وزير الخارجية: لم نتخذ قرارا نهائيا للانضمام إلى بريكس    وزير الخارجية يشارك في جلسة بعنوان "السعي نحو الأثر: تعزيز الجهود من خلال المنتديات الدولية" في دافوس 2025    القصبي: 540 مليار ريال حجم تجارة الخدمات بالسعودية    سوريا مساعٍ حثيثة للإصلاح ومنع الحرب الأهلية    أعمال العنف تؤكد رغبة إسرائيل في تعزيز الاستيطان    السفير في دمشق يلتقي المبعوث الأممي إلى سورية    الفتح يقتنص فوزاً مهماً من ضمك في دوري روشن للمحترفين    الحزم يتغلّب على أحد بثلاثية ويسترد وصافة دوري يلو    جامعة الأمير سطام تُتوج بكأس الجامعات لكرة القدم "ب"    شراكة علمية بين مركز الملك سلمان لأبحاث الإعاقة وجامعة الجوف    أنطلاق بطولة مهارات التفوق الغذائية للأشخاص ذوي الإعاقة الذهنية    شتاء يُزهر بالجمال والمتعة مع جمعية يُسر الاجتماعية بمكة المكرمة    وكيل محافظ الطائف يشهد حفل تكريم 850 طالباً وطالبة بالتعليم    إحباط تهريب 352275 قرصًا من مادة الأمفيتامين بحالة عمار    روماريو: نيمار عانى في مسيرته مع الهلال.. أتمنى عودته للبرازيل    جمعية "سند" الخيرية تُكرم الفائزين بجائزة الأميرة عادلة بنت عبدالله    جرد مصادر المعلومات لتطوير 153 مكتبة عامة    الشذوذ ومعالجة الانحراف السلوكي    المدينة تستقبل الدفعة الثالثة من ضيوف الملك    مساعد رئيس مجلس الشورى تلتقي المديرة التنفيذية لهيئة الأمم المتحدة للمرأة    إنتاج المدينة من التمور يزداد بنسبة 31%    دبلوماسي سعودي رفيع المستوى يزور لبنان لأول مرة منذ 15 عاما    22 ولاية تطعن في أوامر ترمب لمنع منح الجنسية بالولادة    مكتبة الملك عبدالعزيز العامة تعقد ورشة عمل عن أسس ترميم المخطوطات والوثائق    رابطة العالم الإسلامي تعزي تركيا في ضحايا الحريق بمنتجع بولاية بولو    «التجارة»: 19% نمو سجلات «المعلومات والاتصالات»    حسام بن سعود: التطوير لمنظومة العمل يحقق التطلعات    آل الشيخ: خطبة الجمعة للتحذير من ظاهرة انتشار مدعي تعبير الرؤى في وسائل الإعلام والتواصل الاجتماعي    محافظ الأحساء يُدشّن وجهة "الورود" أحدث وجهات NHC العمرانية في المحافظة    أقل من 1% تفصل الذهب عن قمته التاريخية    بدء أعمال المرحلة الثانية من مشروع تطوير الواجهة البحرية لبحيرة الأربعين    نائب أمير الشرقية يستقبل مدير جوازات المنطقة بمناسبة تعيينه    الأمير محمد بن ناصر يدشن المجمع الأكاديمي الشرقي بجامعة جازان    أمير الشرقية يكرم الداعمين لسباق الشرقية الدولي السادس والعشرين للجري    محافظ الخرج يستقبل مدير مكافحة المخدرات    أنغولا تعلن 32 حالة وفاة بسبب الكوليرا    صندوق الاستثمارات العامة وشركة "علم" يوقّعان اتفاقية لاستحواذ "علم" على شركة "ثقة"    500 مليار دولار في البنية التحتية للذكاء الاصطناعي بالولايات المتحدة    كعب «العميد» عالٍ على «الليث»    فرصة هطول أمطار رعدية على عدة مناطق    وفاة مريضة.. نسي الأطباء ضمادة في بطنها    اعتباراً من 23 رجب.. حالة مطرية «سابعة» تترقبها السعودية    انخفاض في وفيات الإنفلونزا الموسمية.. والمنومون ب«العناية» 84 حالة    سكان جنوب المدينة ل «عكاظ»: «المطبّات» تقلقنا    10 % من قيمة عين الوقف للمبلّغين عن «المجهولة والمعطلة»    إيجابية الإلكتروني    شيطان الشعر    وفاة الأمير عبدالعزيز بن مشعل بن عبدالعزيز آل سعود    إنستغرام ترفع الحد الأقصى لمقاطع الفيديو    سيماكان: طرد لاعب الخليج «صعّب المباراة»    قطة تتقدم باستقالة صاحبتها" أون لاين"    وفد "الشورى" يستعرض دور المجلس في التنمية الوطنية    علي خضران القرني سيرة حياة حافلة بالعطاء    كيف تتخلص من التفكير الزائد    عقار يحقق نتائج واعدة بعلاج الإنفلونزا    الدبلوماسي الهولندي مارسيل يتحدث مع العريفي عن دور المستشرقين    خطة أمن الحج والعمرة.. رسالة عالمية مفادها السعودية العظمى    متلازمة بهجت.. اضطراب المناعة الذاتية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



بيوت من ورق !
