اختتمت الخميس قبل الماضي فعاليات"ملتقى النص الثامن"الذي ينظمه نادي جدة الأدبي، وكان موضوعه هذا العام"السيرة الذاتية في الأدب السعودي"، لكون السيرة الذاتية من الفنون الجديدة التي دخلت على أجناس الأدب العربي. لقد استهواني الموضوع لكي أعرف المزيد عنه دراسة ونقداً في هذا الملتقى الذي أثراني بحصيلة جيدة عن هذا الجنس الأدبي الماتع، فالسيرة الذاتية للمؤلف أياً كان هي تأريخ للحقبة الزمنية التي عاشها في جميع مظاهرها السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية، تخبرنا عن صراعاتها ومنجزاتها ومعالمها ومتغيراتها التي ربما لم نكن نعلم عنها شيئاً. كانت سيرة الدكتور غازي القصيبي حاضرة في أوراق الملتقى بعنوان"التقاطعات بين بطل - شقة الحرية - إلى التكوين الجمالي للسيرة الذاتية في الأدب السعودي الحديث - حياة في الإدارة"وحضر معه الكثير من أدبائنا أمثال ضياء عزيز ضياء، وأبو مدين، وعبدالرحمن منيف، والسدحان، والخويطر، وآخرون من خلال ذكرياتهم، وشذراتهم، وأيامهم. ومن الأسماء التي اكتشفتها في هذا الملتقى سيرة الأديب السعودي خليل الرواف الذي عاش متنقلاً، وكتب عن سيرته بصدق، ولم يحذف بعض المراحل من حياته المتغيرة من إمام مسجد وخطيب، إلى ممثل في"هوليود"، ومن هنا جاء الاتفاق على صدقية هذه السيرة لتوازنها في السلوك الحياتي، خصوصاً أن معظم السير الذاتية يغلب عليها طابع الانتقائية والتعتيم على بعض المراحل الحياتية التي يلغيها المؤلف عنوة، بدافع شخصي أو اجتماعي! ومن المظاهر الجميلة في هذا الملتقى، حضور المرأة السعودية المثقفة سواء بالأوراق التي قدمتها للقراءة في سير الآخرين، أو بالأسئلة والمناقشة الباحثة عن سيرة المرأة السعودية الذاتية التي جاءت من خلال أوراق بحثية خاصة بهذا الموضوع... وخرجت الإجابة من هذه الدراسات برؤية اجتماعية تفيد بوجود السيرة الذاتية للمرأة السعودية الظاهرة من خلال رواياتها التي ازدهرت حديثاً وأحدثت جدلاً اجتماعياً واسعاً، نافست فيه الرواية العربية بكل سردياتها وتجلياتها الإنسانية والاجتماعية، ففي كل رواية نسائية سعودية نجد شذرات من سيرة الكاتبة سواء كانت مقنعة أو منتقاة، وتساءلت: هل سنرى مستقبلاً سيرة ذاتية للمرأة السعودية منفردة وخارجة عن نطاق الرواية أم من خلالها وجاءتني الإجابة بأن المستقبل سيكون هو الوجه البارز للسير الذاتية النسائية السعودية على ضوء الانفتاح الروائي من طرفها، وتسليطها على قضايا مجتمعه، خصوصاً في ما يتعلق بكينونتها، ووضعها المرتبط بالجوانب الأساسية، في نظام الحياة الإنسانية الأسرية والاجتماعية، وعلاقتها بالرجل بوصفه شريكها الطبيعي في القضايا المعاصرة، إن لم يكن هو القضية التي ستطرحها من منطلق أفكارها الناقدة لسلوكه، أو الرافضة لسلطته، أو المغلوبة لإرادته، ومن هنا سيكون المدخل وبعده الظهور الفردي لسيرتها الذاتية النابعة من خلايا المعاناة الزمنية، أو الحقبة التاريخية المعاصرة. حقيقة استمتعنا في هذا الملتقى بهذا الفن الجديد والجميل من السيرة الذاتية السعودية، وإن كان الأدب العربي حافلاً بالسير"الغيرية"التي كتبها الآخرون عن غيرهم من الفقهاء، أو العلماء، أو الأدباء والشعراء، وغيرهم، إلا أننا في هذا الملتقى رأينا بصمات هؤلاء الكتّاب واضحة على أدبهم، بتوقيع أناملهم على أحداث ووقائع مهمة عاشوها وكان لها أثرها في واقعهم وتأثيرها عليهم سلباً أو إيجاباً في تكوين أفكارهم وملامحهم الحضارية. [email protected]