جمعية الإعلام السياحي راعياً إعلامياً في «معرض تعاوني للتدريب»    الإدارة الأصلية والدراسة العصرية    ايفان توني نجم الثنائيات في الأهلي    7 أجانب ضمن قائمة الهلال لمواجهة السد    مُحافظ الطائف يطَّلع على مشروع التحول في حوكمة إدارة مكاتب التعليم    الوداد لرعاية الأيتام توقع مذكرة تعاون مع الهيئة العامة للإحصاء    بنان يوسع مشاركات الحرفيين المحليين والدوليين    "جائزة القلم الذهبي" تحقق رقمًا قياسيًا بمشاركات من 49 دولة    ضيوف خادم الحرمين الشريفين للعمرة والزيارة يعبرون عن امتنانهم لمملكة.    ملتقى الأوقاف يؤكد أهمية الميثاق العائلي لنجاح الأوقاف العائلية    الحُب المُعلن والتباهي على مواقع التواصل    الباحة تسجّل أعلى كمية أمطار ب 82.2 ملم    أمير تبوك يستقبل وزير النقل والخدمات اللوجيستية    بعد تصريحاته المثيرة للجدل.. هل يغازل محمد صلاح الدوري السعودي؟    أمير الرياض ونائبه يؤديان صلاة الميت على الأمير ناصر بن سعود بن ناصر وسارة آل الشيخ    أمير منطقة تبوك يستقبل القنصل الكوري    تعليم جازان يحتفي باليوم العالمي للطفل تحت شعار "مستقبل تعليمي أفضل لكل طفل"    توصية بعقد مؤتمر التوائم الملتصقة سنويًا بمبادرة سعودية    قطاع ومستشفى بلّحمر يُقيم فعالية "الأسبوع الخليجي للسكري"    كايسيد وتحالف الحضارات للأمم المتحدة يُمددان مذكرة التفاهم لأربعة أعوام    «حساب المواطن»: بدء تطبيق معايير القدرة المالية على المتقدمين والمؤهلين وتفعيل الزيارات الميدانية للأفراد المستقلين    أمير حائل يستقبل سفير الولايات المتحدة الأمريكية لدى المملكة    وكيل إمارة المنطقة الشرقية يستقبل القنصل العام المصري    مدير فرع وزارة الصحة بجازان يفتتح المخيم الصحي الشتوي التوعوي    311 طالبًا وطالبة من تعليم جازان يؤدون اختبار مسابقة موهوب 2    حسين الصادق يستقبل من منصبه في المنتخب السعودي    السند يكرِّم المشاركين في مشروع التحول إلى الاستحقاق المحاسبي    ترسية المشروع الاستثماري لتطوير كورنيش الحمراء بالدمام (الشاطئ الغربي)    "نايف الراجحي الاستثمارية" تستحوذ على حصة استراتيجية في شركة "موضوع" وتعزز استثمارها في مجال التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي    السجن والغرامة ل 6 مواطنين ارتكبوا جريمة احتيالٍ مالي واستعمال أوراق نقدية مقلدة والترويج لها    وزير الاستثمار: 1,238 مستثمرًا دوليًا يحصلون على الإقامة المميزة في المملكة    الجامعة العربية بيت العرب ورمز وحدتهم وحريصون على التنسيق الدائم معها    تعطل حركة السفر في بريطانيا مع استمرار تداعيات العاصفة بيرت    NHC تطلق 10 مشاريع عمرانية في وجهة الفرسان شمال شرق الرياض    الدفاع المدني يحذر من الاقتراب من تجمعات السيول وعبور الأودية    بركان دوكونو في إندونيسيا يقذف عمود رماد يصل إلى 3000 متر    16.8 % ارتفاع صادرات السعودية غير النفطية في الربع الثالث    «الإحصاء» قرعت جرس الإنذار: 40 % ارتفاع معدلات السمنة.. و«طبيب أسرة» يحذر    في الجولة 11 من دوري يلو.. ديربي ساخن في حائل.. والنجمة يواجه الحزم    بعد توقف قطار انتصارات الهلال.. الأهلي.. السابع بلا خسارة في تاريخ دوريات العالم    «واتساب» يغير طريقة إظهار شريط التفاعلات    الإنجاز الأهم وزهو التكريم    مايك تايسون، وشجاعة السعي وراء ما تؤمن بأنه صحيح    ال«ثريد» من جديد    منصة ثقافية وفنية تقدم تجربة مميزة للفنانين.. برنامج جدة التاريخية يحتضن مهرجان البحر الأحمر السينمائي    السودان.. في زمن النسيان    لبنان.. بين فيليب حبيب وهوكشتاين !    