نشر في الحياة يوم 11 - 08 - 2008

في تعاملنا مع نمط الحياة المعاصر تتبدى لنا الكثير من المفارقات بحكم حداثة هذا النمط على ثقافتنا والسرعة التي وصل بها إلينا، ولعل رؤيتنا لمفهوم السكن تبرز شيئاً من هذه المفارقات، فهناك الكثير من الدلائل التي تؤكد تعاملنا معه بعقلية تراه مرادفاً للخيمة، على رغم أنه ووفق أسلوب الحياة المدنية الذي نحاول اللحاق به يحمل مفهوماً يختلف تماماً عن ذلك، فلم يعد مجرد مأوى يقي من الشمس والرياح والمطر، بقدر ما أصبح جزءاً أصيلاً من نظام هذه الحياة المدنية، ومؤشراً تنعكس عليه شخصية الإنسان المتحضر وسلوكه، ويؤهله للإنجاز والانسجام مع نمطه المعيشي المدني.
أبرز المؤشرات التي تؤكد عدم إدراك مفهوم السكن، تصميمات المنازل التي يغّلب فيها الحرص على جوانب اجتماعية ومادية وتجارية على نواحي السلامة والصحة والراحة والانسجام مع المكان، والتي تمثل جميعاً الهدف الأساس من بناء السكن، فهناك من يحرص على الجانب الاجتماعي في السكن بطريقة تفقده قيمته والأهداف التي يحققها، ويفرض عليه جوانب تصميمية تخلو من الذوق والفكرة لمجرد توهمات ترى أن من الدين تحويل المنازل إلى ما يشبه القلاع المنعزلة عن العالم، وترى في إحكام سد منافذ التهوية والإضاءة حفاظاً على الستر وتجنب عيون الآخرين، على رغم أن ذلك يجعل من المنازل خزائن إسمنتية خانقة، وينفي عنها أهم الشروط التي توفر الراحة في السكن والانسجام بين المنزل وقاطنيه، والذي قد يفسر انتشار الأمراض التنفسية التي تعزى غالباً لعدم الحصول على الكمية الكافية من الهواء والإضاءة الطبيعيين.
أما أنظمة السلامة فلا تعد من الأمور التي يُلتفت إليها في بناء المنازل، لأنها تعكس الوعي والتمكن الفعلي من الاستفادة من الحياة المدنية المعاصرة في واقعنا على نحو أمثل، وهذا الوعي هو ما نفتقر إليه ولم نتمكن منه، على رغم لهاثنا المستمر لتحقيقه، فأنظمة السلامة لا يزال استخدامها حكراً على بعض المباني ذات الطابع التجاري والمؤسسي، أما المنازل فقليلة تلك التي يوجد بها طفايات الحريق وأجهزة استشعار الدخان، وأدوات الإسعاف الأولي، على رغم أن كثيراً من حوادث الحريق، والحوادث بشكل عام، تحدث في المنازل لأنها المكان الأكثر استهلاكاً واستخداماً ووجوداً من بين أنواع المباني الأخرى.
