لا تلحقني يا دكتور وإن استغثت بك، فأنا كاذبة في الوعود والمواعيد والنداءات أيضاً، لا تلحقني فقد شخصت مرضي بنفسي واكتشفت أنني مريضة نفسياً ويصعب علاجي. وحدي عرفت ذلك. صدقني وحدي، فهذا مرض لا يحتاج إلى شهادة طبية مع شكي المسبق في أنني أفهم منك، فلعلك قمت بتزوير شهادتك. سامحني، لكن ألم أحذّرك أنني مريضة وشكاكة وسيئة الظن. لا تلمني على ذلك فكم من الأخطاء الطبية التي ترتكبها ولا أحد يعلم عنها شيئاً، مثل الكثير من الأمور التي لا يعلم أحد عنها شيئاً، من المحادثات الثنائية إلى المحادثات الجانبية إلى الهندسة المعمارية وحتى قيادة العجلات، فما بالك بالسيارات؟ أخاف السيارات وأنزعج كثيراً لو سمحوا للسيدات بقيادتها، فالسائقون هنا شأنهم مثل كل السائقين العرب، مزعجون وخطرون وسيئون، واحد يفحط وآخر يُسرع وآخر بذيء. إذاً، يا دكتور أنا مصابة ب"فوبيا السيارات"، لا بل قل الطرقات والمطبات، من المطبات الأرضية إلى الهوائية إلى الكلامية، حتى الكلام صرت أفكر آلاف المرات قبل أن أنطق بكلمة وقبل أن أصدق كلمة أيضاً، أوف..."شو معقدة"، جميع أنواع الوساوس والعقد و"الفوبيا"في حد خوفي من السوبيا. طبيعي، أليس كذلك يا دكتور؟ فلم يعد هناك من يتورع عن عمل أي شيء تحت مسمى عمل جليل من أجل ضمان بسكوتة العيش والوجود والحضور والتمثيل الاجتماعي، ولم يعد هناك من يهتم بسمعته الشخصية، فما بالك العالمية؟ لذا أضفت إلى مخاوفي مخاوف السفر إلى بلدان العالم بتهمة أنني عربية، ويا لها من تهمة. خليني في البيت إذاً، فلم يعد هناك حياد في هذا العالم، كل دولة تتعامل مع الأصغر بانحياز، فأين دول عدم الانحياز؟ وكيف يعدل البشر معي إن كنت أنا ذاتي لا أعدل في بيتي؟ أنا أعامل ابني معاملة أفضل من معاملتي لابنتي، طبيعي أليس كذلك يا دكتور؟ فأنا متعودة كامرأة أن أكون الأقل الأصغر الأضعف"الأهبل"، أبي لا يعدل معي وأخي لا ينصفني وزوجي يظلمني، وأخاف أن يأتي يوم أجد فيه ابني مكملاً لمسيرة أجداده. "أف"من الخوف. نعم فلم يعد الإخلاص والوفاء سيرتين للتعامل البشري، بل الخيانة حد خيانة الإنسان لأرضه وناسه وأهله، أوليس الانقياد وراء الفتن خيانة يا دكتور؟ لا تقل لي جهل، نخرب أوطاننا ونقول جهل، ثم يغلط طفل بيننا ونعاقبه أشد عقاب حتى نضمن أننا عقّدناه مثل عقدي المتراكمة وسحنتي المقلوبة وعقلي التافه الفارغ الجاهل. لا تعالجني. خسارة ثمن الدواء"فيّ"، فما أن ينتهي مفعوله حتى أعود إلى سابق عهدي، وهذا أفضل لي حتى أعيش جاهلة مخالفة مثل"ناسي"، أخالفهم لا أتحد مع أحد وهو عصر الاتحاد والقوة في ظل العولمة. لكن، لا أفهم، أحب المخالفة، أخالف المرور والسرور، بل أحسد المسرورين إذا وجدوا، وأتجاوز القانون دوماً، أشعر أنني فوق القانون. على فكرة لا أفهم ما هو القانون وأنزعج من عزف القانون في الأغاني انزعاجي من مطربات الأعراس المملة في بلادي. تصور"عرس يجيبلك صداع"وكأنك في سوق النجارين أو الحدادين. أيضاً لا أحب الأسواق، خصوصاً إذا وقفت أمام دكان الجزار وهو يسلخ الخرفان. أتذكر سلخ المطاعم للزبائن وسلخ التجار لأسعار ألعاب الأطفال في ليلة العيد، ولذا لم نعد نسمع أغاني أو أناشيد للأطفال، كله سلخ وتلاعب فلم يعد هناك يا دكتور مجال للتلاعب في"نوتات"الموسيقى وفي الألفاظ والتعابير والمعاني. لقد سبق التلاعب بالأرقام والحقائق، كل سباق إلا سباق الزمن، فالزمن وراءنا والعدو وراءنا لا نراه فما الذي أمامنا وأمام المستقبل؟ مستقبل أولادنا؟ فينا خوف على أولادنا. حتى خوف أن يغازل ابنك ولو بكلمة أو بنظرة أو بيت شعر، فممنوع عليه أن يغازل، لأنه سيسقط ويُسقط ليلى في دائرة القيل والقال، وسيكافأ كل امرئ على شتمه وردعه لليلى من دون ذنب، وفي الحالين ليلى الساقطة في الدائرة، فالحب العذري وغزله مخيف أيضاً. لذا فقدت حلمي بمستقبل للمحبين والشعراء،"أف شو معقدة". هذا غير وسواسي من فيروس الإنفلونزا وفيروس الدجاج، أما جنون البقر فلا يهمني."مجنونة خالصة"، أرش دواء الصراصير في الصيف وأزرع المصائد للفئران في الصيف والشتاء ولا أنام حتى أتأكد من خلو غرفتي من الناموس وأشعل الفانوس خوفاً من فاتورة الكهرباء في آخر الشهر. شو بخيلة... شو معقدة. كل هذا لم أخبرك بعد عن عقدي العنصرية، فأنا أشعر أنني فوق بعض البشر وتحت بعض، حسب البشر. لا تلمني فهم ذاتهم يرفضونني حسب جذوري وحسب تاريخي وحسب انتمائي ولا أحد يتقبلني يا دكتور ولا أتقبل أحداً وأخاف كلما سمعت كلمة"الآخر"أهلوس كأن الآخر جني. أخيراً وليس آخراً أخاف من الجن والعفاريت، خصوصاً الذين على شاشات التلفزيون والإنترنت والجوالات أيضاً، ولو طولت في الكلام معي سأخاف منك وقد أؤذيك. أرجوك اتركني، معقدة يا دكتور. خلف الزاوية يا من منحتك فرصة لتكون ظلي إنما أصبحت شمسي بل محوت جنون أمسي بل أعدت إليّ حدسي فانصرفت إلى الحقيقة باختصار ونفضت عن قلبي الغبار [email protected]