تولّدت لدي قناعة ربما قبل انطلاق موسم حج هذا العام، أن ثمة اختلافاً سيكون ملحوظاً وملموساً عنه في المواسم والسنوات السابقة، فالحملة التي قادها أمير منطقة مكةالمكرمة رئيس لجنة الحج المركزية والهيئة العامة لمراقبة نقل الحجاج الأمير خالد الفيصل، والتي حملت رسالة واضحة ومباشرة مفادها:"لا حج بلا تصريح"، كانت موفقة وإلى حد كبير في منع العبث، الذي كانت تمارسه باحتراف كثير من وكالات الحج في الداخل، والتي كان يكفيها فقط مكتب لا يتجاوز الامتار الثلاثة وسيارة متهالكة، لجمع أرباح تصل إلى مئات الألوف من الريالات من مقيمين بسطاء، يدفعهم الشعور بالرغبة في إتمام مناسكهم إلى التضحية بأمور كثيرة على اعتبار انها من مشاق الحج الواجب تحملها، فأتت هذه الحملة الإعلامية والرقابية، لتقضي على طموحات هذه المكاتب غير النظامية، وتبعثر كل أوراقها في اتجاهات لم تكن تتوقعها في السابق، اذ ان الرفض هذه المرة جاء من المقيم نفسه أو المواطن البسيط، الذي كان يتعرض هو الآخر للخداع، بحثاً عن أسعار رخيصة تعوضه عناء الاشتراك في الحملات الكبرى، التي تتمتع بمزايا ربما تثقل تكاليفها المادية كاهله ولا يمكنه تحملها وليس من أية جهة أخرى، وهو ما يحسب للحملة التي ارتكزت على هذه الجزئية الذكية والبسيطة في آن. فأسفرت عن نتائج ربما لمسها كل المتابعين وكل الذين كتب الله لهم أداء شعيرة الحج هذا العام، فحركة الحجيج تنساب بلا زحام يذكر، ما ساعد بقية الإدارات المعنية بشأن تنظيم ومتابعة ومراقبة الحجيج في القيام بعملها بشيء من الارتياح، لوجود نظام دقيق وملزم للجميع، اسهم وبشكل رئيس في إبراز موسم حج منظم ودقيق. لقد اسعدنا كسعوديين ما قاله أحد الطيارين المكلفين بمراقبة التفويج قبل ايام لإحدى الصحف المحلية عن أنها المرة الأولى - بحسب ما نقلته الصحيفة على لسانه - التي يرى فيها هذا الانضباط والالتزام بعملية التوقيت المحدد في التنقل وأداء النسك وقوله انه يشعر بالفخر. لقد كانت كلماته بسيطة لكنها عميقة ومؤثرة، خصوصاً أنه يراقب الحجيج من طائرة عمودية على ارتفاع يصل إلى نحو 200 قدم، فنقل الصورة واصفاً إياها على أنها"لوحة رائعة تشعرك بالرهبة"وهو حقاً ما لمسناه على أرض الواقع. إن حج هذا العام تجاوز كل القراءات التي كانت تدور حول موسم الحج، خصوصاً أن بعض وسائل الإعلام الخارجية سربت أخباراً عن قيام حجاج بعض الدول باستغلال هذه الحشود وهذه الأفئدة والقلوب، التي جاءت تبحث عن المغفرة والابتهال إلى الخالق بأن يعيدها إلى مواطنها كيوم ولدتهم أمهاتهم في امور عقائدية مصبوغة بصبغات سياسية أقل ما يمكن أن توصف بها أنها"حاقدة"، لتحيل النظام إلى فوضى والهدوء والسكينة إلى خلافات وبلبلة، لكن الله حامي هذا الوطن رد كيدهم في نحرهم، وجعلهم يعودوان داحرين مهزومين، يملأ قلوبهم الغيظ والحسد على ما أنعم الله به على بلادنا بنعمة الأمن والأمان والنظام، ولم تفلح كل محاولاتهم في تقويض قواعد هذا النظام، أو حتى المساس به من قريب او بعيد، وهو أمر يحسب بعد توفيق الله إلى الجهاز الأمني المشرف على الحجيج، الذي تعامل مع مثل هذه الأقاويل والتسريبات الصحافية بكثير من الحكمة، ولم يتوان في أن يصدر تصريحاً هادئاً وحازماً في الوقت نفسه ألا مجال للعبث بأمن الحجيج، فتلقفها هؤلاء بوضوح. إننا ندعو الله لكل حاج أن يتقبل الله منه حجه وأن يتقبل نسكه، وأن يديم علينا هذه النعمة الكبرى من نعم كثيرة لا تعد ولا تحصى. [email protected]