سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
المصابون يفصلون من وظائفهم و "الشتاء" يزيد معاناتهم ... ومطالب في ندوة "الحياة" بتدخل "المجمع الفقهي" . أمراض الدم "الوراثية" تغزو البلاد .. وبركانها ينذر بالانفجار !
تمثل أمراض الدم الوراثية معضلة صحية واقتصادية واجتماعية ونفسية ينوء بها كاهل الفرد والمجتمع، نظراً إلى انتشارها بنسب كبيرة في المجتمعات العربية والإسلامية، ولأن الرعاية الصحية مقصورة في مكافحة أعراضها ومضاعفاتها فقط من دون الولوج إلى مسبباتها. لذلك دعت وزارة الصحة أخيراً إلى اجتثاث أمراض الدم الوراثية من جذورها، عبر إصدار فتوى تمنع المصابين بها من الزواج، خصوصاً أن عدد حاملي تلك الأمراض وصل إلى 1.5 مليون سعودي. "الحياة"تسلط الضوء على وضع المصابين بأمراض دم وراثية، عبر استضافة خمس شخصيات تمثل الجهات المعنية بهذا المرض، إضافة إلى سرد معاناة بعض المصابين به. نحتاج إلى جهود مكثفة أكد المشرف العام، قسم الكيمياء الحيوية الطبية، مدير المركز التعاوني لمنظمة الصحة العالمية لأمراض الدم الوراثية الدكتور محسن الحازمي، أن الجهات الحكومية والتطوعية بذلت جهدها في سبيل إيضاح مشكلات المورثات وكيفية مكافحتها والحد من آثارها السلبية، وقال:"دعمت تلك الجهود بصدور قرار مجلس الوزراء رقم 4 بتاريخ 1 - 5 - 1423ه بإجراء الفحص الطبي قبل الزواج لمن يرغب من السعوديين وبعد ذلك صدر قرار من مجلس الوزراء رقم 3 بتاريخ 7 - 11 - 1424ه بتطبيق الضوابط الصحية للزواج على جميع السعوديين، وإلزام طرفي العقد بنتائج الفحص الطبي متى شاء. وعلى رغم انتظار الكثيرين لهذا القرار، وما يؤمل عليه من تحقيق الهدف المنشود من تقليل نسبه الإصابة بأمراض الدم الوراثية بالمملكة، إلا انه وقتها كان اختيارياً وليس إلزامياً". وتابع :"خلال هذه الفترة كان هناك اختلاف في وجهات النظر بيننا وبين الدكتورة هدى المنصور على أن أمراض الدم الوراثية، أصبحت مشكلة صحية واجتماعية ونفسية واقتصادية، أي أنه انتشرت أمراض الدم الوراثية بنسبه كبيرة في المجتمع، وأنها مستعصية ولا يوجد لها علاج، وأثر انعكاساتها على الفرد والأسرة والمجتمع، وأنها تنتج من زواج حاملي المرض، وبذلك صدر قرار إلزامي بالفحص الطبي في 1 - 1 - 1425ه". وأشار الحازمي إلى آلية انتقال أمراض الدم الوراثية لدى الأبناء، عندما يقترن رجل حامل للمرض وامرأة سليمة فإن حال الأبناء طفلان حاملان المرض وطفلان سليمان. وأما في حالة الأم حاملة المرض والأب كذلك، فإن حال الأبناء تكون طفلاً سليماً وطفلاً مصاباً وطفلان حاملين المرض. وفي حال الأم سليمة والأب مصاب، فذلك ينتج أبناء حاملين للمرض. وعند اقتران رجل مصاب بامرأة حاملة للمرض فإن الأبناء يكونوا طفلين حاملين المرض وطفلين مصابين. أما الأعباء الاقتصادية التقديرية لمتطلبات الرعاية الصحية لأمراض الدم الوراثية في المملكة،"فإن التحصين باللقاحات والبنسلين والمسكنات والفحص المخبري والإكلينيكي ونقل الدم والجراحة لرعاية مصاب دم المنجلي تكون كلفتها 17- 35 ألف ريال سنوياً، بينما نقل الدم والفلترة وحقن الديسفرال ومستلزمات الحقن من مضخات وسرنجات، والتحصين باللقاحات والعلاج بالهرمونات لرعاية المصابين بالثلاسيميا تكون كلفتها 14.000-30.000 ريال سنويا". منوهاً بأن الدراسة قائمة من 12 عاماً وأن 30 في المئة حاملين المرض و2 في المئة مصابين، على رغم كل ذلك يوجد قصور ونحتاج إلى جهود مكثفة وتركيز اكبر لدعم وإنشاء مركز مؤهل لمرض الدم الوراثية. لا مراكز لعلاج المصابين أكدت مديرة مشروع