ويظهر أيضاً عدم إدراك مفهوم السكن في تغليب جانب التزيين المبالغ فيه بطريقة تستهلك الجهد والمال والمساحة التي من المفترض أن تستغل في ما يعود على أهل المنزل بمزيد من الانسجام والراحة التي تكمن في البساطة التي تريح العين والنفس، ومن هذه المبالغة الزج بأنواع الديكورات التي لا تلائم بيئتنا وتمثل بيئات وأنماطاً معيشية أخرى مغايرة تماماً للنمط المعيشي الذي نعيشه، الذي تكونه الكثير من العوامل البيئية والثقافية والاجتماعية، مثل انتشار التزيين بديكورات المدافئ والمداخن الأوروبية الطراز، على رغم أننا نعيش في بيئة صحراوية لا يأتيها الثلج إلا أياماً قليلة في العام على أكبر تقدير!
وأيضاً المبالغة في استخدام أنواع الأثاث الذي قد لا يتفق مع استخداماتنا له لمجرد الانصياع لرغبات شركات التأثيث، فضلاً عن استخدام الألوان التي لا تناسب بيئتنا ولا تزيد من إمكان تكيفنا معها، والذي يعكس نهماً استهلاكياً لا يقننه التبصر بمفهوم السكن وكيفية تحويله إلى مكان أمثل نلجأ إليه هرباً من عناء الحياة وصخبها... أما تغليب النواحي المادية التجارية في بناء المساكن و تصميماتها فقد ازدادت وطأته على خلفية تضخم الأسعار، حتى تحول السكن المناسب إلى حلم يستعصي على الغالبية الساحقة، وأزمة تقض المضاجع، وأدى ذلك إلى سعار أصاب المؤجرين وملاك العقارات في استغلال الغلاء وفرض أسعار غير منطقية على مختلف أنواع العقارات، وابتكار الطرق التي تحقق لهم الاستغلال الأمثل للمستأجرين، والتي منها تُجزأ الفيلل إلى شقق صغيرة بطريقة قد تحول الفيلا الواحدة، التي لا تتسع سوى لعدد محدود، إلى ست شقق أو أكثر، وشقق فوق السطوح تنحشر فيها الأنفس بأكثر مما تستوعبه طاقة المبنى، وعلى رغم أنها موجهة لذوي الدخول المنخفضة، إلا أن سعر الواحدة منها قد يساوي إيجار فيلا كاملة قبل أزمة التضخم الحالية!
وترمم هذه الفيلل و تُجزأ بهذه الطريقة في غياب تام لأنظمة السلامة وشروط المسكن اللائق للاستخدام الآدمي، مثل التهوية والإضاءة والمساحة الكافية، ولم تعد هذه الظاهرة حكراً على الأحياء الفقيرة بل تجاوزت ذلك لتشمل الأحياء المتوسطة والراقية، وتزامن تغليب الغرض التجاري في ترميمها وإعادة تشكيلها مع إغفال جودة التجهيزات وانعدام وجود أنظمة السلامة، واستخدام الأدوات الرديئة في البناء والتجهيزات التي منها الموصلات الكهربائية التي من المفترض أن تنتقى بعناية، الأمر الذي قد يؤدي إغفاله إلى نشوب الحرائق وتعريض الأرواح للخطر، بسبب زيادة في المكاسب تُرضي نهم المؤجرين وتستهتر بحياة المستأجرين.
هناك الكثير من الأخطاء التي تسببها عشوائية النظر لمسألة محورية في حياة الإنسان والتي يمثلها السكن كجزء من حاجاته الأزلية التي لا يستغني عنها، مهما اختلفت بيئته وثقافته، والعشوائية التي تكمن في إغفال اعتماده وفق رؤية سليمة تمكننا من صياغته وفق متطلبات المدنية الحديثة، وما يناسب بيئتنا والجوانب الإيجابية من ثقافتنا وسلوكنا الاجتماعي، بحيث لا تفسد القيمة الأساسية التي يمثلها مفهوم السكن، والتي من دون إدراكها ستكون بيوتنا في ضعفها عن تمثيل حاجاتنا وملاءمة بيئتنا وتحقيق متطلباتنا مثل"بيوت من ورق"!
[email protected]


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.