قرار التعليم رسم البسمة على محيا المعلمين والمعلمات    الجودة دافع الابتكار والتميز    وزير السياحة يدشن شركة رملة للرحلات السياحية والمنتجعات البرية في حائل    الطقس يهدد الولايات المتحدة    أسبوع واحد نقل الحرب في أوكرانيا إلى التصعيد    تسونامي الخليج يجتاح الهلال    ضبط مواطن في القصيم لترويجه الحشيش وأقراصًا خاضعة لتنظيم التداول الطبي    عن الدراما المسرحية والتجاهل الأكاديمي أتحدث    الاتحاد يتصدر ممتاز الطائرة    الدانة يفقد اللقب القاري    1850 متدربا ومتدربة على المانجا في اليابان    فنانو المدينة يستعرضون أعمالهم في جولتهم بجدة    «حلاه يشدف» أحدث أغاني إبراهيم فضل بالتعاون مع محمد الخولاني    ضيوف خادم الحرمين يتجولون في مجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف    أرسنال يعود بطريق الانتصارات في الدوري الإنجليزي بثلاثية في فريق نونو سانتو    "العوسق".. من أكثر أنواع الصقور شيوعًا في المملكة    الحارثي في ذمة الله    دوري روشن: الوحدة يداوي جراحه بفوز هام على التعاون    الانسانية تحتضر    الالتزام بالمواعيد الطبية: مسؤولية مجتمعية تحفظ الصحة وتُحسن الخدمات    انترميلان يقسو على هيلاس فيرونا بخماسية في شوط    الطاقم الطبي يحدد موقف محترف الأهلي من مواجهة العين    ابن وريك يدشن معرض الأمراض المنقولة بالنواقل في مهرجان الدرب    5 مطارات تتصدر تقارير الأداء لشهر أكتوبر 2024    المنتدى السعودي للإعلام يفتح باب التسجيل في جائزته السنوية    يناير المقبل.. انطلاق أعمال منتدى مستقبل العقار في الرياض    الأولى من نوعها.. اتحاد الغرف يعلن تشكيل لجنة للطاقة والبتروكيماويات    ترمب يرشح سكوت بيسنت وزيراً للخزانة    الفنان المصري وائل عوني يكشف كواليس طرده من مهرجان القاهرة السينمائي    معتمر فيتنامي: أسلمت وحقق برنامج خادم الحرمين حلمي    سعود بن نايف يرعى الأحد ملتقى الممارسات الوقفية 2024    التحقيق مع مخرج مصري متهم بسرقة مجوهرات زوجة الفنان خالد يوسف    مصدر أمني يؤكد استهداف قيادي في حزب الله في الغارة الإسرائيلية على بيروت    "الجامعة العربية" اجتماع طارئ لبحث التهديدات الإسرائيلية ضد العراق    بريدة: مؤتمر "قيصر" للجراحة يبحث المستجدات في جراحة الأنف والأذن والحنجرة والحوض والتأهيل بعد البتر    ضبط 19696 مخالفاً لأنظمة الإقامة والعمل وأمن الحدود خلال أسبوع    استمرار هطول الأمطار على معظم مناطق المملكة    مشروع العمليات الجراحية خارج أوقات العمل بمستشفى الملك سلمان يحقق إنجازات نوعية    24 نوفمبر.. قصة نجاح إنسانية برعاية سعودية    موديز ترفع تصنيف المملكة الائتماني عند "Aa3" مع نظرة مستقبلية مستقرة    جمعية البر في جدة تنظم زيارة إلى "منشآت" لتعزيز تمكين المستفيدات    وفاة الملحن محمد رحيم عن عمر 45 عاما    مصر.. القبض على «هاكر» اخترق مؤسسات وباع بياناتها !    حائل: دراسة مشاريع سياحية نوعية بمليار ريال    الأمر بالمعروف في عسير تفعِّل المصلى المتنقل بالواجهة البحرية    بريطانيا: نتنياهو سيواجه الاعتقال إذا دخل المملكة المتحدة    وزير الصناعة والثروة المعدنية في لقاء بهيئة الصحفيين السعوديين بمكة    نيمار: فكرت بالاعتزال بعد إصابتي في الرباط الصليبي    القبض على (4) مخالفين في عسير لتهريبهم (80) كجم "قات"    «الأرصاد»: أمطار غزيرة على منطقة مكة    باص الحرفي يحط في جازان ويشعل ليالي الشتاء    الثقافة البيئية والتنمية المستدامة    وزير الدفاع يستعرض علاقات التعاون مع وزير الدولة بمكتب رئيس وزراء السويد    رئيس مجلس أمناء جامعة الأمير سلطان يوجه باعتماد الجامعة إجازة شهر رمضان للطلبة للثلاثة الأعوام القادمة    إطلاق 26 كائنًا مهددًا بالانقراض في متنزه السودة    محمية الأمير محمد بن سلمان الملكية تكتشف نوعاً جديداً من الخفافيش في السعودية    أمير الحدود الشمالية يفتتح مركز الدعم والإسناد للدفاع المدني بمحافظة طريف    أمير منطقة تبوك يستقبل سفير جمهورية أوزبكستان لدى المملكة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



قراءة تاريخية في الإصلاحات العمرانية في "الإيالات" العربية في عهد الدولة "العثمانية" . عبدالحميد الثاني خصم 10 في المئة من رواتب منسوبي الدولة لبناء خط الحديد "الحجازي"
