منذ أكثر من 20 عاماً وبحيرة الصرف الصحي في جدة المعروفة ب"بحيرة المسك"، تشكل إحدى أقوى المعضلات البيئية التي تؤرق جدة وسكانها وتشكل خطراً حقيقاً على حياتهم، وذلك كونها إحدى أهم مواطن بعوض"حمى الضنك"، بالإضافة إلى ما تشكله من خطورة مع توقع انهيارها، محدثة أكبر كارثة بيئية وصحية في السعودية. وتحوي بحيرة المسك 10 ملايين متر مكعب من مياه الصرف الصحي وتنتشر على مساحة ثلاثة ملايين متر مربع، وتبتعد عن أقرب أحياء جدة أقل من 15 كيلو متراً فقط، ويسكن بالقرب منها أكثر من 36 ألف مواطن، يتوزعون في تسعه أحياء. وباتت هذه البحيرة مصدراً للجدل بين سكان جدة، خصوصاً تلك الأحياء القريبة منها، وبين المسؤولين في الأمانة والمجلس البلدي، كما أنها أصبحت إحدى علامات جدة"السيئة"التي أفقدت عروس البحر الأحمر نظارتها وجمالها المعتاد ويشدد الخبير البيئي الدكتور ياسر الزهراني على أن"بحيرة المسك"تشكل خطورة كبيرة على مدينة جدة، محدداً هذه الخطورة بتسرب المياه بكميات كبيرة من البحيرة خلال الفترة السابقة نتيجة هطول الأمطار وذلك لإحاطتها بسدود ترابية لا تمنع تسرب المياه منها، وأضاف:"أن البحيرة تعتبر أرضاً خصبة لنمو بعوض حمى الضنك إذ سجلت عدد من حالات الإصابة في الفترة الحالية". وعبّر عدد من أهالي جدة عن قلقهم من"بحيرة المسك"، معتبرين أنها من أهم المشكلات التي تتطلب تدخلاً عاجلاً .وقال أحمد الراجحي:"بحيرة الصرف الصحي أصبحت من أكبر مشكلاتنا، إذ كثر الحديث عن إمكان حدوث انهيار لهذه البحيرة، وهو ما جعلنا نعيش في وضع نفسي سيئ خوفاً من حدوث أي مكروه لنا". وطالب بدوره علي الغامدي، أمانة جدة، بسرعة إيجاد حلول للبحيرة، إما بنقل موقع تصريف مياه الصرف الصحي إلى موقع آخر أو توفير بدائل لمشاريع الصرف الصحي في جدة. ووصف ياسر الأحمدي وهو من سكان أحد الأحياء القريبة من البحيرة، بأنها أحد أهم مصادر البعوض والأمراض في الحي،"نسبة البعوض في حيّنا مرتفعة بشكل كبير عن الأحياء الأخرى في جدة". أما يوسف الطاهر فقال:"إنه على جميع الجهات المعنية أن تتعاون لحل مشكلة بحيرة"المسك"وأن يتم إيقاف صب مياه الصرف الصحي في بحيرة المسك بشكل سريع وذلك بعد أن وجد تسرب كبير في مياه سد بحيرة المسك". وكانت أمانة محافظة جدة اتخذت مؤخراً عدة إجراءات وقائية لخفض منسوب المياه في البحيرة، بمنع"وايتات"الصرف من إلقاء حمولتها في البحيرة خلال الفترة المسائية بعدما زادت مؤخراً أعداد ناقلات الصرف الصحي المتجهة إلى البحيرة على رغم تشغيل مصبي محطة الإسكان 2 والذي يستقبل حالياً ما بين 2.5 إلى 3 آلاف متر مكعب يومياً وموقع" الرويس"الذي تم تجهيزه لاستقبال ناقلات الصرف الصحي من النوع الصغير بطاقة تصل إلى 7 آلاف متر مكعب يومياً. كما تم تعديل خطة الأمطار بحيث يتم إيقاف الصب في البحيرة فور تلقي بلاغ من الرئاسة العامة للأرصاد الجوية وحماية البيئة بتوقع هطول الأمطار، وتعميم ذلك على جميع الجهات المشاركة في خطة الأمطار. مياه الصرف تصب في البحر من جهته أكد وكيل أمين محافظة جدة للتعمير والمشاريع المهندس إبراهيم كتبخانة ل"الحياة"أن مشروع التخلص من مياه الصرف الصحي المعالجة سيتم تنفيذه ليصب في القناة الجنوبية لتصل في النهاية إلى البحر. وأوضح"أن المياه التي سيتم ضخها بقناة السيل الجنوبي بمعالجة ثلاثية وفق أحدث الأنظمة العالمية في معالجة مياه الصرف وهو نظام المعالجة بالأغشية الخلوية، حيث أن المياه التي سيتم رميها موقتاً في مجرى السيل الجنوبي معالجة ثلاثياً في محطة معالجة الصرف الصحي التابعة للأمانة وهي واحدة من حوالي تسع محطات معالجة بمدينة جدة لا تغطى أكثر من 50 في المئة من المياه الواردة لاستخدامات سكان جدة وهى المحطة الوحيدة التي تتبع نظام المعالجة بالأغشية الخلوية والتي تعتبر أحدث تقنية معالجة لمياه الصرف الصحي في العالم". وأكد أنه"لن تكون هناك أية مخاوف بيئية أو صحية بشأنها خاصة أن تلك المخلفات عضوية وليست صناعية، كما أن نسبة الأوكسجين الحيوي الناتجة ستكون في الحدود المسموح بها، موضحاً أن منسوب المياه الجوفية سينخفض بشكل ملحوظ بعد اكتمال شبكة الصرف الصحي". المطالبة بخطة شاملة وأوصت ورشة عمل نظمها مركز أبحاث المياه في جامعة الملك عبدالعزيز، بعنوان:"التلوث البيئي للشواطئ البحرية"، بإعداد خطة شاملة لحماية وإدارة شواطئ جدة والمدن الساحلية الأخرى. وطالبت بضرورة التنسيق بين الجهات ذات العلاقة بتلوث الشواطئ، وخصوصاً وزارة الشؤون البلدية والقروية، ووزارة الصناعة والتجارة، ووزارة الصحة، ووزارة الاقتصاد والتخطيط، والرئاسة العامة للأرصاد وحماية البيئة، وحرس الحدود، وأمانات المدن، والمديريات العامة للمياه، وغيرها من الجهات المعنية، في جميع المشاريع التي تقام على الواجهة البحرية، أو ذات تأثير مباشر أو غير مباشر مع البيئة البحرية. كما طالب المشاركون في ورشة العمل باستمرار المتابعة والرصد لمعطيات البيئة في الشواطئ من خلال الاختصاصيين المعنيين، ووضع خطة وطنية تتصف بالاستمرارية هدفها تشجيع الأفراد والمؤسسات على الحفاظ على البيئة، وتفعيل دور الجهات الرقابية على البيئة للقيام بالدور المناط به، والحد من التوسع العمراني والسياحي على الشواطئ، مع ضرورة القيام بدراسات التقويم البيئي للمشاريع قبل تنفيذها، والتوصية بسرعة إزالة بحيرة الصرف الصحي الواقعة شرق جدة، والإسراع في بناء شبكات ومحطات الصرف الصحي بمدينة جدة.