(1)..رواية(مجازا) يشعر المهووسون بالأدب والإبداع بأنهم شخصيات مختلفة عن الآخرين,على عادة كل من يهجس بالثقافة وفنونها. هذا الاختلاف-وهو حقيقي بالفعل-يتحول إلى أزمة شعورية يقبع هؤلاء في اتونها المؤرقة الجميلة,ولا سبيل إلى انعتاقهم منها إلا من خلال طريقين شرعيين-من ثلاثة طرق-حددهما(فرويد)ذات تجل نفسي أدبي(الأحلام ومايدور في فلكها من تخيلات ورؤى-البوح الذاتي المباشر للآخرين,أو من خلال الكتابة الإبداعية شعرا ونثرا).ولكن عندما تتحول الغاية من الفعل الإبداعي إلى وظيفة(فرويد)بشكل تام,التي يتحول معها النص إلى وسيلة(فقط)للتعبير عن ذلك المخزون الذاتي الانفعالي,فإن ذلك المشهد هو الذي قال عنه كولردج:»فيض تلقائي لمشاعر قوية»,وهو يصف الأعمال الرومانسية التي تحتفي بالمضمون العاطفي,على حساب اللغة والاسلوب(الذي عادة مايكون بسيطا مباشرا,ليس له قيمة في ذاته بقدر ماتكمن قيمته في إيصال تلك الرسالة العاطفية)وهي ذات الرسالة التي يريد(المختلفون)أن يكتبوها بسرعة,ليتحرروا بها من نشيج ذواتهم الصاخبة بالأفكار والرؤى,وتعود معها الطمأنينة إلى نفوسهم المتعبة!..كل ذلك يتجلى من خلال نصوص رومانسية بسيطة (قبلناها)منذ زمن,على اعتبار أن موسيقية الايقاع وأناقة اللفظ-في جانب الشكل أو الأسلوب-يمكن أن تعيد للنص الأدبي توازنه,بالرغم من كثافة المضمون العاطفي الذي تعج به تلك النصوص! لكن عندما تكون المسألة تتعلق بجنس أدبي مشروط بالتعقيدات الفنية والتقنيات السردية,والتعدديات الأسلوبية على مستوى السارد والشخصيات الفاعلة وآلية إنتاج الدلالات,فإن المشهد يخرج تماما من جماليات الأدبpoetics,لأن المضمون-الذي هو صوت الكاتب الذي يعبر به عما يختلج داخله من رغبات واحلام وأفراح وعذابات,لترتاح من خلال البوح بها نفسه القلقة الموتورة-تكون له القيمة الوحيدة,التي تختفي معها الملامح الفنية لأسلوب الرواية,التي يضمن وجودها الدخول بجد إلى عالم الرواية الخالصة,فتتحول تلك الأعمال إلى وثائق نفسية واجتماعية وتاريخية وجغرافية..هل أن عدم الوعي بهذه المسألة الحاسمة هو الذي أفضى إلى حالة الضعف الفني والتراكم الفج لرواياتنا المحلية,لعل آخرها ماقرأته مؤخرا عن كاتب مختلف وجميل,ولكنه قطعا لم يكن روائيا في عمله الأخير(وجه النائم)..الذي جعلني أتساءل بمرارة عن سبب إصرار هؤلاء على تصنيف مايكتبونه ضمن جنس(الروااااية)؟هل أصبحت الرواية في الذهنية الجمعية العامة لدينا الشماعة الوحيدة التي نعلق عليها مشاعرنا المكتوبة,واحتجاجاتنا المكبوتة للواقع والأشياء.(صحيح)إن الرواية جنس إبداعي يتسع لفنون شتى,ولكنها تحجم في اللحظة ذاتها أن تكون شيئا كالتاريخ والاجتماع وعلم النفس.كان من الممكن أن نتقبل كثيرا من الأعمال المحلية لو لم يكتب ناشروها ومؤلفوها اسم(رواية)بكل ثقة(تحت العنوان مباشرة)..كان من الممكن أن يكتب هؤلاء نصوصهم ويتركوا للقارئ والناقد حق التصنيف!!أو أن يظل مايكتبونه تحت مسمى الرواية(مجازا وتخيلا)! (2)..