ما إن فعلها"منتظر"وقذف بحذائه في وجه"بوش"، حتى ظهرت ردود الأفعال موحدة غير متباينة، مناصرة ومؤيدة ومتحالفة ومحتفية بهذا الفعل، وكأنه فتحاً سينقذ الأمة العربية من مآسيها، وقهرها، وسيرد عليها كرامتها، وحقوقها المسلوبة، وأراضيها المنهوبة، لأجل ذلك فنحن نرى أن العاطفة هي المتنفس الوحيد المتحكم في تدوير العقول العربية وتوجيهها نحو الانحطاط في سلوكها، وتعاملها مع الظواهر المؤسفة بل والمضحكة أحياناً، بقدر يتساوى فيه الأمي، والمتعلم، والجاهل، والمثقف، فيصمت العقل وتثور العاطفة في أفعالها منصاعة نحو الأدنى من المستويات الفعلية تعبيراً وتظاهراً وتعاطفاً، في انفصامية مخجلة للعقل، ومخيبة للآمال، ومزرية في المواقف الانفعالية، ركضاً وتصفيقاً واحتفالاً، لإيجاد المداخل لشخصيات الفرسان والأبطال، التي ما زالت تقبع في خيال وفكر الشخصية العربية، التواقة إلى الشعارات البراقة، من قبل وبعد الثورة"البلشفية"وحتى يومنا هذا، ولو أحصينا الهزائم التي جر إليها الزعماء البلشفيون العرب، لرأينا أن آثارها باقية في خرائط بلدانهم، فقراً وبؤساً، ومع ذلك حنيناً جلياً إليها من خلال العقول التي ما زالت تسبح في تيارها، على رغم بنيتها المتهالكة المندثرة، تخليداً وتحليلاً وتذكيراً ومقارنة وتمحيصاً. كلنا رأى هذا جلياً في الموقف من الرئيس العراقي"صدام حسين"قبل وبعد مقتله، ففي الوقت الذي كان يصول ويجول في العراق، ظلماً وقتلاً وتنكيلاً وتعذيباً، كانت العواطف العربية هامسة تحت سطوة الخوف من يده، فلما غزا الكويت خرجت بعض الأصوات بدافع الحسد، لا الحب هاتفة، ومؤيدة، علّها تحصل على الفتات من الغنيمة التي كانوا ينتظرونها من شخصه، وما إن وقع تحت أيدي القوات الأميركية، حتى هشت الأصوات مهللة للخلاص منه، فما إن قتل حتى وعادت تبكي عليه، وترثيه شعراً ونثراً، وجعلت منه بطلاً قومياً، وكبشاً لفداء العراق، وهكذا استغل"أسامة بن لادن"هذه العاطفة فلعب على أوتارها، مغازلاً باسم الدين حتى غدت أداة طيعة في يده، فجعلت منه بطلاً إسلامياً بل ورمزاً مقدساً، مغيبين العقول عن شناعة وفظاعة ما جرتنا إليه شعاراته، وخطبه، هو وزمرة المتاجرين بالدين من أمثاله، وإن اختلفت الوسائل، وما خلفته من دمار وخراب ديار وإرهاب واحتلال وحروب وقراصنة وعصابات إرهابية إلى الآن، وكأن هذه العواطف المحركة للعقول، ممغنطة بالعاطفة الراكضة، خلف كل شعار ملغوم بالأهداف، والأيديولوجيات الطامحة إلى الرجوع بالشعوب إلى الوراء، في الوقت الذي يتقدم فيه العالم محققاً النجاح في المخترعات، والمبتكرات الهامة لخدمة الإنسانية، نسير نحن في أفق ضيق لا نكاد نخرج منه إلا إلى الاتجاه المعاكس الداعي إلى التقهقر، والتخلف، المحتفي بالهزائم، والانكسارات في حالة بليدة من الضياع الفكري، والخلاف المذهبي، والتشرذم الطائفي، والتكتل الحزبي، والفشل الفعلي في مواجهة المواقف المأسوية في كل مظاهرها الحضارية المطموسة بالخلل العاطفي، البعيد عن الموقف المتزن، والهادر مع كل مهزلة خاسرة للقضايا السابقة واللاحقة، وربما تقف حائلاً لكل المشاريع الهادفة إلى التنوير والتطوير، ونسفها بفعل طائش يهلل له ذوو العقول المنفصمة فكراً، والعاجزة فعلاً. فقط كنت وما زلت أسأل، لماذا لم يقذف الحذاء في وجه المخربين والمفجرين والإرهابيين، الذين يعيثون فيه قتلاً وتدميراً، لإنسانه وحضارته؟ ولماذا لم يقذف في وجه المتلاعبين بثرواته، وأمنه من أصحاب القرار، والمرتزقين على طاولات سلطته؟ هل حرر الحذاء العراق في الوقت الذي فشلت فيه المدافع والقنابل وأزهقت الأرواح وتيتم الأطفال وترملت النساء؟ لن يتجاوز العراق محنه وفتنه، إلا بأيدي أهله متى ما كانت النية خالصة لأجله، ومتى ما اتحدت أهداف العراقيين لمصلحته وتحريره من براثن اللصوص داخلياً وخارجياً، والترفع بغاياته من وطأة الخلافات الطائفية، والحفاظ على أمنه ووحدته سياسياً واقتصادياً وثقافياً واجتماعياً. [email protected]