نشر في الحياة يوم 20 - 11 - 2008

منذ سنوات طويلة تقارب أكثر من ثلث قرن هي بداية اهتمامي بالبحث في التاريخ الحديث للدولة العثمانية وعلاقتها بالولايات العربية، خصوصاً ولاياتها في الجزيرة العربية. كنت طوال هذه الفترة جمعت مادة علمية وثائقية عن طبيعة هذه العلاقة. كانت ثمرة هذه السنوات من الدراسة وما جمعته من معلومات من دور المحفوظات العثمانية، خصوصاً أرشيف رئاسة الوزراء في استانبول وأرشيف وزارة الخارجية بالمدينة نفسها ومكتبة جامعة استانبول، إضافة إلى ما تم جمعه من مكتبات خاصة وعامة ومن أوراق خاصة تعود لبعض الباشوات من الولاة الذين تولوا مناصب رفيعة في هذه الولايات العربية قبل سقوط الدولة العثمانية في نهاية الحرب العالمية الأولى. كانت ثمرة هذه السنوات من جمع المصادر ما وضعته في إعداد رسالتي للماجستير التي تقدمت بها لجامعة كانساس بالولايات المتحدة الأميركية عام 1979، بعنوان: تأثير دعوة الشيخ ابن عبدالوهاب على مقاومة منطقة عسير ضد الحكم العثماني المصري 1811 - 1840 ورسالتي للدكتوراه التي حصلت عليها من جامعة كمبريدج ببريطانيا عام 1987. بعنوان: علاقة الكيانات السياسية في الجزيرة العربية، عسير، واليمن والحجاز ونجد بالدولة العثمانية 1840 - 1872.
إضافة إلى العديد من البحوث والدراسات التي قمت بنشرها في مجلات متعددة وقرأتها في مؤتمرات مختلفة. ثم جمع حصيلة حصاد السنوات الطويلة من الوثائق والصور والخرائط والبيانات التي جمعتها خلال تلك السنوات في مجلدات قد تزيد في عددها على اثني عشر مجلداً أصبح معظمها جاهز للنشر حيث اعتبر إنجاز هذا العمل تتويجاً لما تمكنت من إنجازه في مسيرة حياتي العلمية. هذا البحث الذي أُقدمهُ لقراء صحيفة"الحياة"الغرّاء. هو البحث الذي تقدمت به أخيراً في تاريخ 9-10-2008 في المؤتمر الثالث عشر للدراسات العثمانية الذي نظمته مؤسسة التميمي للبحث العلمي والمعلومات في تونس. وهو بعنوان: الإصلاحات العمرانية في الإيالات العربية في عهد السلطان عبدالحميد الثاني. في ضوء الوثائق والصور الفوتوغرافية.
ويعمل مركز آل زلفة الثقافي والحضاري في تنظيم معرض بالوثائق والصور التاريخية لهذه الفترة في كل من الرياض والمقر الرئيسي للمركز في قرية المراغة بمحافظة أحد رفيدة بمنطقة عسير. ووضع دليل يحكي قصة هذه الوثائق والصور التاريخية وقصة الفترة التي تحكي عنها.
كان تسنم السلطان عبدالحميد الثاني مقاليد السلطة في مرحلة حرجة، في تاريخ الدولة العثمانية، في القرن ال 19، فجيء به إلى السلطة قبل أن تجف دماء عمه السلطان عبدالعزيز الذي كانت وفاته في ظروف غامضة، قيل إنه قُتل على أيدي الإصلاحيين وعلى رأسهم مدحت باشا، وقيل أنه انتحر، كما قيل أنه مات مسموماً. وعُيِّنَ مباشرة بعد مقتل السلطان عبدالعزيز، السلطان مراد الخامس من الإصلاحيين، لكن حكمهُ لم يدم سوى 93 يوماً، إذ تعرض لحالة صحية مفاجئة انتهت به إلى الجنون. فَعُزِلَ وعُيِّن خلفاً له السلطان عبدالحميد الذي لُقِّبَ ب"عبدالحميد الثاني". لم تكن هذه المآسي على المستوى العائلي وحدها من المشكلات التي صاحبت تولي هذا السلطان مقاليد الحكم، بل كانت العقبات الكبرى التي لا تقل أهمية هي تلك الظروف السياسية التي كانت تعصف بأحوال الدولة، إضافة إلى الهزائم العسكرية التي تعرضت لها الجيوش العثمانية في أكثر من جبهة، كالجبهة الروسية وحروب البلقان واليونان وغيرها، ثم الأحوال الاقتصادية الخانقة إذ كانت الدولة على وشك الإفلاس. وكان دعاة الإصلاح، وعلى رأسهم المصلح الكبير أحمد مدحت باشا يدفعون الدولة نحو الإصلاح، إذ كانوا يعتقدون - وربما كانوا محقين - أن السبيل الوحيد لانتشال الدولة من محنتها والظرف الصعبة التي توجهها والتي قد تقود إلى انهيارها هو الإصلاح بكل أشكاله السياسية والاقتصادية والتعليمية والقضائية والعسكرية .... لم يكن السلطان عبدالحميد ذلك القائد السهل، فلقد واجه كل هذه المشكلات بشجاعة فائقة، إذ كان يدرك أن الدولة بحاجة إلى إصلاح، لكن إصلاحاً على طريقته الخاصة، فرفض دعوة الإصلاحيين وألغى الدستور ووجه إليهم تهمة المسؤولية عن مقتل عمه السلطان عبدالعزيز، وشكل محكمة لمحاكمتهم وصدرت الأحكام بإعدام بعضهم وسجن بعضهم سجناً مؤبداً وعلى رأسهم المصلح الكبير مدحت باشا الذي نُفِيَ إلى الطائف في الحجاز، وظل في سجنه