تكتسب منطقة الجوف منذ انضمامها تحت راية الملك المؤسس عبدالعزيز بن عبدالرحمن رحمه الله أهمية خاصة، نظراً لمقوماتها الاستراتيجية التي تحتوي عليها هذه المنطقة، كالموقع الاستراتيجي والمناخ المعتدل والتربة الزراعية الخصبة وتوافر المياه العذبة بشكل كبير، إضافة إلى إرثها الحضاري الذي جعل منها أقدم المناطق التي وجدت عليها آثار بشرية في مركز الشويحطية بالمنطقة. واليوم تشهد"الجوف"نشاطاً تجارياً وثقافياً مكثفاً، حيث بدأ المهرجان الثاني للزيتون منذ شهر، محققاً نجاحاً باهراً، عكسته التغطية الإعلامية المكثفة من وسائل الإعلام، والمشاركة المميزة من المواطنين سواء بالحضور للتسوق أو بمشاركة المزارعين والشركات، ما دعا اللجنة المنظمة للمهرجان إلى تمديد مدة المهرجان أربعة أيام أخرى بناء على طلب كثير من رواد المهرجان والمزارعين المشاركين، ليتسنى لهم تسويق منتجاتهم الزراعية في هذا المهرجان. لقد بدأت فكرة إقامة مهرجان للزيتون العام الماضي، عندما وجّه أمير منطقة الجوف الأمير فهد بن بدر بإقامة مهرجان للزيتون كل عام في الفترة من 20/11/1428 إلى 20/12/1428ه في مركز الأمير عبدالاله الحضاري بمدينة سكاكا، الغرض منه هو عرض إنتاج مزارعي الزيتون ومشتقاته من المزارعين والشركات المنتجة والمتخصصة بالزيتون وصناعاته ومعاصر زيت الزيتون في المنطقة، إضافة إلى نشاطات علمية مصاحبة للمهرجان يشارك فيها عدد من الأكاديميين والمختصين تتعلق بمعرفة الطرق العلمية لقطف وتخزين ونقل وعصر الزيتون وتخليله، وكذلك معرفة الطرق الفنية لتسويقه وجعله ينافس الأصناف المنتشرة في السوق المحلية والإقليمية والبحث عن العالمية في المستقبل إن شاء الله، وكذلك تقديم جائزة الأمير فهد بن بدر للزيتون للفائز بمقدار 100 ألف ريال في نهاية المهرجان لأفضل منتج من زيت الزيتون. يعتبر مهرجان الزيتون في الجوف الأول من نوعه على مستوى المملكة، بل على مستوى الخليج، حيث يزرع في منطقة الجوف نحو 13 مليون شجرة زيتون مزروعة في 8 آلاف مزرعة صغيرة و3500 مشروع زراعي، تنتج حوالى 50 ألف طن من زيت الزيتون، تتركز في مدينة سكاكا ومحافظات القريات وطبرجل ودومة الجندل وغيرها من المراكز والهجر في المنطقة، ما يجعل منطقة الجوف تحتل المركز الأول لإنتاج زيت الزيتون وثمار الزيتون المخلل على مستوى المملكة والخليج، ويجعل إقامة هذا المهرجان فكرة خلاقة لتسويق إنتاج المنطقة من الزيت والزيتون والمنتجات الملحقة وتنويع مصادر مداخيلها الاقتصادية، إذ بلغت مبيعات المهرجان في العام الماضي حوالى 10 ملايين ريال وعدد زواره 150 ألف شخص تقريباً. إن فكرة مهرجان الزيتون في الجوف، تعد فكرة رائدة من أمير المنطقة، فبالإضافة إلى الهدف المباشر وهو التسويق، إلا أن نشر ثقافة الزيتون والوعي به، من خلال المحاضرات التي تلقى في هذا المهرجان لاتقل أهمية عن التسويق، فنقل الخبرة للمزارعين من خلال عرض التجارب في زراعته وقطفه وجمعه وتخزينه وعصره وتسويقه والاستفادة من منتجاته الأخرى كالصابون ومخلفات عصره كصناعة التفل من الجفت، وتحويلها إلى نوع من أنواع الحطب النظيف بدلاً من الفحم، تأخذ أهمية قصوى في هذه المرحلة من تاريخ إنتاج الزيتون في الجوف. إن وجود جامعة الجوف في المنطقة التي جعلت جزءاً من شعارها ورقة للزيتون هي فرصة لتطوير هذه الزراعة والمشاركة بهذه