شككت دراسة حديثة في أرقام ونسب التضخم المعلنة في دول مجلس التعاون الخليجي، ووصفتها بأنها غير دقيقة، لأسباب عدة، أولها قيام الحكومات الخليجية بدعم بعض السلع والمنتجات والخدمات بشكل مباشر وغير مباشر، وعدم القيام بإحصاءات للأسعار القياسية وموازنة الأسرة في الدول الخليجية. وأوضحت الدراسة التي أعدتها الأمانة العامة لدول مجلس التعاون الخليجي وحصلت"الحياة"على نسخة منها، أن المؤشر الحقيقي الأكثر وضوحاً في عكس مستويات التضخم الحقيقية هو معدل دخل الفرد في دول المجلس، لافتة إلى أن هناك تناقصاًً واضحاً في القوة الشرائية لمعدلات دخول الأفراد، مقارنة بما كانت عليه في السنوات القليلة الماضية. وعزت أسباب التضخم في دول الخليج إلى النمو الاقتصادي السريع، الذي أدى إلى ارتفاع الدخل بسبب الارتفاع القياسي في أسعار النفط، وبالتالي زيادة الإيرادات النفطية، وهو ما أدى إلى زيادة الإنفاق الحكومي، خصوصاً في مشاريع البنية التحتية، إلى جانب زيادة الطلب على العقارات جراء نقص الوحدات السكنية، ما أدى إلى ارتفاع أسعار مواد البناء والإنشاءات، لينعكس ذلك على زيادة أسعار العقارات عموماً، والإيجارات خصوصاً. وأكدت الدراسة أن جانباً من أسباب التضخم في دول التعاون يعود إلى ارتفاع الطلب على السلع الاستهلاكية، الناجم عن النمو السكاني السريع والكبير، بسبب زيادة أعداد المواطنين والمقيمين في دول مجلس التعاون، وبالتالي زيادة الأسعار، إضافة إلى ارتفاعها في دول المنشأ، وكذلك الارتفاع الموازي لأسعار السلع الرئيسية الداخلة في عمليات الإنتاج والنقل، كأسعار المحروقات، وزيادة رسوم الخدمات الحكومية، التي أسهمت في تعزيز ظاهرة ارتفاع الأسعار. ودعت إلى ضرورة إعداد دراسات علمية للبحث في أسباب هذه الظاهرة وآثارها وانعكاساتها وتداعياتها السلبية، ومن ثم الوصول إلى طرق معالجتها بالشكل المطلوب، خصوصاً أن تقارير دولية تشير إلى أن معدلات التضخم في دول الخليج مرشحة للارتفاع إلى مستويات جديدة خلال العام الحالي. وأشارت إلى أن تقارير صندوق النقد الدولي أشارت إلى أن معدلات النمو هذا العام ستكون متفاوتة بين تراجع في قطر والبحرين والإمارات والكويت، وارتفاع طفيف في عُمان والسعودية، في حين أن متوسط التضخم قد يصل إلى 9 في المئة. كما تطرقت الدراسة إلى الآثار السلبية لارتفاع معدلات التضخم على مناخ الاستثمار في دول مجلس التعاون الخليجي، وقالت:"إن الكثير من رؤوس الأموال والاستثمارات بدأت تُعيد النظر في بقائها في دول التعاون، في حين قررت استثمارات أخرى الهجرة من الخليج إلى أسواق أخرى في العالم"، وهو ما اعتبرته الدراسة انعكاساً لمعدلات التضخم المرتفعة على مستويات دخول الأفراد في دول الخليج، إذ انخفضت القوة الشرائية للعملات الخليجية والقيمة الحقيقية لمعدلات دخل الأفراد، وخصوصاً العمالة الوافدة التي ارتفعت أصواتها، مطالبة بتحسين أجورها ورفع رواتبها في ظل انخفاض قيمة عملات دول المجلس وقوتها