عدد سنين إلى أن مات فيه، وقيل إنه تم التخلص منه غدراً. كما رفض عبدالحميد التدخل الأجنبي في شؤون بلاده الداخلية، وأخذ بأسباب بناء الدولة فأنشأ المدارس والمعاهد والكليات المتخصصة وأعاد بناء الجيش على أسس سليمة. وتبنى سياسة الجامعة الإسلامية التي تهدف إلى جمع كلمة المسلمين وعلى مختلف بلدانهم والوقوف صفاً واحداً تحت مظلة الخلافة في مواجهة الدول الاستعمارية ولم تكن فكرة الجامعة الإسلامية لتقتصر على المواطنين العثمانيين فحسب بل شملت كل بلاد المسلمين، بما فيها تلك التي استولت عليها الدول الاستعمارية بالقوة في الهند وإندونيسيا وشمال أفريقيا ومصر وسواحل الجزيرة العربية. وعُوِّل على نجاح مشروعه هذا في استقطاب العنصر العربي، لأن العرب هم سنام الإسلام، كما حاول إصلاح أحوال الإيالات العربية مستقطباً رجالاتها المستنيرين الراغبين في الإصلاح، لكن بشروط السلطان: لا دستور، لا مجلس نيابي، لا صحافة حرة، ولا للحد من سلطة السلطان المطلقة، ولكن للحق والإنصاف أنه كان راغباً صادقاً في إعادة بناء دولته على أسس قوية وكان يملك المؤهلات الشخصية، لكن محاولاته جاءت متأخرة على رغم أكثر من ثلاثين سنة مكثها في الحكم قبل الإطاحة به على أيدي رجال الاتحاد والترقي. فحاول بكل الطرق إصلاح ما أفسده الزمن على مدى قرون. وكان ضمن القادة والزعماء العرب المتنورين الذين استقطبهم السلطان عبدالحميد: المصلح التونسي الكبير خير الدين التونسي وعزت باشا العابد من سورية، وكاظم باشا من العراق وفضل بن علوي من جنوب اليمن، وأحمد بن عبدالخالق الحفظي من عسير، وعبدالله ظافر من ليبيا، وعبدالله بن ثنيان باشا آل سعود من نجد، وشريف باشا من كرد العراق، وأسعد باشا من أعيان المدينة المنورة وبعض أصحاب الطرق الصوفية الموغلة في أفكار وأوهام أبعد ما تكون عن ملامسة الواقع مثل أبو الهدي الصيادي، وكان الأخير كما تشير بعض المصادر إلى أنه قد لعب دوراً في المباعدة بين السلطان وبعض المصلحين مثل: المصلح الكبير عبدالرحمن الكواكبي وغيره من الغيورين على مصلحة الدولة والحفاظ على كيانها ووحدتها، واستغل نفوذه بحكم قربه الشديد من السلطان وقوة تأثيره عليه فبسبب هذه الحظوة قَرَّب من شاء وأبعد من شاء من بلاط السلطان حتى أصبح السلطان في السنوات الأخيرة من حكمه محاطاً بعدد من النفعيين عديمي الكفاءة وأصبحت إستانبول تعج بهم ....
خطط إصلاح
وبما أن هذه الورقة العلمية ستركز بشكل أكثر تحديداً على الإصلاحات العمرانية في الإيالات العربية في عهد السلطان عبدالحميد الذي رأى أن مستقبل قوة دولته يكمن في الاهتمام بالولايات الشرقية من المملكة العثمانية مثل ولاية الشام والعراق واليمن والحجاز وبينهما متصرفية عسير ومتصرفية نجد الأحساء المضاف إليها قطر، هذه المناطق التي ما زالت في منأى من امتداد النفوذ الأجنبي. ولعل هذا الاهتمام من الدولة العثمانية بهذه المناطق ناتج مَمَّا تعرضت له مناطق نفوذها في منطقة البلقان وفقدانها سيطرتها عليها بعد أن نالت معظم تلك الإيالات استقلالها بعد ثورات عنيفة من مواطنيها ودعم قوي لها من روسيا العدو التقليدي للدولة العثمانية، حيث تمكنت روسيا بدورها من التهام العديد من مناطق نفوذ الدولة العثمانية في منطقة البحر الأسود وفي وسط آسيا مناطق القوقاز وفقدان الدولة ممتلكاتها في كل من الجزائر ومصر وقبرص واستيلاء بريطانيا على السواحل الجنوبية والشرقية من جزيرة العرب وخوفها الدولة من تمادي بريطانيا في المزيد من التوسع على حساب ممتلكاتها ونفوذها في ولاياتها الشرقية. من أجل هذا تبنت الدولة العديد من الخطط لإصلاح هذه الولايات وكانت ولاية الحجاز تمثل القلب من حيث الأهمية الروحية والمعنوية لقوة الدولة وشرعية نظامها الخلافي لذا أولت ولاية الحجاز العديد من الخطط الإصلاحية، كما حرصت على سلامة الحجاز وأمنه من المخاطر، خصوصاً من أي تهديد خارجي، وكانت تعد تقوية أمن وسلامة الولايات المحيطة مثل ولايتي اليمن والعراق من مقومات سلامة وأمن الحجاز، كذلك أولت أمن البحر الأحمر أولوية قصوى، لأن أمنه مرتبط بأمن الحجاز بل تجاوزت في اهتمامها بأمن البحر الأحمر إلى محاولات عدة في أن يكون لها موطئ قدم في الطرف الأفريقي المحاذي للبحر الأحمر، مستعيدة بذلك عصر قوتها يوم أن حولت البحر الأحمر إلى شبه بحر مغلق تحت سيطرتها الكاملة.
