أكد الدكتور مرزوق بن تنباك أن الانغلاق الفكري حالياً أكثر منه منذ 30 سنة، واصفاً العصبيات قبل ظهور الدولة بأنها عصبيات فوضى"تحولت إلى عصبيات منظمة بعد ظهور الدولة". وقال في محاضرة بعنوان"العصبية وأثرها الاجتماعي"، ألقاها في خميسية حمد الجاسر صباح أمس:"إنها عصبية بيروقراطية لا تحقق مفهوم المواطنة الحقيقي والمثالي، الذي يرتكز على شعور المواطن بتكافؤ الفرص". وتابع ابن تنباك"أنه إذا لم يرتفع صوت المصلحين لتحقيق مواطنة حقيقية يقودها أصحاب كفاءات من جميع أرجاء الوطن، فإن الأمر سيشكل أثراً كبيراً على المجتمع". ولفت ابن تنباك في محاضرته، التي شهدت حضوراً جيداً، إلى أن"أشكال العصبيات يكشفها الناظر لجغرافية المنطقة، وعلى رغم أن الوحدة جمعت كل العصبيات القروية والقبلية ضمن إطار مواطنة واحد، إلا أن هناك عصبيات انبعثت عن طريق استحواذ فئات على الكثير من المقدرات وسيطرتها على المركز الاقتصادي ومزايا التعليم في البداية، عن طريق الموظفين والتنفيذيين الأوائل وأدت إلى وجود تكتل هائل لعصبية نفعية تعتمد على المعرفة والقرابة في الوزارات الحكومية". وأضاف أن"استحكام عصبية المال أظهر ما آل إليه المجتمع حالياً، إذ انقسم إلى فئة تدير أرقاماً خيالية وتمسك بزمام الأمور، وأخرى تمثل مجتمعاً كبيراً اتسعت مساحة الحاجة والفقر والبطالة فيه، وهو الأمر الذي أدى إلى ظواهر اجتماعية كاختفاء قيم الكسب والاعتماد على النفس والكفاءة، لتحل محلها المحسوبية والاتكالية واستغلال الفرص وظهور طرق سريعة للكسب، كما ظهرت شجرة العائلة وبيت العائلة وصندوق العائلة، ضمن حراك اجتماعي أهمل ما لا يمكن إهماله، وتمكنت فئة قليلة من احتكار الفرص، حتى أصبحت الكفاءة ينظر لها في فئة معينة من دون غيرها، إضافة إلى أن الطفرة سببت إرباكاً للفاعل الإداري، حتى أصبحت البطالة نموذجاً على رغم أن الدولة تملك ثروات هائلة". ووصف ابن تنباك الموطنة بأنها"مطلب مثالي ومن أضبط المقاييس لنهضة وتطور المجتمعات، لناحية منح الحقوق المتساوية، لكن يبقى الأمر مرهوناً بالتطبيق. ما يحدث الآن هو إلغاء لمناطق وقبائل، على رغم وجود كفاءات عالية، إن هناك أنماطاً تصنع الحراك الاجتماعي الفاعل، تتمثل في النقابات والأحزاب والجمعيات ومؤسسات المجتمع المدني". وتابع ان عدم وجود هذه الأنماط"أخفى ظهور كفاءات كثيرة في تلك المناطق والقبائل"، مشيراً إلى أنه كلما زاد تطور المجتمع من دون هذه الأنماط"صعب البحث عن كفاءات تسهم في رقي المجتمع"، معتبراً السعودية"حالة خاصة لعدم وجود مؤسسات، تساعد في البحث الحيادي عن القيادات والكفاءات للعمل البناء على غرار الدول الغربية". وفي المداخلات، وصف الدكتور سعيد باسماعيل المحاضرة بأنها"نموذج مميز للحديث عن مفهوم العصبية وتدرجها التاريخي"، وقال إنها"يجب ألا توجد في المجتمعات المدنية"، كما أشار باسماعيل إلى أن الحروب"تقوم الآن على العصبية الفكرية"، ووصف العصبية القبلية بأنها"من أضعف أنواع العصبيات على رغم اتهامها بأنها سبب التأخر". وقسم محمد الأسمري العصبيات إلى عصبية منتجة تدعو للتناصر والتعاون، كمثال عصبة الدم والدية، وأخرى منتنة تجلت في القنوات الفضائية الخاصة، والتي أعادت النعرات القبلية. فيما فرّق الكاتب محمد السحيمي بين القبلية والعصبية، قائلاً إن القبيلة"نظام عربي أوحد قائم على التعددية والتنظيم في القبائل الكبيرة أو عند الحاضرة". وتحدث محمد العنزي عما سماه"عصبية المنافع الذاتية خصوصاً فيمن يقود القبائل"، وطالب"بضرورة تفعيل دورهم في تثقيف أفراد قبائلهم". وقال عبدالله الشهيل:"إن الأمن وتوفير الخدمات لا يكفيان لتذويب العصبية"، وأضاف أن ذلك"يتطلب مشروعاً حضارياً طويلاً يضمن إعطاء حق الاختلاف". وطالب الشهيل"بضرورة وجود عمل مؤسسي يساعد في تذويب عصبيات الأيديولوجيات". وأشار اللواء متقاعد عبدالله السعدون إلى أن التعليم للأسف لم يساعد في حل مشكلة العصبيات".