من الأكيد أن العتب على شاعر وكاتب كبير كأدونيس لن يفسدَ للودّ قضية من جانبي على الأقل!، ولكنني اعترف بأنني صدمت بما قاله عن الدكتور عبدالله الغذامي الناقد والمفكر السعودي الشهير والشاهق، منفعلاً: إنه ? الغذامي ? يصلح واعظاً أو إماماً لمسجد... إلخ. ومصدر الحزن الأوسع هو اختيار صفتين أو مثلين لا ببراءة التداعي الحر، ولكنك تشعر حالاً أن أدونيس خلق حالة كاملة من الحنق احتوت الغذامي وتاريخه ووطنه، وانثالت كلماته لتعبر عن أنه قام بلا وعي بتوبيخ الغذامي مستعيراً صفات من بيئته لم يكن الجمل ولا الزيت الخام لحسن الحظ من مكوناتها، ولكنه: المسجد. ولست أزايد أو أطعن في إيمان ادونيس، ولكنني أرى أنه سقط بشكل عنيف، والجياد تسقط فقط. فهو أولاً كان يعترض على طرح للغذامي لا علاقة له بالمسجد، فكانت على حافة الشتيمة هذه العبارة التي يؤسفني أنها خرجت من فم ادونيس. فالتوبيخ كان ساذجاً. ولن أقول انه مغرض. لأن الإمام والواعظ هما رجلان يفترض أنهما مكتملا الرؤية. فالإيمان والعمل هما من أقانيم العصر العربي المنشود إلى جانب مسوغات أخرى. ولا يصح أن تهزأ من أخيك فلا تجد من الهزء سوى تشبيهه بپالإمام أو الواعظ. فهكذا تصبح عبارتك فاسدة وغير مفيدة وجاهلة وصارخة بأنها خرجت من الحلق وتقلصاته من دون إرادة. من الطبيعي أن السعوديين المثقفين والكتاب الحقيقيين لن يقوموا بضخ العداء والكراهية نحو شاعر عربي نعتز كلنا بانتمائه العروبي والإسلامي. ولكننا إزاء شيء يتعلق بالدكتور عبدالله الغذامي. وهو في ذاكرتنا وواقعنا رجل كبير. وأكاديمي لا يشق له غبار. ومن القلة الذين يقولون الحق ولا شيء غير الحق. هذه ميزات طفيفة لا تجعلنا بمعزل عن تجربته الشجاعة في تطبيق نظرية التشريحية وموت المؤلف والخطيئة والتكفير على شاعر سعودي من جيل الرواد هو الغريد المرحوم حمزة شحاته ولم يسلم يومها من أذى الصغار فقدحوا في الغذامي من انتمائه الديني حتى نواياه الاجتماعية، متناسين أن هذا الناقد الكبير لم يقحم يوماً مسائلاً تتعلق بالدين وما حوله، لأنه يملك قناعات لا تتزلزل ويتعامل مع الخصوم كرجل، ولكن هل تعامل الخصوم مع الغذامي بالروح نفسها؟! كلا! الجميع منذ بزوغ نجمه الآسر كانوا لا يكفون عن الغمز واللمز والتشكيك. ولكن الغذامي مضى في طريقه، سواء رقماً ثقافياً وفكرياً في وسائل الإعلام أم أستاذاً في جامعة الملك سعود من الأكاديميين الممعنين في الإخلاص. لم يلتفت للوراء. لان التفاتك للوراء يعني انه ربما كان للطنين والصرير ما يزعجانك به، ولكن لسان حاله كان أنه اجترح المجال الصعب، وهذا قدر صعب، ولكنه ضروري، فهل كنت سأرضيهم أكثر لو أنني قدمت أطروحة الدكتوراه في الأدب العباسي؟، إن الأستاذ المتألق والمهيب أراد أن يكون تخصصه مفيداً ونوعياً. لأنه ابن الورق والدفاتر والتجارب والعزيمة. إن العتب على أدونيس هو بلغة القصة معادل موضوعي لعتب على نقاد سعوديين يحملون هذه الدال أيضاً، ولكنهم لا يحملون قوة بصيرة واستشراف وهيبة الغذامي. فصرنا نسمع من آن لآن أن الغذامي لا يقدم جديداً وهو الذي كتب عن رواية رجا الصانع أكثر من عشر مقالات واعتبرها منعطفاً وأظن أنني لن أزكيه حينما أقول إن رواية"بنات الرياض"هي الكتاب المهم منذ سنوات في السعودية، وان رجا الصانع اختارت الطريق الصعب، ولكن الشجري والمثمر. الذي يليق بكاريزماها وجاذبيتها. أدونيس وكثير من السؤال اعتذار وكثير من رده: تعليل! فأنت أيضاً، يثير الجاهلون غباراً أمام وجهك. ونحن ننفخه عنك من بعيد ونتابعك من ملح مدننا، منتمين لما تنتمي له وربما بوجع وأشجان!