وكانت الدولة مرت في مراحل ضعف طوال القرنين ال 17 وال 18 حتى منتصف القرن ال 19 أدى هذا الضعف إلى إهمال الاهتمام بولاياتها الشرقية خصوصاً اليمن الذي انفصل عن حكمها منذ وقت باكر ثم ما لبثت بعد فتح قناة السويس 1869، واستعادة الدولة شيئاً من عافيتها مع بزوغ فجر الإصلاحات والتخلص من قوة الإنكشارية وإعادة بناء قواتها المسلحة على أسس جديدة نتيجة انفتاحها على الغرب وفقدانها الكثير من ممتلكاتها في الجانب الأوروبي ورغبتها في التعويض عنها بتوجيه اهتمامها بولاياتها الشرقية، لكل هذه الأسباب استعادة الدولة سيطرتها على اليمن سيطرة كاملة في عام 1872، بعد أن تخلصت من عقبة كأداء كانت تقف في طريق استعادة سيطرتها على اليمن في محاولات عدة، تلك العقبة متمثلة في إمارة عسير الشابة التي ما إن تخلصت منها الدولة قبل إعادة فتح اليمن بأقل من سنة حتى تمكنت من استعادة سيطرتها على أهم جزء من الساحل العربي على الخليج العربي، تلك هي منطقة الأحساء والقطيف وقطر، وأصبحت الدولة العثمانية بعد أن أنهكت الحرب الأهلية قوة إمارة نجد وتدخل قوى مختلفة وظروف مختلفة على سقوط الدولة السعودية الثانية تطالب بحقها التاريخي والشرعي في بسط سيطرتها على بقية سواحل الخليج العربي التي أصبحت بحكم الأمر الواقع تحت النفوذ البريطاني.
قامت الدولة العثمانية في عهد السلطان عبدالحميد بإصلاحات عدة إنشائية معمارية مهمة في هذه الولايات، ففي ولاية الحجاز مثلاً اهتمت في بداية الأمر ببناء مقار لإدارات الدولة مثل المقر الرسمي للإدارات الحكومية في مكة المكرمة، الذي أطلق عليه بعد إنجازه بشكله الفاخر اسم الحميدية نسبة إلى السلطان عبدالحميد، وظل هذا البناء مقراً للحكومات المتعاقبة على حكم مكة إلى العهد السعودي، إذ أصبح مقر نائب جلالة الملك عبدالعزيز في حكم الحجاز، الأمير فيصل بن عبدالعزيز الملك في ما بعد، وسمي النيابة وكان به مقر أول مجلس للشورى في المملكة العربية السعودية وظل مبنى الحميدية مقر الحكومة إلى حين بداية التوسعة الكبيرة في الحرم المكي، إذ دخل ضمن التوسعة في عام 1956 في عهد الملك سعود بن عبدالعزيز.
إضافة إلى بناء عدد من القلاع والمدارس والمعاهد والمكتبات ومستشفى وبناء كبير لإيواء الغرباء"مسافر خانة"، ومقر مطبعة جريدة الحجاز التي صدرت في العهد الحميدي. أما قلعة جياد التي دار حولها جدل في السنوات الأخيرة، حينما أدخلت ضمن أوقاف الحرمين الشريفين وبناء وقف ضخم على أنقاضها لحسابهما فلم يكن بناؤها يعود للعهد العثماني.
وفي مدينة جدة أقيمت منشآت عمرانية كثيرة، أهمها بناء شبكات واسعة من المواسير لإيصال الماء من مكان بعيد عن جدة لسد حاجة المدينة إلى أهم مورد تفتقر إليه، وسمي المشروع بالحميدية نسبة للسلطان عبدالحميد وأحياناً بالوزيرية نسبة إلى الوزير الوالي عثمان نوري باشا والي الحجاز، كما أقيمت أول محطة لتحلية المياه في جدة وتسمى الكنداسة أقيمت في عهد السلطان عبدالحميد، إضافة إلى بناء عدد من المدارس وتوصيل جدة بكيبل بحري للاتصالات مع البلدان المجاورة. كما أقيمت قلعة أو قشلة عسكرية كبيرة في مدينة جدة.
