أسدلت المنطقة الشرقية مساء أول من أمس، الستار على فعاليتين سينمائيتين، غير مسبوقتين، هما مسابقة"الأفلام القصيرة"التي نظمتها جمعية الثقافة والفنون في الأحساء، ومسابقة"أفلام السعودية"، التي جاءت نتائج تعاون غير مسبوق بين النادي الأدبي في المنطقة الشرقية وجمعية الثقافة والفنون في الدمام. وعلى رغم ان الصفحتين طويتا، بعد سلسلة من العروض السينمائية، التي قدمها نحو 30 شاباً، يبلغ عمر أصغرهم 17 عاماً، إضافة إلى ما تضمنته المسابقة من ندوات وورش شارك فيها مخضرمون في صناعة السينما على الصعيد المحلي والخليجي والعربي، إلا ان صفحات عدة انفتحت بعدهما، وتموجات عدة ستتركاها في المشهدين الثقافي والفني في السعودية. ففي بلد لا توجد فيه قاعة سينمائية واحدة، تقام مسابقتان لعروض الأفلام السينمائية، قد يبدو المشهد متناقضاً وغريباً، ففيما تدعم الحكومة ممثلة في وزارة الثقافة والإعلام، وعلى لسان وزيرها إياد مدني، هذا الحراك الثقافي، كما قال في كلمة افتتاح المسابقة الأسبوع الماضي، يجد هذا الحراك رفضاً من شرائح اجتماعية، ترى في دور السينما"تابو"، مرفوضاً اجتماعياً، وربما دينياً. بيد ان المسابقتين ستسهمان في فتح باب النقاش حول هذه"المُحرم"، وتفكيك الأسس التي انطلق منها"المُحرمون". ثمة تموج آخر، تجلى في مسابقة"أفلام السعودية"، ربما يعد غير معهود على الساحة الثقافية والأدبية في السعودية، يتمثل في ذوبان الجليد الذي كان يحيط بعلاقة جمعيات الثقافة والفنون والنوادي الأدبية، التي تميزت بنوع من الجفاء، الناتج من تباين في الميول والأمزجة والتوجهات الثقافية بين المؤسستين، اللتين كانتا تتبعان للرئاسة العامة لرعاية الشباب، قبل ان تنتقلا إلى وزارة الثقافة والإعلام، ويبدو ان هذا الانتقال أسس لنمط جديد في العلاقة بين الأندية والجمعيات، نمط يقوم على التعاون والتكامل. وسبق المسابقة تحضير مباشر، تمثل في عمل اللجان المنظمة، لكنَّ ثمة تحضيراً غير مباشر، تمثل في سلسلة من العروض الأسبوعية للأفلام السينمائية المحلية والعربية والعالمية، تليها جلسات نقدية مفتوحة، يشارك فيها هواة الفن السابع والمخرجون الشبان، الذين شكلوا العدد الأكبر من أصحاب الأفلام المتبارية في المسابقة. وأقيمت على هامش المسابقة ورش وندوات، ضمت مخرجي الأفلام وبعض ضيوف لجان التحكيم من ذوي الإدراك السينمائي، الذين أشاروا في مواضع عدة إلى أبرز ما لاحظوه من قصور في الفيلم السعودي. لعل أبرزها ما أشار إليه الناقد علي عفيفي، الذي رأى أن"التجربة السعودية تفتقر إلى المعرفة التقنية التي يصعب تحصيلها بالتجربة والخطأ، بل تحتاج إلى أكاديمية للفنون". وحذّر من أنه"إن لم تتوافر البنية العلمية والتقنية والتمويل المادي، فإن التجربة ستظل تراوح في مكانها"، مؤكداً أهمية وجود"القصة والسيناريو السليمين، والقدرة على تحريك الكاميرا