مكافحة أمراض الدم الوراثية الدكتورة هدى المنصور، أن المراكز الموجودة لعلاج المصابين بأمراض دم وراثية ليست مؤهلة بالشكل اللازم، مشيرة إلى ان السعودية لا يوجد فيها مركز كالذي يوجد في دبي. وشددت على أن المصابين يحتاجون إلى عناية خاصة. وأضافت:"بعضهم يتصلون بي من منطقه الرياض لإجراء فحص في مركز الإحساء الذي لا يفي بالغرض لصغر حجمه". ودعت المنصور الدكتور الحازمي إلى مخاطبة وزارة الصحة ليشرح لها الوضع، مؤكدة وجود ضحايا لهذا المرض مثل شاب من منطقة الرياض توفي بسبب الإهمال. وأشارت إلى أن أخطر أمراض الدم الوراثية هي الأنيميا المنجلية والثلاسيميا، التي أصبحت منتشرة بشكل كبير ووصل في بعض المناطق إلى 30 في المئة من عدد السكان، بحسب الإحصاءات الرسمية لوزارة الصحة. وذكرت أن 60 في المئة من إجمالي عدد المعوقين في المملكة مصابون بأمراض دم وراثية، مؤكدة ان الوضع في غاية الخطورة وينذر بعواقب وخيمة لا يمكن التهاون في مواجهتها، لأنه بعد المسح الشامل منا أصبح المرض منتشراً في جميع أرجاء المملكة، ولم تعد حكراً على منطقه من دون غيرها. وأضافت:"إن الدولة تتحمل نحو 250 مليون ريال تقريباً سنوياً كمعونة إعاقة للمصابين بهذا المرض، إضافة إلى كلفة العلاج التي تقدر ب100 ألف ريال للمريض الواحد سنوياً". وتوقعت في حال عدم وضع الأسس والضوابط الوقائية من هذا المرض، أن يبلغ عدد المصابين والحاملين لهذا المرض الملايين، ما ينذر بأجيال معوقة في الأعوام المقبلة. وقالت:"نحن في وجود أكثر من مليون ونصف المليون من حاملي الصفة الوراثية للمرض في بلادنا أشبه ما نكون فوق بركان ينذر بالانفجار، وقنبلة موقوتة تهدد بالعصف بأجيالنا الصاعدة، إذ تبين من خلال الدراسات الرسمية أنه يولد 12 طفلاً مصاباً و156 حاملاً للصفات الوراثية يومياً في أنحاء البلاد، والأعداد في ازدياد مستمر ومضطرد ومخيف". ودعت إلى وضع ضوابط وقائية لزواج المصابين بأمراض دم وراثية، بعد اجتماع علماء الفقه والأطباء الاختصاصيين. تواصل المصاب بالمجتمع وبرأي نائب رئيس مجلس إدارة الجمعية السعودية الخيرية لأمراض الدم الوراثية عبدالعزيز الضويان، فإن الحكم بتحريم زواج المصابين بأمراض دم وراثية منوط بالمجمع الفقهي:"نرفع مرئياتنا عن زواج المصابين بأمراض دم وراثية من الناحية الطبية الى المجمع الفقهي وهو الذي يقرر". ودعا إلى إيجاد مركز متخصص في شؤون المرض، ليس من الجانب الصحي فقط، ولكن في جميع الجوانب ليتواصل مع المجتمع. وشدد على أهمية أن يكون لمرضى الدم الوراثي آلية توظيف معينة بسبب معاناتهم،"لا يقبل أصحاب عمل تشغيل بعضهم، ومنهم من يفصل من عمله لتغيبه عن العمل بسبب مرضه، لذلك يجب أن يتعاون القطاعان الحكومي والخاص لحفظ حقوقهم من الضياع"، مشيراً إلى انه تم عمل بطاقات لهم بإسهام الدكتورة هدى المنصور لدعمهم معنوياً وحفظ حقوقهم الخاصة. في انتظار فتوى أما الباحث الإسلامي الشيخ محمد الدحيم فقال:"كشف الكثير من الأبحاث العلمية التي أجريت حول زواج الأقارب، أن الإصابة بتلك الأمراض والإعاقات لدى الأطفال من أبوين قريبين واضحة بسبب عدم إجراء الفحص الطبي لدى الزوجين قبل الزواج، إذ تكون الفرصة أكبر لدى الزوجين من الأقارب في حمل صفات وراثية عندما يكون كل واحد من الأبوين حاملاً للصفة المسببة للمرض. وأشار إلى أن الدراسات العلمية أكدت أن الأمراض الوراثية شائعة في المملكة بسبب زواج الأقارب، لهذا السبب كان على جهات الإفتاء، كهيئة كبار العلماء، ومجمع الفقه الإسلامي، أن تنظر في هذا الموضوع وتصدر رأيها الشرعي المبني على