمو، وأن يترك في مخيلتي صدى أكبر حتى صرت استحضره مع قلة قليلة من الشعراء عندما أكتب قصيدتي. إن محمود درويش هو من أثث البيت الشعري الحداثي بكثير من المقتنيات التي لم تكن ولم تعد موجودة. إنه عراب مهم للموجة الأكبر في شعر الحداثة، لقد أصبح معطفه كبيراً كغوغول وخرج منه كثيرون، وموته الآن هو موت لمن لم يعد درويشاً، وسيعيد جيلي والأجيال الأخرى قراءته واستنبات الأصول الخضراء في شعره. وحين أقول كلماتي العجلى، وأنا في غرفة انتظار رحلة خارجية، فإني أحسب أنها بالفعل قالت حروفاً لم أعد أدرك كيف كنت أمتلأ بها إلا الآن، لاسيما وأنا استحضر رقم بطاقته الفلسطينية وظله الأعلى ومفرداته الكثيرة جدا، وأعرف أنه الشاعر ورئيس التحرير والمثقف والسياسي.