المهرجانات بفاعلية من خلال الندوات العلمية و الأبحاث المتخصصة في هذا الجانب المهم والحيوي، الذي أصبح رافداً اقتصادياً للمنطقة تنعكس أثاره على أهلها بشكل جيد، وتخصيص جزء من بحوث مراكزها البحثية ودراساتها وندواتها ومؤتمراتها العلمية في هذا الجانب الحيوي. إن قرار الأمير فهد بن بدر بن عبدالعزيز بإنشاء مدينة الزيتون في الجوف يعكس الأهمية الكبيرة التي يوليها لزراعة وصناعة الزيتون في منطقة الجوف، وجعله سلعة استراتيجية بالنسبة إليها، وعامل جذب للاستثمار فيها، من خلال تهيئة البنية التحتية لهذه الزراعة والصناعات التحويلية المنبثقة منها كالزيت والصابون والتفل من الجفت وغيرها من المنتجات، والتطلع للمنافسة العربية والعالمية في هذا المجال إن شاء الله. ولاشك أن إقامة هذه المهرجانات يعد نشاطاً اقتصادياً وثقافياً وسياحياً لمنطقة الجوف التي شهدت العديد منها، بدءاً بمهرجان الجوف حلوة في كل صيف ومهرجان السدو في ربيع الآخر 1429 ه، وانتهاءً بمهرجان الزيتون الذي بدأ يصبح معلماً من معالم المنطقة الاقتصادية والسياحية والثقافية، ويعكس صورتها الاقتصادية والحضارية والثقافية المشرقة لكل زائر لها، سواء أكان مشاركاً أو متسوقاً أو سائحاً، ما جعل فكرة مهرجان الملح في القريات ومهرجان الحصاد في طبرجل بحسب تصريح المدير التنفيذي لجهاز السياحة في منطقة الجوف حسين الخليفة، تستحق الإشادة والتشجيع والإعداد لهما بشكل جيد حتى تضيف نجاح على نجاحات مهرجانات الجوف الأخرى وعلى رأسها مهرجان الزيتون. وهنا يأتي دور الهيئة العليا للآثار والسياحة في إيجاد البنية التحتية للاستثمار السياحي في منطقة الجوف هو دور أساسي من خلال الاستشارات والتشجيع وإيجاد الكوادر السياحية المدربة والتي بدأنا نلمس وجودها من خلال ما يقوم به جهاز السياحة في المنطقة من نشاطات وتشجيع لاستمرار الصناعات التقليدية ووضع البرامج السياحية لكل زوار الجوف، بما يتناسب مع ثروة المنطقة الأثرية والسياحية، إضافة إلى موروثها الثقافي والشعبي. إن انتهاء طريق الجوف- حائل الدولي هو عامل مساعد في تشجيع وتسويق الزراعة والسياحة لمنطقة الجوف الغنية بهاتين الثروتين، إضافة إلى التمتع بمشاهدة صحراء النفود على جانبي الطريق السريع الذي ربط المنطقة بالمناطق الوسطى كحائل والقصيم والرياض من المملكة، وجعل الانتقال وشحن البضائع أسهل من السابق وأوفر وأسرع، وهو ما يساعد التجار والمستثمرين والمزارعين على تسويق منتجاتهم والاستثمار في المنطقة زراعياً وسياحياً. يطلق الكثير من الناس على تمرة الحلوة"بحلوة الجوف"نسبة إلى أحد أنواع النخيل التي تزرع في منطقة الجوف بكثرة، واليوم أصبح الزيتون ملازماً للحلوة، حتى أنه بدء ينسي الكثيرين مدى ارتباط الحلوة بالجوف، علماً بأنه لم يزرع في الجوف إلا قبل 30 سنة تقريباً، فأصبحت الحلوة والزيتون متلازمتين في الجوف وأخيراً أختم مقالي بأبيات شاعر الجوف غالب السراح: ياما حلى والشمس تبدي شعقها من حدر الزرقا على نقرة الجوف نسقي بها غيد ظليل ورقها نقلط نماها للمسايير وضيوف كم حايل للضيف نرمي شنقها يقلط حثث ما هو على الزاد مردوف وهو ما جعل العرب يطلقون عليهم"وادي النفاخ"لمبالغتهم بإكرام الضيف بحسب ما ذكر معالي أمير الجوف السابق عبدالرحمن بن أحمد السديري رحمه الله في كتابه"وادي النفاخ. * عضو مجلس الشورى