في أواخر شهر ربيع الثاني من العالم الهجري الحالي وقف أحد الشباب أمام المصلين يسأل المساعدة المادية، فبكى وأبكى كثيراً من الحضور، فهو - بحسب حديثه - في العقد الثالث من العمر ويعول أسرة كبيرة ودخله اليومي 20 ريالاً من عمله في سوق الخضار، ومثل هذا المبلغ قد يعطيه أحدنا كل صباح لابنه للفسحة المدرسية. يتساءل البعض: لماذا يوجد مثل هذا التناقض في الدول الغنية؟ في رأيي أن ذلك يعود إلى سوء التخطيط والدراسات البعيدة عن الواقع، فما زالت الدول النامية تتردد في تحديد الحد الأدنى للراتب المناسب للموظفين. إن تردد المختصين في الوزارات الخدمية منذ حقبة من الزمن في تحديد ساعات العمل والراتب المناسب لحياة كريمة، جعل أصحاب العمل يساوون العامل المحلي بالعامل الأجنبي القادم من الدول النامية والفقيرة، بينما القادمون من الدول المتقدمة تفرض لهم دولهم رواتب تتناسب مع حياتهم المعيشية وربما يصل أحدهم إلى وكيل ومستشار لصاحب المؤسسة والشركة الأهلية وليس ذلك لأنه أكثر كفاءة مهنية وعلمية، بل لأن صاحب العمل يبحث عن الربح السريع حتى ولو كان من طرق غير مشروعة تجعله لا يثق في ابن الوطن. من واقع عملي السابق في الإدارات العامة ودراستي في مجال العلوم الإنسانية، أجد أن البطالة والفقر يزدادان كل عام بسبب بعض الأنظمة القديمة، التي تسهم بفعالية سلبية في زيادة البطالة وضيق العيش. دعونا نضرب مثلاً، فنظام التقاعد المدني يحرم الموظف الذي يرغب في التقاعد المبكر من مكافأة نهاية الخدمة، وكذلك التقاعد العسكري إذا بلغ الفرد سن النضج العقلي والاستقرار الأسري وإتقان العمل يحال إلى التقاعد. ولو افترضنا أن الموظف باشر العمل وعمره 20 عاماً فإن مجموع خدمته 24 سنة يستحق عنها معاشاً قد لا يتجاوز الحد الأدنى المقدر 1750 ريالاً ويصبح في حال من الفراغ والحاجة وهو لا يزال في السن الذي قال الله عنه في سورة الأحقاف: حَتَّى إِذَا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً قَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ.... إن نظام التقاعد المدني صدر منذ زمن بعيد عندما كانت الأيدي المتعلمة قليلة والإدارات العامة في حاجة إلى الخبرة وفقاً للقاعدة التي تقول:"إن الإدارة في حاجة إلى خبرة تراكمية على مدى سنوات طويلة". إلا أن هذه النظرية تغيرت في هذا الوقت، الذي تطورت فيه وسائل المعرفة والاتصال وأصبح التجديد والتحديث مميزات الإدارة الناجحة. أما نظام التقاعد العسكري فقد صدر في الوقت الذي كان فيه الأفراد يضعون الخدمة العسكرية خياراً ثانياً، لتوافر فرص العمل في مجالات أخرى، والآن اختلف الوضع وقلّتْ فرص العمل، ومن يحال إلى التقاعد وهو في عمر الأشد يصاب بالإحباط والقلق النفسي. إن التقليل من البطالة والتسول يتطلب من المسؤولين والمختصين إعادة النظر في الأنظمة السارية بالتعديل والإضافة بما يتناسب مع الظروف المستجدة في هذا العصر، باتباع الخطوات الآتية: 1- تشجيع من يرغب في التقاعد المبكر بصرف مكافأة نهاية الخدمة التي لا تعطى بحسب النظام الحالي إلا لمن أكمل ال60 من عمره، ويعوض عن كامل إجازاته حتى يفسح المجال إلى غيره في العمل. 2- التوسع في التجنيد ورفع سن التقاعد بالنسبة إلى الأفراد إلى 54 سنة بدلاً من 44 سنة ليتناسب مع متوسط العمر التي قدرته الدراسات الحديثة 73 سنة. 3- تحديد الحد الأدنى للرواتب وساعات العمل بالنسبة إلى العاملين في القطاع الخاص والشركات. 4- فتح فروع لمصلحة الزكاة في جميع المناطق لمتابعة استحصال الزكاة بالطريقة الشرعية وصرفها لمستحقيها. وبالعمل الجاد والتعاون الصادق المدفوع بالروح الوطنية والتقليل من الاستيراد والتنوع في التصنيع نصل إلى الاكتفاء الذاتي والسير في مقدم ركب الحضارة.