دول آسيا تبحث عن حلول للتعامل مع حرب التجارة الصينية الأمريكية    التعاون يتغلب على الشارقة الإماراتي في ذهاب نصف نهائي أبطال آسيا 2    وقف مساعدات الغذاء حكم بالإعدام يهدد ملايين المنكوبين    تصعيد إسرائيلي مميت قصف مكثف وإغلاق مدارس الأونروا    من البرازيل.. رودريغيز يستهدف مدرب الهلال للتغطية على كوارثه!    هدف نيوم السابق.. تقارير مصرية تؤكد تعاقد الأهلي المصري مع زيزو    وزير الخارجية يصل إلى الولايات المتحدة في زيارة رسمية    فليك يطالب لاعبي برشلونة بأداء قوي ويحذر من قوة دورتموند    قرعة كأس آسيا لكرة السلة تضع الأخضر في المجموعة الثالثة مع الصين والأردن والهند    النقل الإسعافي يستقبل 5 آلاف بلاغ بالمدينة المنورة    أمير منطقة تبوك يستقبل وكلاء ومنسوبي الامارة بمناسبة عيد الفطر    أمير منطقة تبوك يستقبل المشرف جامعة فهد بن سلطان وأمين المنطقة    تنبيه من السفارة السعودية لدى اليونان    الاستثمار الرياضي يناقش تطوير البنى التحتية    حرس الحدود بعسير يضبط 4 مقيمين بنغلاديشيين لممارستهم الصيد بمنطقة محظورة    مباحثات لتعزيز التعاون الدفاعي بين السعودية والعراق    إطلاق اختبارات "نافس" في جميع المدارس الابتدائية والمتوسطة    "السعودية للكهرباء" تطلق المرحلة الثانية من نظام تخزين الطاقة بالبطاريات    الخبر ال 61 عالميا ضمن قائمة المدن الذكية لعام 2025    الديوان الملكي: وفاة صاحب السمو الأمير عبدالله بن مساعد آل عبدالرحمن آل سعود    أمير حائل يطلع على خطط وبرامج جمعية حضارات للتراث    الدفاع الجوي يخرج السرية الثانية لنظام "ثاد" في قاعدة فورت بليس الأمريكية    نائب أمير المنطقة الشرقية يستقبل مدير عام فرع الأحوال المدنية بالمنطقة    أمير المدينة يستقبل قائد أمن المنشآت    تعليم الطائف يطلق البرنامج التدريبي التدريس المعتمد على المعايير في مقررات العلوم    رئاسة الافتاء تصدر كتابا علمياً عن خطر جريمة الرشوة على الفرد ومقدرات الوطن    الصحة القابضة والتجمعات الصحية تختتم حملة "صم بصحة" ب40 مليار خطوة و3.7 مليون فحص خلال رمضان    تدخل جراحي عاجل يُنقذ بصر طفل أصيب بألعاب نارية في عنيزة    رئيس وزراء جُزر سليمان يستقبل الرئيس التنفيذي ل «صندوق التنمية»    أسماء الفائزين والشخصية الثقافية ل جائزة الشيخ زايد للكتاب في دورتها ال 19    عسير في خريطة العمارة السعودية.. تعزيز لأصالة البناء وجماليات التصميم    سحب رعدية ممطرة ورياح نشطة على عدة مناطق في المملكة    الخارجية الفلسطينية ترحب بمخرجات القمة الثلاثية المصرية الأردنية الفرنسية في القاهرة    الهلال الأحمر بنجران يكشف إحصائيات شهر مارس 2025    هل هناك رقم مقبول لعدد ضحايا حوادث المرور؟    "الحج" تحدد غرة ذي القعدة "آخر موعد".. و"الداخلية": 100 ألف ريال غرامة تأخر مغادرة الحجاج والمعتمرين    أمير جازان يشهد توقيع عدد من الاتفاقيات والشراكات المجتمعية.. تدشين حملة الأمير سلطان بن عبدالعزيز للتوحد    6.8 مليون مسافر في ذروة العمرة عبر 4 مطارات بالمملكة    الهلال.. مجد تحول لأطلال    خسارة النصر.. تغربل الهلال قبل النخبة الآسيوية    نقاط التحول    الساعة    ماجد المصري: لم أتوقع نجاح "رجب الجرتلي" الشرير والحنون    الجسر البري السعودي يُشعل المنافسة بين الشركات العالمية    لك حق تزعل    اتفاقات مع "قسد" في طريق التعافي بخطوات ثابتة.. سد تشرين والنفط تحت إدارة الدولة السورية    في أسبوع الصحة العالمي.. الأمومة والطفولة تحت الحصار والإبادة.. 90 % من الحوامل والمرضعات بالقطاع يعانين سوء تغذية حاد    موجة تفشى الحصبة الحمراء في أمريكا    ماذا بعد العيد؟    "أكيارولي».. قرية إيطالية يشيخ سكانها دون أمراض    رجال الأمن صناع الأمان    بين النصّ الورقي و الأرشفة الرقمية.. حوار مع إبراهيم جبران    حوارات فلسفية في تطوير الذات    الموظف واختبار القدرات    الرئاسة العامة لهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر تنظِّم لقاء معايدة    العلاقة بين وسائل التواصل والتربية السليمة    صدح بالآذان 40 عاماً .. الموت يغيب المؤذن محمد سراج ليلة العيد    "البصيلي": يستقبل المهنئين بعيد الفطر المبارك    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



بيوت من ورق !