في شكل صحيح، إضافة إلى مفهومي الإيقاع والإشباع في صناعة الفيلم". وشدد عضو لجنة تحكيم الأفلام الناقد أمين صالح، في كلمة ألقاها في حفلة الختام، على ضرورة"اكتساب المخرج الثقافة والوعي السينمائيين"، مشيراً إلى أن"الكثير بدوا مفتقرين إلى الخبرة العملية"، مطالباً ب"المزيد من الورش والدورات، واستضافة عناصر من خارج البلاد، وتكثيف مشاهدة الأفلام". وركّز على أهمية"تقبل النقد". وتقاطع معهما في ذلك عضو اللجنة ربيع السيد، الذي أشار إلى أبرز إيجابيات الأفلام، التي تمثلت - بحسب رأيه - في"لطافة بعض الأفكار المعروضة، وإجادة توظيف عنصر أو عنصرين في بناء الأفلام". ويقول مخرج الفيلم الروائي"بقايا طعام"الفائز بالمركز الأول موسى آل ثنيان:"يحكي فيلمي في جو إنساني خالص حكاية الإنسان، وتغيّر حاله وفق الظروف والقدر اللذين يرسمان مستقبله، ويصل بالمشاهد إلى لحظة الصدمة من واقع اجتماعي قاسٍ". فيما وصف مخرج فيلم"أبيض وأبيض"بدر الحمود فيلمه الروائي، بأنه"يطرح قضية اقصائية المجتمع للملتحي وغير الملتحي في أسلوب طرح جديد تقنياً". ويذكر مخرج فيلم"حلم بريء"بشير المحيشي انه يتناول"طفلاً تنمو معه أحلامه البريئة، هناك من يحتضنها، وآخرون يحطمونها". ويقول مخرج فيلم"عصافير الفردوس"عبدالله الأحمد :"نحن وعصافير الفردوس وسطى وسبابة، لنا الحق أن نسجل أحلامنا، وأن نعبر عنها كيفما نشاء". ويشير عبدالمحسن الضبعان إلى ان فيلمه"الباص"،"يتناول طفلاً يستقل الباص كل صباح إلى المدرسة، ثم يعود إلى البيت، وأثناء عودته كل يوم يعاني من مشكلة". الفيلم السينمائي السعودي الأول... هوليوودي! اعتبر مدير المسابقة الشاعر أحمد الملا في تصريح إلى"الحياة"، أن فيلم"الذباب عدو الإنسان"للدكتور حسن الغانم، هو"أول فيلم وثائقي درامي سعودي، وصور كفيلم"هوليوودي"، لتصويره السينمائي الراقي قبل نحو 60 عاماً". ويتناول الفيلم الأوضاع الصحية الصعبة، التي شهدتها البلاد في أوائل الخمسينات من القرن الميلادي الماضي، قبل وصول الطاقة الكهربائية والمرافق الصحية، وأحضرت أرامكو شركة إنتاج فنية من هوليوود، لغرض صنع فيلم وثائقي تثقيفي إرشادي، يتناول سبل الحفاظ على صحة الإنسان، والتقطت مشاهده من مختلف مدن المنطقة الشرقية وقراها. وأخذ الفيلم طريقه للنجاح، بعد أن طاف مدن البلاد وقراها. وكان يتم الإعلان عن مواعيده وأمكنة عرضه بمكبرات الصوت السيارة. كما لاقى نجاحاً خارجياً، بعد ترجمته لعدد من اللغات، وعرضه في عدد من الدول الأجنبية، مثل أميركا الجنوبية والوسطى وبعض دول شرق آسيا. ويحكي الفيلم قصة تثقيفية عن سبل الحفاظ على صحة الإنسان، بأسلوب وثائقي درامي، ويقوم ببطولته الدكتور حسن الغانم، الذي كان وقتها في العشرين من العمر، وكان عائداً من بعثة لشركة أرامكو، وهو الآن في الثمانين، وشارك ابنه ماهر في ثلاثة أفلام في المسابقة.