معالم مطموسة
معظم هذه المعالم وغيرها مما لا يمكن حصره أقيمت في عهد الوالي عثمان نوري باشا الذي تولى ولاية الحجاز في عام 1299ه وتمّ في عهده الكثير من هذه المعالم المعمارية، ويعد نوري باشا من الولاة الذين تركوا لهم في كل ولاية تولى أمرها من الآثار العظيمة التي جعلتهم في مصاف الولاة الكبار، فكان نجاحه في ولاية الحجاز ما جعله مكان ثقة السلطان عبدالحميد، حينما عهد إليه بولاية اليمن في عام 1303 يوم كان اليمن يشهد الكثير من القلاقل وعدم الاستقرار. فشهدت في عهده الكثير من المنشآت... ولسمعته الحسنة أثناء وجوده في ولاية الحجاز وبداية عهده في ولاية اليمن امتدحه أحد الشعراء اليمنيين وقع قصيدته باسم أنصاري اليمن، والذي علق عليه آمالاً كبيرة لإصلاح أحوال اليمن...هناك في اليمن اهتم ببناء القلاع وكذلك الدور الصحية ومقار لإيواء الغرباء"مسافر خانة"، ومستشفى لما سمي بالأمراض الأجنبية. وأهم من ذلك أقام أول مدرسة للصنائع هي واحدة من عدد قليل من هذه المدارس التي أنشئت في الولايات الشرقية وبعض المقار الحكومية في صنعاء التي تعود للعهد الحميدي. مع تلك المعالم التذكارية التي أقيمت على بعض مداخل مدينة صنعاء والتي تظهرها بعض الصور في طور الإنشاء ولا أعرف مدى بقائها أو متى أزيلت، إذا كانت قد تعرضت للإزالة مثلها مثل كثير من الآثار العثمانية، إذ لم ألحظ لها صوراً ولم أقرأ لها ذكراً في كتاب ضخم أعده عدد من كبار المؤرخين والمعماريين الأوروبيين نشر في كمبريدج بإشراف أستاذي الراحل البروفسور ر.ب. سار جنت عن العمارة في مدينة صنعاء على مدى تاريخها كان أضعف فصل في هذا الكتاب ما يتعلق بأثر العمارة العثمانية في هذه المدينة التاريخية، ربما يعود هذا إلى عدم مشاركة متخصص في تاريخ الفترة العثمانية ضمن المشاركين في إعداد هذا العمل الكبير. في العهد الحميدي أقيم مشروع ميناء كبير في مدنية الحديدة على ساحل البحر الأحمر، إذ تعاقدت الدولة العثمانية مع شركة إيطالية لإقامته بحسب مواصفات متقدمة أرادت الدولة بذلك أن تجلب التجارة مرة أخرى إلى الموانئ اليمنية، ومنها الحديدة والمخا، إذ فقد هذان المينآن أهميتهما أمام تنامي ميناء عدن تحت الحكم البريطاني الذي تحولت إليه كل تجارة اليمن وأصبح من أهم المحطات البحرية التجارية على خط الملاحة الدولي شرقاً وغرباً.
كما تمّ اقتراح ربط موانئ ساحل البحر الأحمر بخط بحري يبدأ من أول نقطة في شمال الحجاز وينتهي في آخر نقطة في الحدود البحرية اليمنية، وقدم بذلك مشروع ووضعت آليات تنفيذه. كما كان هناك مشروع وضعت كامل دراسته وذلك بمد خط الحديد الحجازي الذي توقف في المدينة المنورة كما سيأتي الحديث عنه ليمتد إلى الحديدة في اليمن ثم يمتد مخترقاً جبال اليمن العالية إلى صنعاء ومنها إلى صعدة فنجران ثم أبها في منطقة عسير ثم إلى الحجاز، و شاهدت بعيني أكوام الحديد في الطرف الشمالي لمدينة الحديدة، إذ كان يعد للشروع في بناء خط الحديد المزمع إقامته ليربط الحديدة بصنعاء وفكرة هذه المشاريع والتقارير التي أعدت حولها من رجالات الدولة في العهد الحميدي ستظهر في المجلدات الخاصة في وثائق تاريخ الحجاز وعسير واليمن والبحر الأحمر التي أوشكت على الانتهاء منها وإعدادها للنشر بحول الله وهناك الكثير من المنشآت العمرانية التي أقيمت في كل من أبها عاصمة عسير خلال هذه الفترة أبرزها بناء جسر محكم البنيان يربط شمال المدينة بجنوبها على وادي أبها الكبير، الذي يفصل المدينة إلى قسمين وما زال أحد أبرز معالم المدنية إلى اليوم.
وهناك آثار لبقايا قلاع وأبراج اتصالات تلغرافية في ميناء العقير إلى الشرق من مدينة الأحساء على الخليج العربي ومباني مستودعات تعود إلى العهد الحميدي. وكان الأبرز من الآثار العمرانية التي تعود إلى العهد الحميدي في الأحساء حاضرة شرق الجزيرة العربية ومقر متصرفية نجد سوق الحميدية نسبة إلى السلطان عبدالحميد وكان من أكبر الأسواق في وسط وشرق جزيرة العرب، بكل أسف هذه السوق تعرضت لحريق مدمر قبل سنوات عدة وبهذا فقدت الأحساء أحد أهم معالمها التاريخية ومراكزها التجارية.
