إن الحديث عن شاعر بحجم محمود درويش له منزلقاته المعقدة، فدرويش الذي رحل عن كوكبنا مساء السبت الماضي ترك وراءه إرثاً شعرياً حداثياً كبيراً، يذكر الجمهور العربي بإرث محمد مهدي الجواهري في الجانب الكلاسيكي. فتح درويش عبر تجربته الشعرية التي تتجدد دون توقف باب الوغول في الحداثة على الطريقة الدرويشية، فأنشأ مدرسة خاصة به وبنهجه الشعري. إن من يقرأ درويش سيرى كيف استفاد حتى من الشعراء الصغار كما كان يقول في إحدى مقابلاته، لم يكن شاعرا متعاليا، يدعي عدم التأثر بما يقرأ، بل كان - وخلافاً لأنداده الكبار- يُقر بتأثره بما يقرأ من شعر لشعراء مغمورين. قدم محمود درويش روائعا استثنائية في الشعر العربي، من هذه الروائع جداريته التي حاكى فيها فلسفة الموت، ولا اتذكر أني وقفت على منهج شعري تطرق للموت بهذه الطريقة الفذة، بلا شك إن محمود درويش يدهشني حين أقرأ له، بل ويؤثر في أعماقي الشاعرية، ما يدخلني في قلق التأثر الفكري الشعري تارة، وفي قلق الاستقلال تارة أخرى. إن أكثر ما تذكرته فور وصول رسالة من أحد الشعراء تخبرني عن وفاة شاعرنا الكبير كان "قالت لي امرأة هذا هو اسمك"، كيف لا وأنا من بكى حين قرأ الجدارية، كيف لا وأنا من تعلم منها الكثير، كيف لا وهو شاعر المقاومة الفلسطينية بامتياز. درويش ارقد لأقول لك مرثيتك، مرثيتك التي لا ننتظرها لأنك حي فينا تماما كما الشهداء، تماما كنجم يطل علينا من بعيد، كحلم ليس فيه إلا"كَ".. ستبقى كلماتك تدور في مخيلتي، فهل خلدت نفسك في دماغي يا ابن أكثر من أبٍ.