قاص وروائي(مجازا)! صاحبنا الذي أعرفه(جيدا)من أطياف الطائف الأدبية منذ سنوات عشرين,وهو يكتب القصة القصيرة والرواية,باللغة نفسها,والوعي القصصي ذاته,والأدوات السردية التي كان يكتب بها نخبة القاصين في عصر ماقبل النهضة الأوروبية,وجماعة التربويين في الكتب المدرسية لدينا..هذه الحقيقة, هو يعرفها,وأنا اعرفها,وهو يعرف إني أعرفها,وكنت أحسب له اعترافه بهذه المعرفة قيمة نبيلة بلا إدعاءات وإنكارات وتبريرات..ما أعاد صاحبنا إلى ذاكرتي ,برنامج ثقافي كان(هو) ضيفه ذات مساء باعتباره قاصا وروائيا كبيرا,لتبدأ أسئلة مقدم البرنامج من هذا الاعتبار,لكأنها أعمى يقود أعمى(س:ماالفرق بين القصة القصيرة والرواية؟فيجيب:الحدث الذي في الرواية)!..ضرب في صميم الإيجاز إلى آخر مدى,ولكنه ليس الإيجاز البليغ الدال,ثم يحاول محاوره التثاقف بإدخال الاتجاه الرمزي في الحوار قسرا,وبلا مبرر على الاطلاق,إذ الرمزية من الاتجاهات التي اشتغل عليها الشعر مديدا,ولم تكن من مفردات العوالم السردية المألوفة إلا في نطاقات دلالية لايعرفه كلاهما(س:ألا تظن أن التجريب في القصة والرواية يقودنا إلى الرمزية التي تنفر القارئ..فيكون الجواب من القاص الكبير:إن التجريب شئ مفيد,وقد قاد الشعر إلى أنماط جديدة كقصيدة النثر التي كتبتها مي زيادة!!). كلاهما من خلال الحوار يسمع عن مصطلحات كالقصة والرواية والتجريب والرمزية ومي زيادة,ولكنهما لايعرفان متى يستخدمانها!ثم ان هذا الوعي القصصي الذي تجلى من خلال إجابات الضيف,هو الذي جعله خلال أكثر من عقدين من الزمن يحوم حول حمى الرواية والقصة,ولكنه لم يقع فيهما..إلى اللحظة, لأن المشاريع الثقافية عندما تنبثق من وعي خاطئ,تهترئ الأدوات,وتنتج بالضرورة تلك الخطابات المعرفية المهترئة! لاأدري أخيرا الطريقة التي يتم فيها اختيار مشرفي البرامج الثقافية في إذاعتنا,فلو كان الاختيار جادا وصحيحا,لسمعنا عن تجارب خالصة يتصالح معها زمن المستمعين بفائدة وإمتاع! (3)..حضور ثقافي(مجازا)! حال السياسيين والاقتصاديين ولاعبي الكرة والفنانين غير حال المثقفين(والمبدعين الأدبيين خاصة),فهؤلاء يبقى حضورهم مهما دائما لترسيخ أدوارهم الوظيفية في الفضاءات التي تطلبهم دوما,بعكس المثقفين والمبدعين,الذين يشبه حضورهم على المنصات,تحليق الفراشات حول النور البديع,ثم سقوطهم احتراقا من وهج الضياء..هل أن المنصات التي تآلفت معها الأسماء(إياها)في كل مرة صعودا مريرا..هي ذاتها الأغوار السحيقة التي سقطوا فيها منذ زمن,ويحسبون أنهم لايزالون في دوامة الصعود..وهي ذاتها النور الخادع الذي تلاشوا في بريقه حد النهاية»تابعوا الملاحق الثقافية في إصداراتنا..البرامج الثقافية في وسائل إعلامنا..الفعاليات الأدبية في نوادينا الأدبية..ستجدون الأسماء نفسها في كل حين..» فإذا كانت الثقافة هي(المتحول)أبدا,فهم(الثابت)مددا!»على عكس(كل) المشاهد الثقافية في الكون الرحيب.. [email protected]