مصر: انهيار صخري ينهي حياة 5 بمحافظة الوادي الجديد    «كل البيعة خربانة»    الأهل والأقارب أولاً    اقتراحات لمرور جدة حول حالات الازدحام الخانقة    أمر ملكي بتعيين 125 عضواً بمرتبة مُلازم بالنيابة العامة    مشاكل اللاعب السعودي!!    انطلق بلا قيود    مسؤولة سويدية تخاف من الموز    أمير الرياض يكلف الغملاس محافظا للمزاحمية    اكثر من مائة رياضيا يتنافسون في بطولة بادل بجازان    قرار التعليم رسم البسمة على محيا المعلمين والمعلمات    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



لعبة الأسماء والمعاني
نشر في الحياة يوم 18 - 11 - 2008

على رغم جواز العشوائية في اتفاق الأسماء ومسمياتها، لغوياً، وإمكان خرق تلك العلاقات بعمليات لا نهائية من أساليب الخلق الأدبي، إلا أن نظريات ما بعد الحداثة في طريقها لخلخلة الكثير الثوابت التي تحيل على علاقات لغوية مطردة بين الأسماء ومسمياتها في الواقع، كانت باستمرار تنحو إلى تحويل تلك الخلخلة إلى صيرورة من الفوضى الخلاقة وهدم الأدلة المنطقية والبرهانية كدليل عدم التناقض في الفلسفة الأرسطية"التي قدمت علامات منطقية حاولت أن تمسك ماهية الأشياء بمعان منضبطةعبر تحويلها إلى افتراضات مؤسسة لمعناها من خارج تلك الفوضى.
وهكذا حين ارتدت أفكار ما بعد الحداثة لدى فلاسفة الاختلاف، لتحاكم التنوير والمبادئ الكونية للحداثة، رأت في عشوائية علاقات الدال والمدلول في اللغة، ما يمكن أن يطرد في علاقات العالم الخارجي، والوجود الإنساني، والأشياء. ومن ثم كانت الصيرورة المتعددة لتلك العلاقات لا تحمل معناها إلا في كونها كذلك، من دون أي ثوابت حاكمة لها"حتى بدا الأمر، كما لو كانت الأسماء تملك معاني مستقلة بعيدة عن مسمياتها. بيد أن جانب التقويض في هذه العلاقات لا يمكن أن ينشئ علاقات أخرى كاملة الجدة، إلا في خيال فني يخضع للمجاز وعلاقاته اللانهائية في الخلق الأدبي. أما في جوانب الفكر والفلسفة واللغة المتصلة بالتاريخ والواقع، فإن تلك العلاقات الجديدة والمنتجة لدلالتها في فهم العالم، ورؤيته كمجاز معقد من الوقائع والعلاقات لا يمكن أن تكون مستقلة استقلالاً تاماً عن جدلية الأسماء والمعاني. بمعنى آخر أن قدرة الإنسان على عدم الفصل بين الاسم والمعنى المطرد، إلا في العقل المجرد، ستظل باستمرار هي الحاكمة لرؤيته، فتلك القدرة الإنسانية التي توقع الأسماء على مسمايتها هي الناظم لكل العمليات التي تتفرع عنها وتتمرد عليها أيضاً. وعلى رغم قابلية الإنسان لإيقاع الأسماء على معانيها والطريقة الغامضة لعمليات الكلام المفهوم لدى البشر"إضافة إلى ما تختزنه تلك القابلية من تراكم عميق ناتج من تاريخ وجود الإنسان على هذه الأرض، إلا أن السؤال عن اللغة بوصفها أصواتاً مفهومة، وخاصية للإنسان، كان يلح على الكثيرين حول طبيعتها الجوهرية، وما إذا كانت وضعاً أم طبعاً.