نشر في الحياة يوم 11 - 08 - 2008

في تعاملنا مع نمط الحياة المعاصر تتبدى لنا الكثير من المفارقات بحكم حداثة هذا النمط على ثقافتنا والسرعة التي وصل بها إلينا، ولعل رؤيتنا لمفهوم السكن تبرز شيئاً من هذه المفارقات، فهناك الكثير من الدلائل التي تؤكد تعاملنا معه بعقلية تراه مرادفاً للخيمة، على رغم أنه ووفق أسلوب الحياة المدنية الذي نحاول اللحاق به يحمل مفهوماً يختلف تماماً عن ذلك، فلم يعد مجرد مأوى يقي من الشمس والرياح والمطر، بقدر ما أصبح جزءاً أصيلاً من نظام هذه الحياة المدنية، ومؤشراً تنعكس عليه شخصية الإنسان المتحضر وسلوكه، ويؤهله للإنجاز والانسجام مع نمطه المعيشي المدني.
أبرز المؤشرات التي تؤكد عدم إدراك مفهوم السكن، تصميمات المنازل التي يغّلب فيها الحرص على جوانب اجتماعية ومادية وتجارية على نواحي السلامة والصحة والراحة والانسجام مع المكان، والتي تمثل جميعاً الهدف الأساس من بناء السكن، فهناك من يحرص على الجانب الاجتماعي في السكن بطريقة تفقده قيمته والأهداف التي يحققها، ويفرض عليه جوانب تصميمية تخلو من الذوق والفكرة لمجرد توهمات ترى أن من الدين تحويل المنازل إلى ما يشبه القلاع المنعزلة عن العالم، وترى في إحكام سد منافذ التهوية والإضاءة حفاظاً على الستر وتجنب عيون الآخرين، على رغم أن ذلك يجعل من المنازل خزائن إسمنتية خانقة، وينفي عنها أهم الشروط التي توفر الراحة في السكن والانسجام بين المنزل وقاطنيه، والذي قد يفسر انتشار الأمراض التنفسية التي تعزى غالباً لعدم الحصول على الكمية الكافية من الهواء والإضاءة الطبيعيين.
أما أنظمة السلامة فلا تعد من الأمور التي يُلتفت إليها في بناء المنازل، لأنها تعكس الوعي والتمكن الفعلي من الاستفادة من الحياة المدنية المعاصرة في واقعنا على نحو أمثل، وهذا الوعي هو ما نفتقر إليه ولم نتمكن منه، على رغم لهاثنا المستمر لتحقيقه، فأنظمة السلامة لا يزال استخدامها حكراً على بعض المباني ذات الطابع التجاري والمؤسسي، أما المنازل فقليلة تلك التي يوجد بها طفايات الحريق وأجهزة استشعار الدخان، وأدوات الإسعاف الأولي، على رغم أن كثيراً من حوادث الحريق، والحوادث بشكل عام، تحدث في المنازل لأنها المكان الأكثر استهلاكاً واستخداماً ووجوداً من بين أنواع المباني الأخرى.
