عرّف صاحب كتاب آداب السلوك الكاتب موريس شربل مصطلح"الاتيكيت"على أنه"مجموعة من تصرفات تؤدي إلى احترام النفس والآخرين، وكل شخص لا يحترم نفسه ولا يقيم اعتباراً للآخرين لا يحق له أن يطلب من الآخرين اعتباره واحترامه". وأضاف:"لكل مجتمع عاداته وتقاليده التي يمارسها بشكل عفوي ومن دون تكلف، وهي تختلف بين بلد وآخر، بيد أن أنواع السلوك العامة تسود بين المجتمعات الراقية، ويستطيع كل إنسان أن يكتسبها بالتعلم، وهي ما أطلق عليه الفرنسيون كلمة Etiquette. يقتصر مفهوم الاتيكيت في أذهان كثير من"الشرق أوسطيين"على تناول الطعام باستخدام الشوكة والسكين، أو تطعيم الكلام بعبارات أجنبية وشيء من الرموز الغربية، في حين تقلصت معانيه عند آخرين إلى ركوب السيارات الفارهة وارتداء آخر صيحات الموضة وشراء أعرق الماركات العالمية، فيما يمثل عند آخرين التجول في العواصم الأوروبية والحديث عن أشهر الأسواق والشواطئ. وعلى رغم أن التعاليم الدينية والحضارة الإسلامية تعدان اللبنة الأساسية التي بنى المسلمون على أساسها مبادئهم ورسخوا قيمهم، إضافة إلى أنها مدرسة تعلم منها العرب آداب تعاملاتهم وأخلاقيات تصرفاتهم وكذلك مهارة سلوكياتهم، إلا أن بعضهم يصرّ على أن الغرب هم الجنود المجهولون الذين ألفوا أبجديات الاتيكيت وأصول البروتوكول التي لا يزال العرب يستوردونها. ينسى هؤلاء"المستوردون"أو"المتقمصون"أن نبي الإسلام كان أكبر متخصص في فنون الاتيكيت والتعامل، من خلال أحاديثه وسلوكه، وعند النظر إلى أقواله"تبسمك في وجه أخيك صدقة"و"تهادوا تحابوا"وغيرهما من الأقوال الدالة على مكارم الأخلاق، التي من شأنها الارتقاء بذات المسلم واحترام مشاعر الآخرين، وتنمية قيم الحضارة الإسلامية التي هجر الكثير من المسلمين آدابها وسلوكياتها. ويتباين الناس في سلوكياتهم وتختلف تصرفاتهم تبعاً لطبيعة شخصياتهم وحقيقة أهوائهم، فهناك من يكتفي بتطبيق معالم الذوقيات وملامح الاتيكيت خارج المنزل فقط ويتجاهلها داخله، كما أن هناك من يعتبر أن مراعاة الذوق واحترام مشاعر الآخرين ما هما إلا جملة من الكماليات وشيء من الثانويات. "لم تكتفِ هي وزميلاتها برمقي بسهام نظراتهن، بل تجاوز ذلك إشارتهن إليّ وسخريتهن من قصر قامتي"، ذلك ما أثار استياء روان صالح 17 عاماً وأثّر في نفسيتها. وتضيف:"على رغم اتباع أولئك الفتيات الموضة وارتدائهن آخر ما خطته أيدي كبار مصممي الأزياء وتكلفهن الزائد بإبراز مظهرهن الوهمي أمام كل من يجالسهن، إلا أن إغفالهن لتنمية روح التعامل وتجاهلهن أبسط أدبيات السلوك، حط من شأنهن وزاد من جهلهن بالنسبة إليّ". أما رهف المزروعي 32 عاماً فكان نصيبها جراء مكالمة هاتفية خاطئة، وابلاً من السب والشتم والتجريح، ما دفعها إلى تقديم سيل من الاعتذارات وباقة من التوسلات علها تلجم بها ثغر مهاجمتها. تقول:"أثناء اتصالي بهاتف إحدى صديقاتي، أخطأت بتكرار أحد الأرقام، لأفاجأ باختلاف نبرة صوت الطرف الآخر على السماعة، ما دفعني إلى الاعتذار إلى صاحبة الرقم الطاعنة في السن، التي وجهت إليّ بعض الإهانات". في حين تفوّق هاشم 28 عاماً على نظرائه في استخدام عبارات أجنبية ورموز غربية أثناء تعامله مع غيره، كما أنه أبدع في استخدام الشوكة والسكين أثناء تناوله الطعام، لكنه فشل في توطيد عرى المحبة والمودة مع رفاقه، إضافة إلى أن نظرته الدونية إلى من هم أقل منه من حيث المستوى الاجتماعي والاقتصادي، جعل صداقاته لا تتجاوز أهل بيته. في حين تذمرت أم وليد من سخاء زوجها المعنوي وعطائه المكتنز بالحنان ومشاعر الاحترام لكل من هو خارج أسوار بيته وفظاظة طبعه داخله. تقول:"على رغم طيبة قلب زوجي وسمو أخلاقه، إلا أن سماحة طباعه ولين لسانه ورقي تعامله، يكتفي بإظهارها فقط أمام أصدقائه ومعارفه، ويخفي معالمها أمام شريكة حياته وفلذاته". وانتقد خالد الدخيل 35 عاماً بعضاً من التصرفات السائدة التي تجاوزت حدود الاتيكيت وقفزت على حواجز الذوق، لتتحول إلى ظاهرة، كالبصق في الشارع وعدم الاكتراث إلى رمي النفايات في الأماكن العامة، إضافة إلى عدم احترام الطابور. وينضم إلى هذا كله الفشل في إتقان فن الحوار واحترام الرأي الآخر مهما اختلف معه، وهو من أكثر السلوكيات الخاطئة شيوعاً، التي تعكس حالاً من الفوضى تستوجب لفت النظر إليها وتوعية الناس بخطر انتشارها. من جهتها، أكدت الاختصاصية النفسية مها المنيع أن مراعاة مشاعر الآخرين واحترام آرائهم، إضافة إلى غرس الشعور بالمسؤولية تجاه الأقوال والأفعال التي يقوم بها الشخص، وحبه لأخيه ما يحبه لنفسه، تعد من أعظم صور الاتيكيت الحقيقية التي تعمل على تعميق جذور التكافل الاجتماعي، وتسهم في عكس معالم إيجابية وملامح ودية يتمتع الناس بتبادلها.