الصفحة: 30 - آفاق الأديب والروائي عواض العصيمي احد أدباء مكةالمكرمة ، وشغل الساحة الأدبية فيها أخيراً عقب انسحابه من مجلس إدارة نادي مكة الأدبي. اتسم بآرائه الحادة وأطروحاته الصريحة، وعلى رغم واقعيته الشديدة من خلال رواياته الأدبية، إلا انه يمثل جيلاً جديداً من الأدباء، ممن يبحث عن التجديد وتطوير أدواته ورؤيته حيال القصة والرواية في السعودية. "الحياة"التقته فكان الحوار حول الرواية والنقاد في السعودية، وعدد من القضايا الثقافية. على رغم إنتاجك الروائي المغاير الذي يتبدى في روايتيك"قنص"وپ"أو على مرمى صحراء في الخلف"، وحضورك على شبكة الإنترنت من خلال المواقع الأدبية المختلفة، إلا أن أعمالك الروائية لم تلق الاهتمام النقدي المشابه لما لاقته أعمال أخرى ربما تكون أقل فنياً، بماذا تفسر ذلك؟ - الحقيقة أن أعمالي الخمسة مجموعتان قصصيتان، وثلاث روايات لا يعرف عنها النقد إلا القليل، ولذلك أسباب عدة منها، أنني بعد إصدار العمل، غالباً ما أترك وصوله إلى النقاد للمصادفة، أو لما يلقاه العمل من حضور إعلامي، ومنها أن الاهتمام النقدي تنقصه الرغبة الجادة في البحث عن الأعمال الإبداعية بمبادرات من النقاد أنفسهم، إذ قلما تجد ناقداً يذهب إلى المكتبات، أو يسأل دور النشر عن جديد من لا يعرفه شخصياً من الكتاب، أو ممن لا تربطه به علاقة أدبية روحية. هذا البحث غير موجود، والنقاد الذين تتداول أسماءهم الصحافة الثقافية يرى أكثرهم أن على الكاتب أن يبحث عنهم. كذلك من أسباب ضعف الاهتمام النقدي بأعمالي، وأعمال آخرين، أن التعريف الصحافي بالكتاب أصبح هو النقد، وكان يفترض أن تتكافأ الفرص على الأقل بين النقد الأدبي المواكب والتبشير الإعلامي بكتاب من دون آخر. هل ترى أن ظلماً وقع عليك من النقاد؟ - هذا يعود إلى قيمة ما أنتجت من أعمال، وأنا هنا لست في محل الدفاع عنها، ولكن أترك الفرصة كاملة للزمن في تقرير ما إذا كانت تستحق الإنصاف من عدمه. تقاعدت عن عملك الوظيفي مبكراً، هل ساعدك ذلك في توفير الوقت الكافي للإبداع والكتابة؟ - من ناحية توافر الوقت فهذا مؤكد، ولكن الوقت وحده لا يكفي ليكون الكاتب في متناول لحظة الكتابة، هناك عوامل نفسية واجتماعية، وعوامل أخرى، تؤثر في إيجاد اللحظة الإبداعية. ولو كانت العملية مشروطة فقط بتوافر الوقت الكافي، لكنت من أكثر الكتاب إنتاجاً، فأنا لدي مخزون كبير جداً من الليل والنهار، لا أدري كيف أستغله في الكتابة وأنا خارج اللحظة الإبداعية. إنها لحظة عندما تأتي تشعر فيها بعمق الزمن، تشعر فيها بأنك قبلها كنت غائباً عن نفسك، وهذا ما يجعل انتظارها أشبه ما يكون بالمرحلة التي تسبق استواء الثمرة. هل ترى أنك تغرد خارج سرب مجايليك من كتاب الرواية؟ - إن حدث ذلك، فمن الجيد أن أسمعه. ولكن هذا الرأي يخص القراء والنقاد والمهتمين بوضع المقارنات بين الأعمال الروائية. كل كاتب يطمح إلى أن يكون خارج السرب، وهذه الكلمة عموماً يحاول كل كاتب أن يقذف بها بعيداً عنه، ولكن من يقرر ذلك؟ من يقرر أن هذا الكاتب خارج السرب، وذاك داخله؟ لا توجد قراءة نقدية شاملة لكامل المنتج الروائي، والنقاد الذين كتبوا عن الرواية المحلية لم تتجاوز قراءتهم ما وصل إليهم من كتب، وبعضهم يُركِّب في أجهزة البحث لديه حساسات صحافية من صنع محلي وعربي، تمكنه من تحديد العمل الذي يلقى رواجاً أكثر من غيره، ليخرج من خلاله إلى الجمهور. ثار جدل واسع أخيراً حول اختفاء الروايات السعودية من قائمة الفائزين بجائزة"البوكر"العربية، ما تعليقك؟ - أحد أسباب هذا الجدل هو أن البعض شعر بصدمة لما تلقى الخبر، فقد كثر الحديث حول الروايات السعودية في السنوات القليلة الماضية، وسيطرت على مساحة واسعة من اهتمام الإعلام المحلي والعربي، وقال بعض الكتاب بأن هذا هو عصر الرواية السعودية، وأن شبه الجزيرة كما كانت أرض الشعر في الجاهلية، فإنها الآن أرض الرواية العربية المقبلة، هذا التضخيم الإعلامي المبالغ فيه، صنع في الداخل مؤمنين بپ"عظمة"الرواية السعودية حد أن التساؤل عند هؤلاء كان يدور حول الرواية السعودية التي سيتم تتويجها ملكة على قائمة بوكر الذهبية! طبعاً هذا يؤكد حقيقة أن الإعلام يمكن أن تكون له ضحايا، كما للحروب، وللكوارث الطبيعية، مع ذلك أقول بأن هناك روايات محلية مهمة، بل لا تقل أهمية عن نخبة الروايات العربية التي تتزاحم اليوم على الجوائز شرقاً وغرباً. الذي يقلقني في موضوع بوكر العربية هو الخشية من التعامل مع الرواية الخليجية عموماً على النحو الذي يسير عليه مشروع كتاب في صحيفة. أخشى أن تبقى النظرة العربية إلى الإبداع الخليجي عموماً أسيرة تصوراتها التمييزية القديمة. على رغم ذلك، أقول بأن بوكر العربية فكرة مميزة، وأن أية رواية تفوز بجائزتها إنما تقرب الرواية العربية إلى العالمية أكثر، وتعد مكسباً للرواية العربية ككل، لذلك أعتقد أن لجنة التحكيم تقوم بمهمة صعبة، وصعوبتها تكمن في نقل تجربة التحكيم في بوكر الأم إلى الوطن العربي من دون أن تُمس سمعة الأسباب التي جعلتها من أهم الجوائز في أوروبا، وهذا من أصعب المهام في نظري، لأن الوضع الثقافي في العالم العربي تتدخل في الكثير من قراراته العلاقات الشخصية والمحاباة والانتماءات الجغرافية والفكرية والأيديولوجية، وعلى أي حال ما زال من المبكر الحديث عن هذا الشأن، علماً بأن ما يبقى اليوم سراً يظهر إلى العلن في يوم آخر. كيف ترصد مستقبل الرواية السعودية؟ - في تصوري، سنشهد المزيد من الاندفاع في الحكي، قبل أن نودع مرحلة اتسمت بوفرة لافتة في الإنتاج الكمي، وندرة في القيمة الفنية. إن المجتمع الذي صمت عقوداً طويلة عن كشف مشكلاته الاجتماعية وغير الاجتماعية، لا أعتقد أنه يفضل السكوت قبل أن يأتي بالحكاية كاملة، إذا استطاع، وهذا يحتاج إلى زمن يستوعب التشكلات الحكائية حتى النهاية. والذي انكشف إلى حد الآن، يستطيع القارئ المحلي خصوصاً أن يفهم مسبباته وظروفه التي بذرت فيه هذا الاندفاع إلى التعبير الجريء عن ذاته عندما حانت الفرصة، ولكن هذا القارئ يشعر الآن