المعطيات الواقعية والحقائق الطبية تحقيقاً لقول النبي"صلى الله عليه وسلم":"لا ضرر ولا ضرار"، حتى ولو كان الأصل في الشيء عدم المنع، فإن حدوث سبب يغير الحكم هو ما جاءت به قواعد الإحكام، إذ إنها تتغير بتغير الزمان والمكان والأحوال والأشخاص. وبين:"لابد من تقدير الضرر الذي يلحق بالنسل ويهدد المستقبل، فإن على الفقه النظر في المجالات وما تصير إليه الأمور وعواقبها، فالإسلام جاء بتحصيل المصالح وتكثيرها ودرء المفاسد وتقليلها". وأضاف:"إن تقدير الضرر يتم من خلال الحقائق العلمية والدراسات والأبحاث التي يقدمها الاختصاصيون في هذا العلم، ويتمثل دور الفقيه في بلورة التكييف الفقهي للحكم الشرعي، بحسب الأصول الشرعية والقواعد الكلية". وقال:"حينما يطالب بفتوى المنع، فإن ذلك ليس بإطلاقه، بل لابد من ربط ذلك بنتائج الفحوصات والتقارير الطبية، إذ لكل حالة حكمها، وفي المقابل فإن ترك الأمر مفتوحاً من دون تدخل علمي، يتمثل في فتاوى وأحكام، أو تدخل سياسي، يتمثل في سن تشريعات وقوانين تمنع وتؤدب المتجاوزين، كل ذلك انتقاص لحقوق لإنسان وإهدار لحقائق العلم". وشدد على ضرورة إصدار فتوى جامعة حول هذا الموضوع تبين حكم الزواج وأدلة المنع أو الإباحة، وقال:"لاشك أن عقد النكاح من أشد العقود وأوثقها وقد سماه الله تعالى ميثاقاً غليظاً، فالأمر في الحقيقة يحتاج إلى الجرأة الكافية المبنية على الحقائق الشرعية والعلمية، ولا شك أن قناعة الناس ستتغير إذا تبين لهم أسباب المنع وآثار مثل هذا الزواج". ولفت إلى"أن المسألة تحتاج إلى بيان حكم شرعي في ما لو أقدم الزوجان على الزواج، وهما يعلمان وجود أمراض دم وراثية حتى لو قبل بجواز العقد، ما الذي يترتب على ما يحملانه من أمراض عمداً، يتمثل في مواليد مشوهين، وهل هذا يصنف إجراماً يعاقبان عليه؟ ومن وجهة نظري أن الإقدام على زواج يحمل فيه الزوجان أمراضاً وراثية جناية على المولود تحتاج إلى نظر قضائي". مطالباً"باجتماع الهيئات الشرعية، ممثلة في هيئة كبار العلماء ومجمع الفقه الإسلامي، مع الجهات الطبية ووزارة الصحة لبحث قرار فقهي علمي يشكل نقلة حضاريه في طريق المواضيع الفقهية المعاصرة، بل إن الحاجة ملحة لإنشاء مركز للدراسات والأبحاث الشرعية والطبية لمعالجة مستجدات العصر، بحيث لا نكون دائماً على حال طوارئ وردود أفعال". من جهتها دعت عضو جمعية حقوق الإنسان الدكتورة سهيلة زين العابدين إلى التواصل مع الجمعية لعمل ورش عمل، لخطورة هذا المرض وحفظ حقوق المصابين، والحد من هذه المشكلة. فصل الشتاء يزيد المعاناة وقال الاختصاصي النفسي وليد الفرحان:"إن المصابين بأمراض الدم الوراثية يضعون اللوم على الوالدين، ويتأثرون نفسياً ولا يتأقلموا مع حالتهم الصحية، لما يواجهانه من ألم وإهمال بعض الأهالي لأبنائهم المصابين، لذلك يكون هناك إقبال على العيادة النفسية، ومنهم من يحاول الانتحار". وتابع:"هناك إحصاءات تقول إن أكثر من 3 آلاف شخص سعودي يعانون من أمراض الدم الوراثية، ومعظمها من زواج الأقارب، وأنا اتفق مع الدكتورة هدى بأنه لابد أن تكون هناك مراكز مختصة يكون بها اختصاصيون من الأطباء والأكاديميين، ويؤهل المريض نفسياً وصحياً واجتماعياً ودينياً، وانه لابد أن نضع حداً لهذا المشكلة التي تفتك بأبنائناوتضعهم في مواجهة مشكلات صحية مستقبلية، لأن هذا المرض لا يوجد له علاج، والأدوية التي تعطى لهم كلها مسكنات. والمشكلة الأكبر تكمن في فصل الشتاء، لأن معاناتهم تكون اكبر، بسبب الطقس البارد الذي لا يتناسب مع أمراض الدم الوراثية، خصوصاً الثلاسيميا والمنجلي".