أثار انتباهي قبل يومين تصريح غريب لرئيس هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر الشيخ ابراهيم الغيث، نقلته كثير من الصحف المحلية، يفيد باعتراضه على وجود سينما في المجتمع، ليس لأنها"شر"بحسب وصفه اللاحق لها، وليس لكونها عملاً عليه ملاحظات من الناحية الشرعية، بل لأنهم كجهاز"لم تتم استشارتهم"في إطلاقها، وبودي ان أسأل الشيخ الغيث الذي أعرف عنه دقته الشديدة في اختيار مفرداته ومعانيها... هل لو تمت"استشارتهم"كانوا سيوافقون على إطلاقها؟ كنت أود فقط من رئيس الهيئة أن يراعي أموراً عدة هي من البديهيات، فالهيئة ليست جهة تشريعية في الدولة حتى تستشار في أي قرار يصدر عن الجهات المعنية في مختلف مناطق المملكة، والدور الذي تقوم به رقابي وليس تشريعياً، شأنها في ذلك شأن كثير من القطاعات المعنية، ولا يجب باي حال من الأحوال أن تتجاوز أدوارها إلى أدوار جهات أخرى، الخلاف هنا ليس في الهيئة كجهاز، بل حول تصريح رئيسها، الذي يفترض فيه الدقة والوضوح، خصوصاً أنه يعرف جيداً أهمية التصريحات الصادرة عنه، وتعمد البعض قراءتها بصيغ مختلفة، الأمر سيكون طبيعياً ومنطقياً إذا ما صدر هذا القول عن هيئة كبار العلماء والرئاسة العامة للبحوث العلمية والإفتاء أو سماحة رئيسها الشيخ الوالد عبدالعزيز آل الشيخ، لكن خلط الأدوار وعدم معرفة قواعد مهام ودور الهيئة ربما يحتاج من رئيس الهيئة إلى مراجعة. الأمر الآخر وهو على النقيض تماماً صدر عن أحد الكتّاب قبل ايام وبشكل شابه كثير من التطرف، وهو مطالبة هذا الزميل بضرورة وجود سينما في المجتمع، وأيضاً الخلاف معه ليس في إلزاميته غير المبررة، وتصنيفه المجتمع إلى متشدد أو غير متشدد، فهذه ليست نقطة الخلاف، بل في المعطيات التي ساقها لوجود سينما داخل المجتمع، ومن أهم هذه المعطيات بحسب رأيه، ان الرافضين لفكرة السينما"لا يعنيهم البعد الاقتصادي للقضية"! كنت أتمنى من الزميل كاتب الموضوع أن يوضح لنا ما هو هذا"البعد الاقتصادي"المؤثر في اقتصادنا الناتج من عرض فيلم أو حتى إنشاء دور سينما؟ هل يقصد من هذا المعنى الفضفاض والمبهر في صياغته، أننا سنعتمد حال عرض أفلام سينمائية على مصدر دخل سيزيد من موارد الدولة شأن القطاع النفطي مثلاً أو القطاعات الصناعية الأخرى، وأن غياب هذا العالم سيؤثر سلباً في نمو وقوة الاقتصاد السعودي، وأنه سيسهم في خفض نسب البطالة؟ قد يكون كلام الزميل صحيحاً إذا ما قصد مجتمعاً تمثل السينما فيه صناعة حقيقية، من حيث وجود نجوم وشركات إنتاج وكتّاب وفنيين وجمهور، كالولايات المتحدة التي تمثل فيها هذه الصناعة بالفعل نسبة كبيرة من دخلها القومي، أو الهند التي انشأت مدينة سينمائية ضخمة على غرار هوليود وسمتها بوليود، أو حتى مثل مصر التي تقيم لهذه الصناعة وزناً كبيراً، ولها سوق ومستهلك موجود بالفعل على أرض الواقع، لذلك ينظرون إليها على أنها نوع من أنواع الاقتصاد القومي، لكننا في السعودية ما الذي تمثله هذه الصناعة؟ وأين هم الكتّاب والفنيون والممثلون الذين باستطاعتهم النهوض بهذه الصناعة وخلق نوع من الاستهلاك لها، وبالتالي إثارة وتحريك رأس المال في صناعتها؟ أعتقد أن الجواب على الأقل في الوقت الحالي لا يوجد، حتى المحاولات التي جاءت على استحياء، والتي تبنتها جهات إنتاجية إعلامية ضخمة مثل"روتانا"هي في الأخير تخسر، ولا تحقق أرباحاً يمكنها أن توازي أرباح فيلم أميركي او هندي أو مصري، أنا لا أنكر هنا أهمية الدور الترفيهي وأهمية الصناعة القائمة على دعمه وتشجيعه، لكن في الوقت نفسه علينا أن نكون واقعيين في تحليلاتنا المتعلقة بمثل هذه الأمور، فالقضية لا يمكن اختزالها في وضع عناوين عريضة خالية من أية مضامين حقيقية، حتى لا نصبح في الأخير وكأننا نطالب بإنارة الشوارع في الظهيرة. لقد اثار موضوع السينما على اختلاف ردود الأفعال حوله، إشكالية كيفية تناولنا ككتّاب لقضايانا المحلية، وجعل البعض يتندر على ما نقوم بعرضه، فما الذي سيقوله القارئ مثلاًً حينما يجد كاتباً ما يصر بشكل مثير للسخرية على تمرير خطأ أو التذاكي عليه؟ وما رده حينما يقرأ ما معناه أننا لا بد من إيجاد سينما ونشرها لأنها أولاً مؤثرة في اقتصادنا، وثانياً حتى لا يغادر ابناؤنا للخارج للمرور على دور السينما وتتبع ما تعرضه؟ وما الذي سيقوله القارئ حينما يقرأ أن السينما ستدفع شبابنا إلى عدم السهر امام"قنوات لا رقيب عليها ولا حسيب"؟ أعتقد أن الإجابة معروفة سلفاً ولا تحتاج إلى أي تعليق أو توضيح سوى أنها ثقافة الصوت وليس المضمون وهي نوع ابتلينا به، ندعو الله أن يقينا شر الوقوع فيها، أما مسألة وجود سينما أو عدم وجودها، فهي في الأخير مسؤولية المجتمع الذي عليه أن يتقبل الرأي والرأي الآخر مهما بلغت درجة الاختلاف. [email protected]