الشرائية والناجم من ارتفاع معدلات التضخم. وطالبت الدراسة جميع الجهات المعنية بالعمل على الحد من الآثار السلبية للضغوط التضخمية، من خلال إعادة النظر في ربط عملات دول المجلس بالدولار، وتسريع خطوات الوصول إلى العملة الخليجية الموحدة، وامتصاص السيولة الهائلة من الأسواق المحلية، وتشديد الرقابة على أسعار السلع والخدمات، والحد من ارتفاع الإيجارات. كما دعت إلى إنشاء شركة مساهمة عامة برأسمال وطني من القطاعين العام والخاص من مختلف دول مجلس التعاون، تقوم بالشراء الجماعي للسلع الأساسية الست الدقيق، الرز، الزيوت، اللحوم، الحليب، السكر من مصادرها الرئيسية من دول المنشأ، وتوزيعها على الموزعين المحليين، وفقاً لحصص محددة مسبقاً. وقالت الدراسة:"إن غياب الرقابة على الأسعار من طرف المؤسسات المعنية، أعطى شريحة التجار الموردين وتجار الجملة والتجزئة فرصة للتلاعب بأسعار السلع والبضائع، خصوصاً السلع الاستهلاكية الأساسية". وأوضح رئيس مركز الدراسات الاستراتيجية الدكتور عبدالعزيز داغستاني أن معدلات التضخم تقاس وفقاً لمعايير معينة تحددها وزارة الاقتصاد والتخطيط، وفي معظمها يتم استخدام قائمة أوزان للسلع، وربما تحتاج هذه القائمة إلى التحديث في الوقت الراهن، وبحسب التغيرات الاقتصادية والاجتماعية للسعوديين. وقال ل"الحياة":"إن معدلات التضخم تجاوزت 10 في المئة، ووصل التضخم لدينا لخانتين"، وتوقع تزايد معدلات التضخم في الفترة المقبلة، وقال:"من الملاحظ عدم وجود إجراءات حازمة للحد من ارتفاع معدلات التضخم". وعن معايير قياس التضخم لدينا، قال داغستاني:"لا بد من إعادة تحديث مكونات سلة الإنفاق في الأسرة السعودية، بما يتوافق مع نمط حياتها". وأضاف:"اليوم جزء كبير من إنفاق الأسر السعودية يذهب للسكن على هيئة إيجارات، خصوصاً أن الاحصاءات الأخيرة اشارات إلى 70 في المئة من السعوديين لا يمتلكون مساكن، لذا فإن بند الإيجارات يعد جزءاً كبيراً من سلة إنفاق الأسر السعودية اليوم". ولفت إلى أن ارتفاع معدلات الإيجارات في الأشهر الماضية أسهم في ارتفاع معدلات التضخم محلياً، وقال:"شهد قطاع المقاولات ارتفاعاً كبيراً في الاشهر الماضية، خصوصاً مواد البناء الرئيسية والأراضي"، مشيراً إلى أن أساليب ونمط الحياة تغيرت لدى السعوديين، وما كان في الماضي يعد من الكماليات أصبح اليوم من الضروريات، وهذا يشكل ضغطاً على الإنفاق الأسري، مثل اقتناء السيارة ومصروفاتها، والهاتف النقال، وزيادة استهلاك الكهرباء لصعوبة الطقس. وأضاف:"كما أن بند الغذاء يشكل جزءاً مهماً من سلة الإنفاق، وهذا ارتفع بشكل كبير وقد يشكل الضعف". ورأى داغستاني أن معايير قياس معدلات التضخم لا يتوقف على سلة الإنفاق الأسري، خصوصاً أن أهم أسباب التضخم لدينا هو انخفاض قيمة الدولار أمام العملات الأخرى، وقال:"نظراً إلى ارتباط الريال بالدولار، فإن انخفاض قيمة الدولار أمام العملات الأخرى، يؤثر بشكل كبير قي قيمة الريال أمام تلك العملات".