من النعم الكثيرة التي حباها الله تعالى لهذا الوطن الغالي.. تشريفه باحتضان الحرمين الشريفين؛ مهوى القلوب والأفئدة، وفي كل عام تستقبل المملكة المسلمين من كافة أقطار الأرض حتى أن أحدهم قد قام بإحصاء ما يزيد على ستين جنسية في مربع واحد داخل المسجد الحرام ، والمملكة تدرك حجم المسؤولية الملقاة على عاتقها في موسم الحج منذ بواكير تأسيسها، لذا فقد سعت من ذاك الوقت إلى ابتكار الحلول التي تصب في كل ما من شأنه تيسير سبل الحج أمام قاصديه ليؤدوا فريضتهم ونسكهم في أجواء من السكينة والطمأنينة. وفي كل موسم حج تتنافس كافة القطاعات لتقديم أرقى الخدمات لضيوف الرحمن انطلاقا من نهج وتوجيهات ولاة أمر هذه البلاد يحفظهم الله ببذل أقصى الجهود لتمكين الحجيج من تأدية الشعائر بيسر وسهولة وبصورة صحيحة، كما يتم حشد وتسخير كافة الإمكانيات المالية والبشرية والتنظيمية والتخطيطية، والاستفادة من مواسم الحج السابقة في تحسين الخدمات المقدمة للحجيج؛ لما في ذلك من أجر عظيم تظلل آثاره أرض المملكة بخيرات تترى.. ونعم عظيمة رأس سنامها نعمة الإسلام، وفي ظلاله نعم أخرى يستحيل على المرء إحصاؤها ... فلله الحمد والشكر أولا وأخيرا. إن التوسعة (المستمرة) وآخرها التي أمر بها خادم الحرمين الشريفين يحفظه الله للحرم المكي لاستيعاب العدد المتزايد للحجيج والمعتمرين الذين يؤمون بيت الله الحرام على مدار العام، هي التوسعة الأكبر في تاريخ المسجد الحرام، وتجاوزت تكلفتها الإجمالية (80) مليار ريال وسوف تستوعب بعد اكتمالها أكثر من مليونين ومائتي ألف مصل، كما صرح بذلك الرئيس العام لشؤون المسجد الحرام والمسجد النبوي، كما وضع خادم الحرمين الشريفين يحفظه الله مؤخرا حجر الأساس لتوسعة الحرم المدني وهي كذلك أكبر توسعة في التاريخ، وسوف تؤدي إلى زيادة القدرة الاستيعابية للمسجد النبوي الشريف بأكثر من ثلاثة أضعاف عدد المصلين الحاليين. وقبل هذا وذاك لمس الحجيج الأثر الطيب لتوسعة وتطوير جسر الجمرات والمنطقة المحيطة به، وتنظيم مشعر عرفات، وتطوير وتوسيع المسعى، ومشروع مياه زمزم، ومشروع إدخال خدمة القطارات بين المشاعر. وأخيرا في مكة والمنطقة المركزية.. وغيرها من المشروعات التطويرية التي تتطلب رصدا وتوثيقا متخصصا. ونحن في غمرة هذه المناسبة.. نتفيأ روحانية الزمان والمكان.. ونستحضر عبق التاريخ والسيرة.. ونترقب هذا اللقاء الإيماني بفارغ الصبر واحتساب الثواب.. نتقدم إلى كل من يسر على الحجيج هذه العبادة المقدسة بخالص الشكر والتقدير.. ونسأل الله تعالى بأن يجزل المثوبة لخادم الحرمين الشريفين يحفظه الله ولسمو ولي عهده الأمين نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الدفاع، ووزير الداخلية رئيس لجنة الحج العليا على جهودهم المتراكمة التي شكلت بصمة تاريخية في تيسير شؤون الحج، وذلك من خلال الإشراف والتخطيط والمتابعة والتنظيم، الحملات التوعوية، وخطط الطوارئ والخطط الأمنية، وإدارة الحشود، وغيرها من الجهود التي أفضت إلى هذا النجاح الذي يشهده كل موسم حج. إن الحج عبادة تهذب النفوس.. وترتقي بالسلوك في مدارج المحبة ليتقبل كل منا الآخر، فمن عمق المشقة تنبثق الراحة.. ومن ثنايا الزحام تتولد السكينة والسلام.. ومن شدة التذلل لله تعالى تتجلى العزة.. والكل يروم المغفرة والقبول في أيام الحج.. إنها مناسبة عظيمة يتعين أن لا يكدر أجواءها شائبة.. الكل مقبل على الله تعالى.. فلا يركنن أحد إلى لافتة أو شعارات تفرغ عبادته من مضمونها.. هذا هو الحج.. لا رفث.. لا فسوق.. لا جدال.. وإنما رجاء ورجاء ثم رجاء بين يدي الله تعالى، وهذا ما يتساوق مع فطرة المسلم.. لذا نثمن تأكيد وزارة الحج على منع رفع أية شعارات سياسية خلال موسم الحج. وللمواطنين والموظفين دعوة مفتوحة لترك أثر طيب في نفوس الحجيج من خلال تقديم يد المساعدة لهم كلما كان ذلك ممكنا كل في موقعه.. انطلاقا من هذا الدور التاريخي الذي يضفي خصوصية محببة على هذا الوطن، ويجعله قرة عين لكل مسلم على وجه الأرض.. وأخيرا أتمنى لكل من نوى الحج أن يبلغه الله تعالى مراده وأن يتقبل منه.. وأتمنى لكل من ساعد في التهيئة لموسم الحج القبول.. وأتمنى للقراء الأعزاء عيدا سعيدا وإجازة عامرة بالتفاؤل .. ودمتم سالمين. [email protected]