فجر جميل يطل من النافذة المشرعة، وهواء عليل على رغم رطوبته، لم يبق لديها أثراً للنعاس، مع أنها لم تحتس قهوتها بعد. استيقظت فرحة متفائلة من دون أن يكون لديها أي سبب لذلك. في ودها لو تعلم كيف يزورها فرح خفي بلا استئذان. لو عرفت لفهمت أيضاً كيف يخيم الحزن فجأة في الصباحات أو عند العشيات من دون سبب ظاهر. لو كانت تعلم من أين يأتي الحزن، لأوصدت من دونه الأبواب، ولما أذنت له بالدخول إلى قلبها. أما الفرح فلا داعً لمعرفة سر قدومه. كل ما تتمناه أن يزورها وقت ما يشاء وكثيراً إذا أمكن. في الشجرة عصافير تلتقي وتتفرق من دون أن تنقطع زقزقاتها. تذكرت كلمات عمتها: عندما تزقزق العصافير وتأتي قريبة منك فإن ضيفاً سيطل أو رسالة ستصل. أبواب البيت مفتوحة للضيف المجهول الذي قد يأتي في أية لحظة. كذلك أبواب القلب مفتوحة لأية رسالة. فجأة تسمع طرقاً على الباب. اعتقدت أنه ساعي البريد يحمل شيئاً، لكنها استفاقت من تأملاتها، لا رسائل بعد اليوم وساعي البريد لا يزور البيوت ولا يطرق الأبواب. عليها أن ترسل أحداً ليرى ما إذا كانت في البريد أية رسالة. قلبت جوالها على مفتاح الرسائل: لابد من أن شيئاً جميلاً سيحدث هذا اليوم، فالصباح غير عادي، ويبدو أنه يخبئ مفاجأة ما. عندما وضعت الخادمة فنجان القهوة أمامها رأتها أكثر نشاطاً وحيوية. همست: يا للرائحة الذكية التي تفوح من هذه القهوة. أجابت الخادمة: إنها القهوة المعتادة سيدتي. انتصف النهار، وعاد الطفلان من المدرسة. سألتهما عن يومهما؟ كانا سعيدين وذهبا ليأكلا من غير إلحاح أو طلب. عاد الزوج، بدا لطيفاً هادئاً. ماذا ستحمل العصافير من أخبار. إنها تسمع زقزقة تلك العصافير ولا تراها. كان لون السماء أكثر زرقة وصفاء. بضع غيمات بيضاء تنساب الهوينى وتلوح عبر أغصان الشجرة. غابت عيونها في شجيرة الجهنمية، كانت تبدو أكثر ازهراراً. اتصلت صديقتها. كان صوتها يرن كجرس فضي يترقرق كالماء، يحمل نبرة عذبة. تهب نسمات، يقترب صوت لحن عذب. قالت لزوجها: هل نخرج الليلة؟ اقترح عليها مطعماً على البحر واختار المكان الذي تحبه أكثر من غيره. كانت لديها رغبة أن تجعل النهار طويلاًً، وألا تستنفده لئلا ينقضي قبل أن تطل المفاجأة. في الليل لا تشدو العصافير، لكن القمر يسيل شعاعاً على البحر، وحين تنكسر الأمواج تبرز حافتها الفضية. ما أجمل البحر هذه الليلة وما أعبق عبيره. الأضواء المتلألئة تنعكس في مرآة الروح. هل يحمل البحر شيئاً؟ قرأت مراراً عن القوارير التي تحتوي على رسائل داخلها وهي تعبر المحيطات، يرسلها إنسان ما ولا يعرف من سيتسلمها. هذه الزجاجة تستغرق أشهراً أو سنوات لتجتاز المحيط بين شاطئ وآخر. أصبح للموج صوت زقزقة العصافير واختلط الليل بالنهار ولابد أن تقع المفاجأة. إن شيئاً جميلاً لا تُدرك كنهه في طريقه إليها. إنه يقترب. يسأل الزوج: أراك لا تستعجلين العودة. بدا الرجل أكثر شباباً وحيوية والأضواء ترقص في البحر والأسماك الفضية تشق صفحة مياه البحر وترتفع قليلاً ثم تغيب والنجوم أقرب تلوح من السماء. تعود إلى بيتها. تُزيل الكحل عن عينيها. تضع مرطباً على بشرتها. ترتدي قميص النوم. انتهى اليوم وستنام والشيء الجميل لم يحدث بعد؟ فكرت .. ابتسمت: لا بد من أنّ شيئاً جميلاً سيحدث اليوم... ونامت. خلف الزاوية نظراتك كحل في عيني كلماتك قرط في أذني وعتابك أمواج غضبت ومضت كي تغرق لي سفني [email protected]