بالملل، ويتذمر أحياناً، من تشابه الأصوات والثيمات في الروايات الساخنة التي زاد زخمها بعد 11 أيلول سبتمبر. أتصور أن هذه المرحلة، ستعقبها مرحلة هادئة وعميقة نوعاً ما، وإذا سارت الأمور في شكل جيد، ولم تحدث إعاقات كبيرة من النوع الذي واجه تيار الحداثة في الثمانينات، فأظن بأنا مقبلون على حقبة جديدة من الإبداع الروائي الجدير بالإشادة. هل ترى أن كتّاب الرواية الشابة، نتاج حقيقي لتراكم إبداعي من أجيال سابقة، أم أنهم ينتهجون خطاً متمرداً على من سبقوهم؟ - أعتقد أن ظهور الانترنت في السعودية، والسماح بإقامة معارض دولية للكتاب، وانفتاح الفضاء السعودي على المعلومة في مجالات كثيرة، ومنها المجال الثقافي، أعتقد أن هذه التحولات، وغيرها، ساعدت هؤلاء الشباب نوعاً ما على الاتصال بالإبداع العالمي، وإن كنت لا أقلل من شأن اتصال بعضهم بالنتاج المحلي بشكل أو بآخر، لكن الاتصال الأهم، بحسب رأيي، كان مع العالم كله من خلال الترجمة طبعاً، ومن خلال الصورة أيضاً، وأصبح من الأمور العادية أن يتم تداول أسماء روائيين من أميركا اللاتينية، ومن اليابان والصين وأوروبا، أكثر مما يتم تداوله من أسماء روائيين سعوديين، وعرب. بل إن هذا الاتصال، أوجد ذائقة تقوم على المقارنة بين النتاج المحلي والعالمي، وهذا ما أوقع العديد من الكتاب المحليين الأكبر سناً في أزمة مع هذه الذائقة، فالاختيار غالباً ما يكون عليهم. ولكن هذا لا يعني أن التجارب الشبابية الراهنة بمنأى عن طرح بعض التساؤلات حول تقارب مستويات التعامل مع فن الرواية لديها، خصوصاً مجموعة الإصدار الواحد، فالملاحظ أن جل الأعمال التي صدرت تتشابه في التناول الفني الضعيف، وأيضاً في تدني درجة استثمار الحكاية/ الموضوع لما هو أبعد من سلطة الشكوى الذاتية التي تغلب عليها الفضفضة العادية. أفهم مشكلات العمل الأول، ولكنا إذا نظرنا إلى الفرص الكبيرة المتاحة للأجيال الشابة، سواءً من ناحية مواكبتها لتجليات القفزة التقنية الراهنة بالمقارنة مع الأجيال الأقدم، أو من ناحية سهولة وصولها إلى الإبداع العالمي في جهد أقل، وفي وقت أسرع، أو من ناحية مجيئها في مرحلة أدبية تبعد عشرات السنين من مرحلة البدايات في السرد السعودي، إذا نظرنا إلى ذلك، فإنا نتساءل فحسب: ما مدى استفادة كتاب الرواية الشابة من هذه الفرص التي يحسدون عليها؟ بعض الروائيين يروج لنفسه ويجيد فعل ذلك، المشكلة ليست هنا، لكن عندما يتم تهميش منجز الآخرين أثناء ما يتم فعل الترويج هذا، كيف ترى المسألة؟ - أفهم أن يروج الكاتب لعمله، أو لمشروعه الإبداعي ككل، أما أن يروج لنفسه بمعزل عن قيمة ما كتب، فهذه مشكلة، وهي مشكلة أكبر عندما يزدري أعمال الآخرين، أو ان ينشغل بتضخيم ذاته. الإبداع يعلم التواضع، فإذا كان الترويج للعمل لا يحقق أهدافه إلا إذا اتبع أساليب إبداعية في العرض، فإن الكاتب كلما كان مبدعاً كان أقرب إلى التواضع والبساطة واحترام الآخرين. حظيت بعض الروايات السعودية بترجمة إلى لغات أجنبية، وبات من ينظر إلى هؤلاء الروائيين بصفتهم عالميين، ما رؤيتك إلى هذه القضية؟ - أن تترجم كتبي إلى لغة أو إلى لغات عالمية، فهذا من حقوقي ككاتب على المؤسسة الثقافية التي ترعى الأدب والإبداع في وطني، وإذا رفضت أو لم تستجب لهذا الحق، عندها أنتقل إلى ما يمكنني فعله بجهدي الفردي في الترجمة، أو بعلاقاتي، أو بما لدي من مال، ولا أنتظر متى تمطر المصادفة مترجمين لنتاجي. أنا مع هذا الحق، من حيث المبدأ، ولكن لنفترض أنني كاتب ضعيف الموهبة، وعندي مال وفير، ولدي شبكة من العلاقات المضمونة، فما الذي يمكن أن أقدمه في ترجمة كتاب رديء إلى القارئ غير العربي؟ العالمية لا تعني في نظري ترجمة كتبي إلى أكثر من لغة، بقدر ما تعني وصولها إلى القارئ الآخر بقوتها الذاتية، بإبداعها وتميزها. لقد وصل إلينا خوان رولفو برواية واحدة، ووصل إلينا باولو كويلهو بروايات عديدة، فالأول ما زال ينظر إليه كصاحب أحد أهم الأعمال الروائية في القرن العشرين، والتي قال ماركيز بأنه يحفظها عن ظهر قلب، في حين أن الثاني على رغم عالميته يختلف كثيرون حول القيمة الفنية لمعظم ما كتب. هناك من شبهك بعبدالرحمن منيف من خلال اشتغالك على ثيمة الصحراء، وإن بشكل مختلف، كيف ترى حضور الصحراء في بعض الأعمال، وإلا ترى أنها تحضر كشكل فقط أحياناً وليس كجزء من هوية؟ - من أكثر ما يسيء إلى الكاتب، أن تعتدي على عمله آراء تبحث له عن أب في السرد العربي، فأنت تكتب عن الصحراء، إذاً أبوك هو إما منيف أو الكوني، وإذا كنت تكتب عن الحارة وشخصياتها، وتفصيلاتها الاجتماعية والثقافية، فإن أباك هو نجيب محفوظ، وطبعاً سيتم إلحاقك بنسب صنع الله إبراهيم إذا تاخمتَ عوالمَه الروائية التي عرف بها، وهكذا، إلى أن تشعر أن عليك إما أن تحتقر مخيلتك وحق تميزك عن الآخرين، أو أن تضحك من هذه الآراء وتستمر في الكتابة. لا يمكن أن تكون الصحراء عندي هي الصحراء نفسها عند منيف أو الكوني، لسبب بسيط هو أنني شخص آخر، هذا وحده يكفي لأكون مختلفاً عن غيري، حتى على مستوى أية تجربة مشتركة بين شخصين، لا يمكن أن تكون نظرة كل منهما إلى التجربة واحدة، فكيف إذا كانت الأمكنة مختلفة على رغم مسماها العام، والأشخاص بينهم اختلافات عدة تشمل التجربة الحياتية، والخبرة الشخصية بالمكان، والتناول الفني، وغيرها ذلك؟ أما الاشتغال على الصحراء في بعض الروايات المحلية، فيعود في تصوري إلى العلاقة الطبيعية مع الصحراء كمكان وكثقافة عند البعض، وكأفق موضوعي مواز لأفق المدينة قد يضطر إليه البعض الآخر. الصحراء بالنسبة لكثير منا كالبحر لسكان الجزر، ولا يستطيعون تجاهل هذا القدر الجيولوجي الذي يعيشون في وسطه. مع ذلك، لم تتشكل الصحراء في الرواية المحلية بالقدر الذي يمثل حضورها مكاناً وثقافة. وأزعم أنه باستثناء الصحراء عند عبدالرحمن منيف، وهي على أي حال تسمية تشمل الخريطة كلها، وليست صحراء خالصة، أزعم أن الكتابة الروائية عن الصحراء المحلية بدأت بروايتيْ أو على مرمى صحراء في الخلف - 2002 وپقنص - 2005 بحسب ما أعرف.