خط الحديد الحجازي
إذا كان للسلطان عبدالحميد العديد من المنجزات يفرض الواجب والموضوعية علينا ذكرها، فإن خط الحديد الحجازي يعد واحداً من أبرز منجزاته التي سيسجلها له التاريخ بأحرف من نور، حتى وإن عُطِّلَ هذا الخط ودُمِّرت كثير من أجزائه بعد خمس سنوات فقط من إنشائه، ولا يزال معطلاً على مدى أكثر من تسعة عقود، إن هذا يثبت أن السلطان عبدالحميد كان أكثر تنويراً ووعياً بمصلحة أمته ووطنه ممن يتولى أمر البلدان التي يمر الخط من خلال أراضيها في هذا الزمان. كانت فترة حكم السلطان عبدالحميد والفترة البسيطة التي سبقته فترة التفكير في إقامة البنى التحتية التي كانت تفتقر إليها الدولة العثمانية بشكل لافت، ما جعل الدولة بحكم أهميتها واتساع مساحتها وضخامة إمكاناتها التي لم تستغل تجعلها من أكثر الدول تخلفاً وكل العالم من حولها يتقدم، والطغمة القابضة على أزمة الأمور في دولة الخلافة تنظر إلى أن أسباب التقدم تهديد لأمنها وسلامتها وتعريض ثوابتها الدينية للخطر، ومشكلة هؤلاء أنهم انقطعوا عن فهم دينهم الصحيح الذي يدعو إلى أن العلم قوة وأغمضوا أعينهم وصموا أذانهم عمّا يحدث حولهم في العالم من تطور، واكتفوا بذم الأمم المتقدمة في مجال العلوم والدعاء عليهم من منابر ومآذن المساجد، واعتقدوا أنهم بهذا الدعاء ينتصرون على الخصوم الذين بالعلم ومعطياته قطعوا أوصال الدولة واحتلوا الكثير من أقطارها قطراً تلو قطر. وكلما قام فيهم مصلح اغتالوه أو سحلوه أو نفوه من الأرض، ولكن مهما تعرض المصلحون المحبون لوطنهم من أنواع الأذى فإن رؤاهم وأصواتهم تظل هي النبراس الذي ينير للأمة طريقها، وربما يدرك أعداء الإصلاح خطورة مايناصحون به دعاة الإصلاح من عداء ولكن ربما يأتي هذا الإدراك متأخراً.
وهذا بالفعل ما حدث للدولة العثمانية، إذ وجدت نفسها فجأة تفتقر إلى كل شيء يساعدها على النهوض فلا بنية تحتية، ولا مصادر مالية دائمة وثابتة، ولا رجال يملكون الكفاءة والمعرفة، إذاً والحال هذه لم يكن لهم بدّ من الاعتماد على غيرهم في إعادة بناء دولتهم، ولكن الاستعانة بالآخر والأمة في حال ضعف له مخاطره. فتحت الدولة الأبواب للخبراء الأجانب، ومنحت الامتيازات للشركات الأجنبية، وفتحت الأبواب لأبنائها للذهاب للتعلم في بلدان الدول المتقدمة، وسيكون لكل هذا ضريبته، كان نتيجته أن الدولة أخذت بهذه الأسباب متأخرة في زمن لا مكان للمتأخر إلا الزوال.
أدرك السلطان عبدالحميد الذي استعانت حكومته بالخبرة الأجنبية والمال الأجنبي في بناء الطرق الحديدية وغيرها من البنى التحتية أن مشروع خط الحديد الحجازي مشروع مختلف عن المشاريع التي أقامتها الدولة في مناطق مختلفة من ولاياتها، وأنه إلى العمل الخيري أقرب منه إلى أي شيء آخر، ويجب أن ينفذ بالكلية بمال عثماني إسلامي، وأن يعتمد في بنائه على العنصر البشري العثماني بقدر الإمكان. ولذلك جعل إنجاز هذا المشروع مركز اهتمامه ومتابعته الشخصية وشكل هيئة عليا من خيار رجال الدولة العسكريين والمدنيين من مهندسين ومحاسبين ومساحين وحتى صناعة الحديد اللازم لبناء هذا الخط كلف المدير العام للصناعات الحربية بأن يصنع ويصهر كل أنواع الحديد في المصانع العثمانية في استانبول، لم يفكر السلطان في المردود المالي لإقامة هذا الخط أو ما يسمى بالجدوى الاقتصادية من إنشائه، وهذا ما كانت الشركات الأجنبية التي وقعت معها الدولة عقوداً لإنشاء مشاريع مشابهة تفكر فيه.
