سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
يقول إن المرأة عند بعضنا ليست إلا للطبخ والعناية بالأطفال... وما عدا ذلك هو خروج على المألوف . تركي الحمد : "الليبرالية" عندنا تغلغلت إلى عقول الناس بعد أن كانت مجرد خطاب نخبوي
تركي الحمد روائي ومثقف سعودي تحدث لنا عن الظروف القاسية التي لعبت دوراً كبيراً في تكوين شخصيته، ويرى أن لكل جيل معاناته، لذا الظروف القاسية تجلب الفاقة وقسوة الحياة، ولكنها تصقل الشخصية وتجعلها أكثر مقاومة. منذ صغره وهو يحب الفكر والفلسفة السياسية خصوصاً، وشغفه بها من أجل أن يفهم. ويرى الحمد أن المجتمع عاجز عن فهم طرح المفكرين بسبب مؤسسات التنشئة، ويجد أن لدينا العقول المفكرة والكفاءات، ولكننا نعاني من فقر في المؤسسات التي يمكن من خلالها تجسيد أفكار كفاءاتنا. ما بقي في ذاكرة الحمد من أطياف أزقته المهجورة، مجرد أطياف وذكريات سحيقة تلوح في الذهن كما يلوح باقي الوشم في ظاهر اليد، ويرى"الحمد"أنه الكاسب الأكبر من تقاعده المبكر، لأنه استطاع أن يتخلص من أكبر عائق أمام الإبداع والتفكير الحر، ويقرر أننا ما زلنا نعيش في دائرة الاتكالية فلم ننشأ على المسؤولية الفردية، لأن لا قيمة للفرد عندناً. يختلف مع المتشددين، وفي الوقت نفسه ينادي بحقهم في الوجود إلا إذا تحولوا إلى العنف، ويرى إن مجتمعنا تربى ونشأ على هيمنة الرأي الواحد لذا لا يحبذ الاختلاف والتعددية... فإلى تفاصيل الحوار: البدايات لجيلكم هل منحتكم صلابة لم تتح لأجيال بعدكم؟ - تلعب الظروف المحيطة دوراً كبيراً في تكوين الشخص والشخصية، الجيل الحالي، وإلى فترة قريبة، لم تكن لديه تلك المعاناة التي عاشها جيلي ومن قبله، ولذلك نشأ وهو لا يعاني من متاعب أو مصاعب حقيقية، وذلك انعكس سلباً على قدرته الاحتمالية، وأقصد القدرة والصلابة اللازمة لمواجهة الصعاب. وفي هذا الصدد أستطيع القول أن لا شيء يخلو من فائدة، حتى لو بدا الأمر غير ذلك. فعندما تكون الظروف قاسية، فإنها تجلب معها الفاقة وقسوة الحياة، ولكنها في الوقت ذاته تصقل الشخصية، وتجعلها أكثر مقاومة للظروف. وعندما تكون الظروف كريمة، فإنها تجلب معها نعومة الحياة ورفاه العيش، ولكنها أيضاً تضعف جهاز مناعة الشخصية، وتجعلها أقل قدرة على مقاومة الظروف في تغيراتها. ماذا بقي في ذاكرة الحمد من أطياف الأزقة المهجورة؟ - مجرد أطياف. وذكريات من أعماق سحيقة، تلوح في الذهن كما يلوح باقي الوشم في ظاهر اليد، مع الاعتذار لأطلال ابن العبد. كانت أيام عشناها، أكسبتنا التجربة، وأخذنا منها الأمل، وكانت عالمنا كله، ولكنه عالم انهار ولم يبق منه إلا مجرد أطياف. أشباح تلوح من بعيد، ولكنها تبقى أشباحاً لا وجود لها. ما الذي جعلك تختار السياسة تخصصاً دراسياً، ألا تشعر أن خيارك هذا حرمك من مناصب معينة؟ - أولاً، من قال ان التخصص في السياسة يحرم من المناصب؟ غازي القصيبي وسليمان السليم وغيرهما مثلاً، يحملون الدكتوراه في العلوم السياسية، وتقلدوا أعلى المناصب في الدولة، وبالتالي لا علاقة للتخصص بالمنصب، بل ربما يكون التخصص في السياسة أحد الأمور التي تؤهل لمنصب معين، فمن أدرى بالدولة ممن يدرس الدولة؟ ثانياً أنا لا أعتبر نفسي محروماً من المناصب، فالمحروم هو من يُريد الشيء، ولكنه لا يحصل عليه، وأنا لم أرغب، ولم أسع للمنصب في أي يوم من أيام حياتي، وإلا لوجدتني ممن يحضر مجالس الكبار وأصحاب القرار باستمرار. أما اختياري لدراسة العلوم السياسية، فلم يكن اختياراً بقدر ما كان شغفاً. فمنذ يفاعتي وأنا أحب الفكر عموماً، والفلسفة السياسية خصوصاً، ولذلك تخصصت فيها وحصلت على الدكتوراه، كي أفهم وأتعلم، لا لأن تقربني زلفى من شيء معين، أو غاية أخرى خلاف غاية الفكر والفهم لأجل الفهم ولا شيء غير الفهم. "ابن الراوندي"، لماذا هو عنوان البوابة الإلكترونية التي توصل إليك؟ - ليس البوابة بل هو إحدى البوابات. واختياري لابن الراوندي عنواناً لبريدي الإلكتروني، لأنني أعشق متمردي الفكر ممن لا يضعون قيوداً على العقل المنطلق، وإن اخطأ في نتائجه، فمن الحق أن نخطئ، ولنا الحق في الخطأ كما الصواب. وابن الراوندي واحد من هؤلاء، بل هو أبرزهم في ظني من دون الدخول في الاتفاق أو الاختلاف مع أطروحاته، وهو من المفكرين الذين أُسيء فهمهم كثيراً في رأيي، ولكن ما علينا، هو عنوان بريد إلكتروني، فلا تحملينه أكثر مما يحتمل. مقتل السياسي هل يقتل السياسي نفسه في المؤسسة الأكاديمية؟ - إن كنت تقصدين"السياسي المحترف"، فنعم يقتل نفسه في المؤسسة الأكاديمية، فمكانه الطبيعي معترك السياسة، وإن كانت المؤسسة الأكاديمية تستفيد من خبراته في معرفة خبايا السياسة. وإن كنت تقصدين"عالم السياسة"فلا، إذ ان مكانه الطبيعي هناك في المؤسسة الأكاديمية، حتى لو مارس السياسة لبعض الوقت، طال هذا الوقت أم قصر. تقاعدك المبكر من جامعة الملك سعود من الخاسر فيه، ومن الكاسب الأكبر؟ - أما الكاسب الأكبر فأعرفه. إنه أنا، فقد ربحت نفسي في النهاية. فبعد تركي للجامعة كتبت وأنتجت ما لم أكن أقدر على فعله في ما لو بقيت فيها، فبتحول الجامعة إلى مؤسسة بيروقراطية بحتة، لا علاقة لها بالأكاديمية، أصبحت عائقاً أمام الإبداع والتفكير الحر، ولم تعد البيئة المناسبة لإنتاج الأفكار. مع تركي للجامعة، لم تعد هناك قيود بيروقراطية، فكان الإنتاج المنطلق من كل قيد إلا قيد الرقيب الرسمي، الذي لم يكن من الصعب التخلص منه. أما من هو الخاسر من تقاعدي، فلا أدري. حقيقة لا أدري. ربما لا أحد، وربما كل أحد، وكل شيء وارد. مراكز البحث والتحليل السياسي، لماذا لا تجد لها حضوراً في بلادنا؟ - لأن البحث والتحليل السياسي يعني، ضمن ما يعني، التخطيط المستقبلي والاستراتيجية، وأمورنا الحياتية في مجملها، تقوم على الفعل وردة الفعل، أي على أن يحدث الحدث ثم نتعامل معه، لا على أن نضع استراتيجيات وبدائل مستقبلية بناء على توقع الحدث، فهل مع هذا النمط من العيش يُكتب لمركز أبحاث حياة، أو يكون لتحليل قيمة؟ لو كان لمثل هذه الأمور قيمة في حياتنا، لما حصلت الحوادث الإرهابية في بلادنا، والتي كان من الممكن التنبؤ بها، والاستعداد لها، عن طريق البحث والتحليل. الوعي السياسي لأفراد المجتمع، هل يشكل خطراً على الحكومات؟ - حين تكون الحكومات فاسدة، نعم يشكل خطراً عليها، لأن الوعي يفضح الفساد. أما حين تكون الحكومات مستقيمة ولصالح المجتمع، فلا، بل على العكس، فإن الوعي يكون دعماً لها. لدينا عقول مفكرة، يرون الأمور بشكل سليم، ويستخدمون العقل السياسي، ولكن النتائج ليست كما نتوخى... أهناك مشكلة في التطبيق، أم أن الأهداف الخاصة دائماً تسابق الهدف العام؟ - القضية ليست قضية عقول مفكرة أو كفاءات، فهذا كله موجود لدينا وبوفرة أيضاً. القضية هي أنه لا وجود للمؤسسات التي يمكن من خلالها تجسد أفكار هؤلاء واقعاً، فالأفكار والمفكرون مثل طوب البناء والبيت، وفرق بين مواد متجمعة وبيت مقام. فقد يتوافر الطوب والأسمنت والحديد، ولكن ذلك لا يُعمر بيتاً، إذا لم يكن هنالك خريطة بيت، بحيث تُجمع هذه الأشياء وفق مخطط معين ليتكون منها البيت. المشكلة لدينا هي الفقر المؤسسي الذي يقف عائقاً أمام تجسد الرؤى والنظرات من ناحية، ويفسح المجال أمام فساد الأفراد، مهما بدوا في البداية من المستقيمين، فمن دون القيد المؤسسي والقانوني، فإن النفس دائماً أمارة بالسوء. التطبيق يحتاج إلى خطة، أو"كروكي"كما في بناء البيت، والخطة لا تستقيم دون مؤسسات تحكم السلوك، وقانون يقيد هذا السلوك. مثل هذا الأمر يذكرني بما قاله أحد قادة الثورة الجزائرية عندما سألوه:"لماذا يتغير الثوار عندما يتسلمون السلطة؟"، فقال:"إنهم لا يتغيرون، ولكن الناس تكتشفهم". هل لك أدوار خفية لا يعلم بها إلا المقربون؟ -"حشا هذا جني مو أنا"، كلا، ليس لي أي أدوار خفية، إلا إن كنت تقصدين تسللي إلى بعض أحياء الرياض القديمة أحياناً، بحثاً عن مطعم شعبي يقدم كبدة حاشي طيبة؟ هنا لا أملك إلا الاعتراف. الكتابة السياسية عندنا، هل لها أبجدية خاصة بها؟ - يمكن القول نعم، فعند الكتابة في السياسة، يجب على الكاتب أن يكون ماهراً في قول ما يريد أن يقول، ولكن بين السطور، بحيث يكون لما يُكتب ظاهراً ينجو من مقص الرقيب، وباطناً هو المراد قوله، وذلك يحتاج إلى مهارة كبيرة في ظني لا يُتقنها كل أحد. الحمد وصحيفة"الشرق الأوسط"... من تخلى عمّن؟ - لم يتخلّ أحد عن أحد. هي فترات من شد وجذب بين الكاتب وصحيفته، ولكنها لا تصل إلى حد القطيعة، فالعشرة الطويلة تحول العلاقة بين الكاتب والصحيفة إلى نوع من عاطفة معينة، كالعلاقة بين العاشق والمعشوق، فلا يستغني هذا عن تلك، ولا تستغني تلك عن هذا، حتى لو شابت الغيوم أجواء هذه العلاقة بعض الأحيان. لماذا لا نؤمن بدور المرأة السياسي إلا داخل البيت؟ - وحتى في البيت لا دور سياسياً لها، فمن أين أتيتِ بهذه المقولة؟ المرأة عند بعضنا ينطبق عليها عنوان إحدى روايات دوستويفسكي: مذلون مهانون. هناك سعودية تسلقت قمة الهملايا، وسجلت هذا الانجاز باسم الوطن، وفي داخل الوطن لم تُمنح دكاناً لتقف فيه؟ ألسنا متخاذلين أمام المرأة؟ - ارجعي إلى الجواب السابق. المرأة عند بعضنا ليست إلا للطبخ، والجنس، والعناية بالأطفال، وما عدا ذلك، هو خروج على المألوف. خصوصيتنا متفردة هل خصوصية المجتمع عندنا تقبل بالاختلاف والتعددية، وكيف تقرأ خصوصيتنا هذه؟ لكل مجتمع خصوصية معينة تميزه عن بقية المجتمعات، ولسنا متفردين في هذا المجال، ولكن هذه الخصوصية لم تمنع من الأخذ بما هو عام، وما ثبت أنه مفيد للمجتمع من مؤسسات وأفكار وسياسات. مجتمعنا رُبي ونشأ تاريخياً على هيمنة الرأي الواحد، والأحادية في كل شيء، ولذلك فإنه في أعماقه لا يُحبذ أموراً مثل الاختلاف والتعددية. ولكن أن يكون هذا هو واقع الحال، لا يعني أن يكون منتهى المآل. الاختلاف والتعددية من طبائع الأمور، ونفيها أو كبتها لا يعني أنها غير موجودة، والتعامل معها لا يكون بالكبت والنفي بقدر ما يكون بالتنظيم لما هو موجود أصلاً،أما الكبت والنفي لشيء من طبائع الأمور، فإنه في النهاية يؤدي إلى خروج الأمر عن السيطرة. ولذلك أقول أن يكون هنالك خلل ما في الثقافة أو المجتمع، ويرفض إصلاح الخلل بدعوى الخصوصية، مسألة لها مخاطرها، ويتضرر منها الجميع في النهاية: المجتمع والدولة والثقافة. المجتمع يُهاجم المفكرين.هل القصور في المجتمع؟ أم أن المفكرين ما زالوا في أبراجهم العاجية؟ - المفكر مُلام وغير مُلام في هذه النقطة. فالمجتمع عاجز عن فهم طرح المفكرين، لأن مؤسسات التنشئة حقنته بالهش من الفكر، ولذلك فإن المفكر مُلام لأنه لم يُبسط فكره، ويحاول أن يجعله في متناول الجميع. من ناحية أخرى، فإن المفكر غير مُلام لأنه غير مُجبر على طرح ما تفهمه العامة. ليس كل مفكر هو من المصلحين، أو مثقف يحمل رسالة ما، ولذلك ينطبق عليهم قول أبي الطيب: أنام ملء جفوني عن شواردها ويسهر الخلق جراها ويختصم قالوا له: لم لا تقول ما يُفهم؟ قال: لم لا تفهم ما يُقال؟. فالمفكر بطبيعته نخبوي الطرح. اللوم هنا يكون على نمط معين من المفكرين، وأعني أولئك الذين يطرحون أنفسهم على أنهم من المصلحين، فهنا يكون اللوم حين يكون الخطاب نخبوياً، والمراد الوصول إليه هو العامة من الناس. هل يشهد التيار الليبرالي حالاً من التراجع الآن؟ - وهل كان مكتسحاً حتى يتراجع؟ على العكس من ذلك، أرى أنه ينضج على نار هادئة، وبدأ يتغلغل إلى عقول الناس، بعد أن كان مجرد خطاب نخبوي.كلي تفاؤل. المفهوم السائد الخاطئ أن الإسلام يناقض الليبرالية... من المسؤول عن ذلك؟ - أصحاب المصالح والمآرب الذاتية الذين يحتكرون فهم الدين لأنفسهم من أجل هذه الأغراض. أولئك المحتكرون للحقيقة من أجل الهيمنة على المجتمع وعقول الناس. الماضويون الذين لا يرون الحاضر والمستقبل إلا من خلال عدسة الماضي. المتاجرون بالدين من كل حدب وصوب، يغطون به مأربهم الخاصة، وهم عن الدين بعيدون. هل تشفق على حال المتشددين في العالم الإسلامي؟ - ولماذا الشفقة؟لم أفهم مغزى السؤال حقيقة.ولكن عموماً، فإني أختلف معهم، ولكني لا أنفيهم، ولا أنادي بعدم حقهم في الوجود، إلا إذا تحولوا إلى العنف، هنا يكون الانعطاف الكبير. نطالب بمؤسسات مجتمع مدني، وحين يوافق عليها تفشل في أدائها... أين الخلل؟ - يكمن الخلل في أن ما يُسمى عندنا مؤسسات مجتمع مدني، هي في الحقيقة ليست كذلك، فهي مرتبطة بهذا الجهاز الرسمي أو ذاك، والمجتمع المدني فضاء مستقل، أو يجب أن يكون كذلك، ومن دون استقلاليته وحريته، فإنه لا يعود مجتمعاً مدنياً. لذلك ليس من المنطقي أن نقول فشلت هذه المؤسسة أو تلك من مؤسسات المجتمع المدني، المرتبطة ببيروقراطية"الرسمية"، لأن هذه المؤسسات لا تنتمي إلى المجتمع المدني من الأساس. ماذا عن حوارنا الوطني؟ - حين يكون الحوار نخبوياً ومن وراء الكواليس، فلن يكون مجدياً.الحوار الوطني يجب أن يكون كاسمه: عاماً وشاملاً، وعلى مختلف الصعد، وعلى امتداد وعمق الوطن. هذا إذا أريد له أن يكون ناجحاً وفاعلاً. لدينا أنظمة وقوانين جميلة... لماذا يبقى جمالها أسير الأدراج المغلقة؟ - يقول نابليون: فتش عن المرأة. وأنا أقول: فتش عن المستفيد. الأحداث التاريخية، نكبات العرب وهزائمهم، أحداث الحرم، الطفرة الاقتصادية، التطرف الديني والفكري، أحداث سبتمبر، الانهيار الاقتصادي، هذ السياق من الأحداث ماذا أفرز لنا؟ - أفرز لنا واقع اليوم.مجتمع مأزوم.عقل مهزوم.إنسان مقهور.شرخ طبقي.بوصلة معطلة. هل ما زلنا نعيش في دائرة الاتكالية ونعتقد أن المسؤول عن مشكلاتنا دائماً هو طرف آخر.ألا توجد مسؤولية فردية؟ - نعم، فلم ننشأ على مفهوم المسؤولية الفردية، إذ إن ذلك يتطلب تغيراً ثقافياً واجتماعياً، فلا قيمة للفرد لدينا في مجتمعاتنا وثقافتنا، ولذلك هُمش، وهمش دوره، وكانت هذه هي النتيجة. الاستقلالية والهوية ما رأيك بفكرة استقلال المناطق عندنا إدارياً؟ - رائعة، فنحن دولة ممتدة الأطراف، متعددة الثقافات الفرعية، مختلفة العادات، لذلك فإن التعددية الإدارية خير سياسة للتعامل مع مثل هذا الواقع. هوية المدينة تنتهكها العولمة... كيف يمكننا أن نحتفظ بهذه الهوية؟ - حين تأكل بقرة لا تتحول إلى بقرة، فهي تتحول إلى جزء منك.هذا ما قاله الأديب الأميركي أمرسون، وهنا يكمن الجواب. فحين نهضم العولمة، ونجعلها جزءاً من أنسجتنا، حين ذاك نكسب العولمة من دون أن نفقد أنفسنا. ولكني أشدد على أن أي تغير جذري لدينا، دائماً ما يأتي بفعل عامل خارجي، وليس غربياً بالضرورة، وتاريخنا المعاصر خير برهان، ولم يحدث شيء جديد حتى يغير هذه القناعة. وهي ليست نظرة تشاؤمية، بقدر ما أنها خيبة أمل، أو إحباط، من عدم وجود المبادرة الذاتية للتغيير، إذ يجب أن نكون مجبرين عليه، وإلا بقي الحال على الحال. "11سبتمبر"... هل هو مفترق طرق لديك؟ هل كنت تتوقعه؟وكم"11 سبتمبر"ينتظر عالمنا المعاصر؟ - قطعاً هو مفترق طرق.كنت أتوقع شيئاً من هذا القبيل، ولكن ليس بحجم ما حدث في سبتمبر، والكثير من سبتمبر قادم، إذا لم يحدث ثورة فكرية تجتث جذور الإرهاب من العقول قبل الأجساد. السبق الآن لمنتديات"الإنترنت"في مناقشة القضايا الفكرية... فهل فقدت الصحافة بريقها؟ - ليس بالضرورة.فالصحافة باقية، كما بقي الراديو حين تنبأ البعض بأنها ذاوٍ مع ظهور التلفزيون، وبريق المنتديات الإنترنتية في عالمنا هو نتيجة خنق الحريات العامة، وبالتالي فإن الفرد يجد نفسه في هذه المنتديات حيث لا قيود، وحيث يستطيع التعبير عن نفسه تحت اسم مستعار وهو آمن. هل يمنحك تصفح الساحات شعوراً بالملائكية؟ - بل يمنحني شعوراً بالشيطانية، والقناعة بأن الشيطان والملاك يقبعان في أعماق الذات، ونحن من يختار. الكتابة الحداثية... هل استطاعت الإفلات من السياسي الإيديولوجي لمصلحة النص؟ - وليتها لم تفلت، إذا كان البديل هو وثنية النص، وصنمية الحرف. تظهر على وجوه بعض العرب الآن آثار اغتراب نفسي وعبثي واجتماعي... لماذا كان ذلك؟ - وهل تتوقعين غير ذلك؟ ...ذات مقموعة ومجروحة وتائهة، وعقل مخطوف، ودين مُتاجر به، ومستقبل مبهم، وضنك في العيش. من الجميل أنهم ما زالوا يتنفسون. ما الفرق بين العدامة وريح الجنة في تطور أدواتك الكتابية؟ - لست أنا من يُوجّه إليه هذا السؤال، بل يوجه إلى ناقد ما، فهو المعني بتشريح النص وأدوات الكاتب، أما الكاتب، وهو أنا هنا، فهو يكتب ولا ينقد، إذ إن مهمته الكتابة، وعلى الآخرين التشريح، ورحم الله أبا الطيب. حياتنا "جملة" تناقضات لا تفسير لها الجروح في الذاكرة... ماذا نتج من نزيفها؟ - راحة الاعتراف أمام الذات. من شرق الوادي إلى مشروع الشرق الأوسط الكبير... أين نقف نحن؟ - بينهما حائرين، أو وفقاً لأغنية أميركية: ممزقة بين حبيبين، أتصرف كالغبي. اتجاهك إلى الرواية... هل هو هروب من شيء إلى شيء؟ - ولماذا لا يكون انتقالاً من آلة موسيقية إلى آلة أخرى؟ من القرع على الطبل، إلى العزف على البيانو، لماذا يجب أن يكون هروباً؟ كيف نصل إلى المعنى الذي"يتمترس"خلف الحروف؟ وكيف يمكننا أن ندرك أن هذا ما يعنيه الكاتب؟ - بتخصيص العام، وتعميم الخاص، وتجسيد ما هو مجرد، وفي النهاية، استفت قلبك... من يملك الأداة التي تمكّننا من الحكم على نجاح العمل الأدبي؟ - القارئ أولاً، والقارئ أخيراً، فالعمل الأدبي الناجح حقاً، والذي سيكتب له الخلود، هو ذلك الأدب الذي يتسلل إلى النفس من دون استئذان، وذلك مثل الحب تماماً، الذي يتسلل إلى أعماق الروح بهدوء ومتعة وإثارة. العمل الأدبي الناجح ليس ذاك الذي يستطيع تنميق الكلمات، أو السير على هدى نظرية نقدية معينة أو نسق معين، من دون أن يكون معتملاً في النفس قبل ذلك، بل هو ذاك الذي يخرج من الذات ليصل إلى الذات مباشرة، ثم بعد ذلك تأتي بقية التقويمات والمعايير. من خلال الروايات... هل وثّق تركي الحمد سيرته الذاتية في بعض فصولها؟ - لم يكن توثيق سيرة بقدر ما كان توثيق تجربة في الحياة، فنعم، في بعض الفصول كنت حاضراً هناك. في الملتقيات النقدية المحلية، يتناول النقاد رواياتك بينما هي لا تُباع محلياً؟ - وهل هذا هو التناقض الوحيد في حياتنا؟ حياتنا جملة من متناقضات لا تفسير لها إلا أنها شكل من أشكال العبث، نمنع السينما مثلاً، ولكن لا نمنع الأفلام، ونستطيع تحميلها من أي موقع إنترنتي، بل وتجدين أن بيننا من كبار منتجي هذه الأفلام. والتناقض الأكبر في حياتنا هو أننا نريد العيش في الحاضر بكل وسائل راحته، ولكننا نتحدث عن ماض جميل، فنسير قدماً، ولكن أعناقنا ملتفتة إلى الخلف. أو بعد ذلك تسألين كيف يناقش النقاد رواياتي في الداخل، بينما هي لا تباع محلياً؟! تحدثت في حوارات لك عن الخطوط الحمراء... ألم يحن الوقت للقفز على هذه الخطوط؟ - كل شيء بأوانه حلو، كما يقولون. هي مسألة وقت ليس إلا.