ويظهر أيضاً عدم إدراك مفهوم السكن في تغليب جانب التزيين المبالغ فيه بطريقة تستهلك الجهد والمال والمساحة التي من المفترض أن تستغل في ما يعود على أهل المنزل بمزيد من الانسجام والراحة التي تكمن في البساطة التي تريح العين والنفس، ومن هذه المبالغة الزج بأنواع الديكورات التي لا تلائم بيئتنا وتمثل بيئات وأنماطاً معيشية أخرى مغايرة تماماً للنمط المعيشي الذي نعيشه، الذي تكونه الكثير من العوامل البيئية والثقافية والاجتماعية، مثل انتشار التزيين بديكورات المدافئ والمداخن الأوروبية الطراز، على رغم أننا نعيش في بيئة صحراوية لا يأتيها الثلج إلا أياماً قليلة في العام على أكبر تقدير!
وأيضاً المبالغة في استخدام أنواع الأثاث الذي قد لا يتفق مع استخداماتنا له لمجرد الانصياع لرغبات شركات التأثيث، فضلاً عن استخدام الألوان التي لا تناسب بيئتنا ولا تزيد من إمكان تكيفنا معها، والذي يعكس نهماً استهلاكياً لا يقننه التبصر بمفهوم السكن وكيفية تحويله إلى مكان أمثل نلجأ إليه هرباً من عناء الحياة وصخبها... أما تغليب النواحي المادية التجارية في بناء المساكن و تصميماتها فقد ازدادت وطأته على خلفية تضخم الأسعار، حتى تحول السكن المناسب إلى حلم يستعصي على الغالبية الساحقة، وأزمة تقض المضاجع، وأدى ذلك إلى سعار أصاب المؤجرين وملاك العقارات في استغلال الغلاء وفرض أسعار غير منطقية على مختلف أنواع العقارات، وابتكار الطرق التي تحقق لهم الاستغلال الأمثل للمستأجرين، والتي منها تُجزأ الفيلل إلى شقق صغيرة بطريقة قد تحول الفيلا الواحدة، التي لا تتسع سوى لعدد محدود، إلى ست شقق أو أكثر، وشقق فوق السطوح تنحشر فيها الأنفس بأكثر مما تستوعبه طاقة المبنى، وعلى رغم أنها موجهة لذوي الدخول المنخفضة، إلا أن سعر الواحدة منها قد يساوي إيجار فيلا كاملة قبل أزمة التضخم الحالية!
وترمم هذه الفيلل و تُجزأ بهذه الطريقة في غياب تام لأنظمة السلامة وشروط المسكن اللائق للاستخدام الآدمي، مثل التهوية والإضاءة والمساحة الكافية، ولم تعد هذه الظاهرة حكراً على الأحياء الفقيرة بل تجاوزت ذلك لتشمل الأحياء المتوسطة والراقية، وتزامن تغليب الغرض التجاري في ترميمها وإعادة تشكيلها مع إغفال جودة التجهيزات وانعدام وجود أنظمة السلامة، واستخدام الأدوات الرديئة في البناء والتجهيزات التي منها الموصلات الكهربائية التي من المفترض أن تنتقى بعناية، الأمر الذي قد يؤدي إغفاله إلى نشوب الحرائق وتعريض الأرواح للخطر، بسبب زيادة في المكاسب تُرضي نهم المؤجرين وتستهتر بحياة المستأجرين.
هناك الكثير من الأخطاء التي تسببها عشوائية النظر لمسألة محورية في حياة الإنسان والتي يمثلها السكن كجزء من حاجاته الأزلية التي لا يستغني عنها، مهما اختلفت بيئته وثقافته، والعشوائية التي تكمن في إغفال اعتماده وفق رؤية سليمة تمكننا من صياغته وفق متطلبات المدنية الحديثة، وما يناسب بيئتنا والجوانب الإيجابية من ثقافتنا وسلوكنا الاجتماعي، بحيث لا تفسد القيمة الأساسية التي يمثلها مفهوم السكن، والتي من دون إدراكها ستكون بيوتنا في ضعفها عن تمثيل حاجاتنا وملاءمة بيئتنا وتحقيق متطلباتنا مثل"بيوت من ورق"!
[email protected]


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.