مشكلة المال
لم تكن خزينة السلطان عامرة بالمال بل الحاجة إلى المال هو مشكلة الدولة الدائمة، لأنها لم تطور مواردها ولم تستغل إمكانات أملاكها الواسعة لجلب المال. وقطع السلطان وعداً على نفسه بأنه لن يقترض قرشاً في سبيل تنفيذ هذا المشروع، وإنما سيعتمد على إمكانات شعبه وهبة مواطنيه للتبرع في إقامة هذا العمل الخَيِّر. وكان هو أول المتبرعين بمبلغ أولي قدره 320 ألف ليرة ذهب وأصدر إرادة سلطانية بخصم 10 $ من رواتب كل منسوبي الدولة. وتداعي المسلمون من كل قطر وبلد يتبرعون لهذا المشروع العظيم فتبرع شاه إيران ب 50 ألف ليرة ذهب، وتوالت التبرعات من كل مكان وقدرت تكاليف بناء الخط بثمانية ملايين ونصف مليون ذهب ليرة عثمانية. بدأ التنفيذ العملي للمشروع في تاريخ الأول من أيلول سبتمبر 1900، وصادف هذا التاريخ مرور 24 سنة على تولي السلطان عبدالحميد مقاليد السلطة. كانت القوة العاملة المشكلة للعمل في هذا المشروع 7000 عامل غير المهندسين الذين كانوا في طليعة الدفعات الأولى من خريجي كليات الهندسة التي أمر بفتحها السلطان نفسه وأوائل العائدين من خريجي كليات الهندسة في الخارج، من العثمانيين الذين أمر هو نفسه بابتعاثهم، وكان معظم العمال غير المهرة من منسوبي قوة عسكرية شكلها لحساب العمل في هذا المشروع وعين للإشراف على المشروع من الناحية الإدارية والمالية شخصية عسكرية عثمانية مرموقة من أبناء العراق، هو الفيلد مارشال كاظم باشا يساعده في الإشراف على المشروع من الناحية الفنية المهندس هنريك أوجست مسينير من ألمانيا. وأشرف عليه كاظم باشا الذي عمل بكل إخلاص على هذا المشروع منذ مراحله الأولى، إلى حين وصول أول رحلة إلى المدينة المنورة يوم 2 من آب أغسطس عام 1908، إذ أقيم في ذلك اليوم احتفال مهيب يعد من أيام المدينة المنورة الخالدة، وقد استمر العمل في بناء الخط ثماني سنوات بالتمام والكمال، وكان يقام احتفال سنوي في كل أول يوم من سبتمبر يتزامن مع إنجاز كل محطة أو أكثر تنجز من المشروع.
كانت محطة تبوك من المحطات المميزة إذ تعتبر بداية دخول منطقة الحجاز، فوضع فيها محجراً صحياً كرنتينة لمعرفة سلامة الحجاج صحياً. لم يتعثر العمل في المشروع يوماً واحداً على رغم الكثير من التحديات، منها عدم قدرة المصانع العثمانية على تلبية طلبات وحاجات المشروع والاستعانة أمام هذه التحديات بمنتوجات أجنبية ولضمان سلامة المشروع واستمراره أوقف السلطان العديد من الأراضي والأملاك في جميع أنحاء البلاد العثمانية لمصلحة المشروع.
تزامن وصول أول رحلة للقطار مع السنة التي تولى فيها الشريف الحسين بن علي مقاليد شرافة مكة، وكان هذا الشريف متوجساً خيفة من هذا القطار الذي اعتقد أنه يحرمه من موارد كان يجمعها على مؤجري الجمال من القبائل البدوية في الحجاز على الحجاج بين مكة والمدينة، وأدخل في أذهان أولئك الأعراب حسيني النية أن وجود القطار يتعارض مع مصالحهم. فتعطل مدّ الخط الذي كان مخططاً له الوصول إلى مكة، بل كان في أذهان الرجال المخلصين أن يمتد إلى اليمن عبر سواحل عسير وتهامة اليمن وصولاً إلى صنعاء ومنها إلى صعدة ونجران شرقاً ثم إلى أبها غرباً، وتعطل تنفيذ إكمال أهم مشروع حيوي يمكن أن تشهده الجزيرة العربية في تاريخها.
لم تكن النوايا السيئة لتحول من دون تحقيق حلم إكمال مشروع خط الحديد الحجازي الذي يحيط بمعظم أنحاء الجزيرة العربية فحسب، بل قامت بتعطيل وتدمير ما أنجز خلال ثماني سنوات من البناء في ضربات سريعة بالقنابل والألغام لنسف مشروع العصر الذي وفر مسافة انتقال حجاج بلاد الشام وتركيا ومصر ووسط آسيا من 45 يوماً على ظهور الجمال محاطة بكل المخاطر إلى خمسة أيام على وسيلة نقل مريحة وسريعة وآمنة وحضارية.
* عضو مجلس الشورى.
... شبكة "مواصلات" بدأت ب "خيل" وانتهت ب "قطار"
أولت الدولة العثمانية ولاية الشام اهتماماً كبيراً، فكانت أول منطقة عربية تنضوي تحت الحكم العثماني ومنها كانت انطلاقتها للاستيلاء على مصر في عهد السلطان سليم الأول 1517.