كما تساءل اللغوي الشهير أبو الفتح عثمان بن جني صاحب الخصائص
ومع بدايات القرن العشرين، بدا الكثير مما يندرج في الطبع اللغوي قابلاً لإمكان الوضع في القراءات اللغوية الجديدة لدى فيرناند دي سوسير ونعوم تشومسكي. حتى يمكننا القول أن ما تحير فيه ابن جني، كان يحدس به كموقع ملتبس لإشكالية اللغة مع الإنسان، بين كونها وضعاً وطبعاً في وقت واحد. وعلى رغم تداعي ذلك الالتباس عند ابن جني من مفهوم الآية الكريمة وعلم آدم الأسماء كلها ثم عرضهم على الملائكة والآية الثانية خلق الإنسان، علمه البيان في حصول عملية تعليمية من الله للإنسان الأول، وهذا ما يقتضي معلماً ومتعلماً ومعلوماً، إلا أن إدراك الإنسان وقابليته التلقائية لإجراء عمليات اللغة هي التي رشحت التردد في التساؤل.
وإذا كانت القراءات اللغوية الجديدة تفيد قدرتها على ملاحظة الوضع اللغوي المتخفي في الطبع عبر استقراء وفحص العادات اللغوية للإنسان والخبرات والتقاليد، فإن ما يقوّي احتمال الوضع الأول ينطوي أيضاً على ثبات جوهري كحد أدنى يمسك العلاقات التصورية بين العالم وأسمائه. وفي هذه المسألة تحديداً سنجد أن كل محاولة لتقويض تلك الحدود الدنيا بين مسميات العالم وأسمائه وترحيلها عبر انزياحات لا متناهية من العلاقات الجديدة والقائمة على إزاحة الأسماء عن مسمياتها إلى أسماء جديدة، وضخ عدداً من المعاني المتقابلة والمتناقضة أحياناً لذات الأسماء"سنجد أن ذلك حين ينتقل إلى حقول الحياة المادية والفكر والتاريخ"فإن الذي سيترتب على تلك الفوضى ليس تغيير لعبة الأسماء والمعاني فحسب، بل أيضاً تغيير قواعد اللعبة. وحين تتغير قواعد اللعبة، يتغير العالم وتتغير قوانينه بطريقة عبثية وشديدة الخطورة. ذلك أن تنسيب علامات الأشياء الجوهرية وفق أسماء جديدة وألعاب لغوية جديدة في الواقع، وإعادة الفرز التجريدي للعقل في وقائع الحياة وعلاقاتها الموضوعية، لن يكون فقط قطيعة مع الأصول العقلانية للحداثة والتنوير، وإنما أيضاً مغامرة مفتوحة على نهايات وحدود لا يمكن معرفة وإدراك ما تنطوي عليه من مجهول حتى عند أصحابها.
ولهذا فإن الزعم الذي ينزع إلى تحييد الأفكار الكبرى المطردة في آثارها كأسباب تاريخية أفضت إلى الحداثة، كفكرة الحرية، والحوار، ونسبية المعرفة... إلخ، ويراهن على لا تاريخيتها في بعض البيئات والمناطق التي قد تشكل اختلافاً حضارياً، كما راهن ميشيل فوكو على منطق الروحانية السياسية للثورة الإسلامية الإيرانية، وتوهم فيها أفقاً جديداً لسياق إسلامي مستقل في صيرورته، بعيداً عن جدوى الأفكار العقلانية، سنجد - بعد ذلك بسنوات - أن المد المتعدد الأطياف في بداية الثورة، قد تحول إلى أوتوقراطية الملالي، بعد أن سد التفكير النسقي لنظرية ولاية الفقيه كل الآفاق المتوهمة إزاء التحولات التي وعدت بها تلك الثورة.
والحال أن التسوية في نتائج ملاحظات بعض مفكري ما بعد الحداثة، عند قراءة وقائع مختلفة في بيئات شديدة التباين، بجدوى القدرة على تجاوز العقلانية الموضوعية، لا يمكن أن تعبر إلا عن نشاط تجريدي للعقل، بعيداً عن منطق العلاقات الموضوعية للظواهر المراد قراءتها وبعيداً عن القوانين التي تحكمها.
* كاتب سودني


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.