ولم تخرج أو تستقل ولاية الشام من النفوذ العثماني إلا خلال فترة بسيطة هي فترة الحكم المصري لبلاد الشام في عهد محمد علي باشا الذي أُجبر على الانسحاب منها لصالح الدولة العثمانية عام 1840. منذ هذا التاريخ أحكمت الدولة العثمانية قبضتها على بلاد الشام فحكمتها حكماً مباشراً مرتبطاً بشدة بالحكومة المركزية في إستانبول ومقر الجيش السابع العثماني، وكانت ولاية الشام، ولاية سورية قد تفرع منها ولاية بيروت، ولاية حلب، ومتصرفية جبل لبنان ومتصرفية القدس وسناجق والألوية وأقضية ونواحي مختلفة، ومن دون شك أن النهضة التي شهدتها ولايات بلاد الشام المذكورة التي كانت تمثل انطلاقتها النهضوية العمرانية والتعليمية والصحية والإدارية والقضائية وفي ميدان المواصلات ما بعد سقوط أو غروب شمس الدولة العثمانية من هذه المناطق يعود الفضل فيه إلى ما حققته من إنجازات في كل الميادين في أواخر العهد العثماني خصوصاً الفترة الحميدية. ففي عهد السلطان عبدالحميد عمّت بلاد الشام شبكة من المواصلات المتقدمة بدأت بالطريق الواصل بين دمشق وبيروت الذي كانت تستخدم فيه الخيل في جر عرباته إلى حين حل محله القطار الذي بدأ تدشينه قبيل نهاية القرن ال 19 ومطلع القرن ال 20 ثم إدخال وسيلة نقل"الترومايات"لتعم معظم مدن الشام ولبنان، بيروت وطرابلس. قامت الدولة العثمانية ببناء ميناء بيروت حتى أصبح من أهم موانئ بلاد الشام على البحر الأبيض المتوسط. وكذلك قامت ببناء الميادين وزينتها بالمظاهر الحضارية من ساعات ضخمة وخزانات مائية بأبنية جميلة ونصب تذكارية. كما أولت الدولة إقامة مقار مميزة للسرايات الحكومية في كل من بيروت ودمشق وجبل لبنان.
ولعل من أبرز المظاهر العمرانية في قلب العاصمة دمشق سوق الحميدية المنسوبة إلى السلطان عبدالحميد التي تعد من أهم المعالم الحضارية لهذه المدينة الخالدة، طبعاً إلى جانب المعلم الدمشقي الإسلامي الخالد المسجد الأموي الذي أُعْتُني بصيانته من الحكومات العثمانية المتتابعة على مدى حكم آل عثمان لهذه المنطقة. واهتمام الدولة العثمانية بمتصرفية القدس وصيانة مساجدها كالمسجد الأقصى ومسجد الصخرة وغير ذلك من المآثر الإسلامية في هذه المدينة المقدسة بل كانت تسهم في صيانة المقدسات التابعة لأصحاب الديانات الأخرى.
بغداد... مكانة "مرموقة" وهوية عربية واضحة
ولاية بغداد التي احتلت مكانة مرموقة في تاريخ الدولة العثمانية وضحّت الدولة العثمانية منذ بداية تكوينها بمئات الآلاف من أبنائها في الدفاع عن العراق وولاياته الثلاث ولاية بغداد وهي القلب والموصل في الشمال والبصرة في الجنوب، وكان من فضل الدولة العثمانية أن حافظت على وحدة العراق وهويته العربية لأن الحكم العثماني لم يكن حكماً متعصباً يعمل على طمس هوية الأقطار التي خضعت لحكمه لا في هويته القومية ولا في انتماء أهله المذهبي، على رغم أن مذهب الدولة الرسمي هو الحنفي، ولكنها لم ترغم أحداً على التخلي عن مذهبه واتباع مذهب الدولة الرسمي، فالشافعي والزيدي في اليمن ظل كل منهما على مذهبه، بل كان للوجود العثماني دور في منع الحساسيات المذهبية وما كان يدور من خلافات بين أتباع المذهبين قبل الوجود العثماني وما عاد إليه إلى حد ما بعد زوال الوجود العثماني بنهاية الحرب العالمية الأولى.
اهتمت الدولة العثمانية بولايات العراق الثلاث ولكن اهتمامها كان أكثر وضوحاً ببغداد، ففي العهد الحميدي بنت الدولة كثيراً من المشاريع ذات الطبيعة الإنتاجية كالمشاريع الزراعية وإقامة السدود والجسور ولعل أبرز هذه المشاريع مشروع الهنداوية.
كما اهتمت الدولة بإعداد الكوادر البشرية من خلال تبني سياسة تعليمية شاملة في المجالات المختلفة، فقد أنشأت مدرسة أو كلية عسكرية تضاهي الكلية الحربية في إستانبول تخرجت منها كوادر عسكرية بارزة في صفوف الجيش العثماني وأصبح بعضهم من كبار قادة الثورة العربية، كما أنشئ في بغداد كلية للحقوق وعدد من المدارس الابتدائية والمتوسطة رشدية والثانوية. وتشمل الجنسين الذكور والإناث، كما شجعت الدولة التعليم في مدينة النجف. كما اهتمت الدولة بشق الترع وبناء الأسواق والشوارع المنظمة ومن أبرز شوارعها المعروفة شارع الرشيد.
أما البصرة تظهر مبانيها على ضفاف جداول نهر العشار وقوارب الأنهار تنقل المواطنين من جهة إلى أخرى لا سيما والبصرة المدينة التجارية العريقة هي ميناء العراق الوحيد على رأس الخليج وشط العرب.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.