"تكون شاباً مرة واحدة"... يقولون إن المجتمع لا يستطيع أن يتحمل أكثر من ذلك. يدخل الإنسان مرحلة الشباب مسرعاً، ودون مقدمات يتطوع أحدهم ليخبره أن خدماته في هذه المرحلة تم إنهاؤها، وأنه لم يعد مرغوباً فيه. ليس هناك معالم واضحة أو لوحات إرشادية تمهد للصدمة أو على الأقل تخفف من وطأتها. كل ما في الأمر أنه في يوم من الأيام يأتيه الخبر كصفعة قوية ولا يتبقى له سوى الندامة والحسرة على الفرص الضائعة. مهما اختلفت الطرق والأشكال التي يتلقى بها الإنسان هذه الصفعة الموعودة فإن طعمها يبقى واحداً. في الغرب مثلاً يقترب الرجل الاربعيني من الفتاة التي ابتسمت له وأيقظت به روح المغامرة التي كاد ينساها، ومشاعر الأهمية التي هجرته، وأنه مازال مرغوباً به ليفاجأ بها تصفعه بقسوة عندما تخبره بأنها اعتقدت أنه أحد أصدقاء والدها. في مجتمعنا هذه الأمور تتم بطريقة مختلفة تتسم بكمية لا بأس بها من الجلافة، أحد الأصدقاء أخبرني أنه بينما كان يسير في أحد الأسواق التجارية اصطدم بباب زجاجي كاد يكسر أنفه، فغضب من صاحب المحل الذي فتح الباب إلى الخارج بطريقة تعترض المارة أمام المحل وكأنه فخ، وطلب منه أن يفتح باب المحل إلى الداخل، أو أن يضع ملصقات على الباب لتنبيه المارة. يقول دخلت في شجار طويل مع صاحب المحل، وعلت أصواتنا وتدخل شابان لمساعدتي فشعرت بالامتنان الكبير لشهامتهما ونخوتهما، حيث طالبا صاحب المحل أن يلتزم الادب وأن يعترف بالخطأ. ثم التفت أحدهما إلي وقال مخاطباً صاحب المحل بصوت عالٍ، سمعه كل من في السوق"ما تستحي ترفع صوتك على هذا الشايب". يقول في تلك اللحظة اجتاحني شعور بالغرق وتمنيت لو أن الشابين كانا في مكان آخر. فما جلبتهما شهامتهما ونخوتهما أصابني في مقتل. كان أفضل لي لو أن صاحب المحل أوسعني ضرباً من هذه الفزعة ومما تفوه به هذا المعتوه. يقول حمدت الله أن زوجتي ما كانت معي و"تمسك علي هالقصة"لأنها بدأت في الآونة الأخيرة بالاهتمام بهذه المواضيع ضمن مساعيها التي لم تتوقف للقضاء على ما تبقى مني، يقول في كل مرة"أشخص وأتضبط"قبل أن أخرج. كنت ألاحظ انها متوترة ويبدو عليها الخوف، وهذا كان يمنحني شعوراً بالثقة بالنفس وبالأهمية أنا بأمس الحاجة له. إطلاعها على هذه الفزعة غير الموفقة وما تفوه به هذا الشاب الأحمق هو آخر شيء أحتاجه في هذه المرحلة. علاقة الرجل بالعمر علاقة معقدة، فهو عادة لا يعترف بعمره الحقيقي إلا إذا كان أصغر من أن يخسر شيئاً، أو أكبر من أن يكسب شيئاً. وهذا يعني ببساطة انه من النادر أن يعترف بعمره الحقيقي. وأكثر من ذلك فالعمر لا يقاس بالسنين ولكن بالحيوية والصحة، لأن هناك من يولد كبيراً، وهناك من يبقى على الدوام شاباً. كما أن البعض وعن جهل لا يدركون أن الشيب ليس مؤشراً جيداً على عمر القلب الحقيقي. كما أن الكثيرين لا ينتبهون إلى أن التجاعيد في الوجه هي مجرد علامات تشير إلى أين كانت الابتسامات. فالبعض لا يفقدون جمالهم مهما تقدمت بهم السنون، هم فقط ينقلونه من وجوههم الى قلوبهم. لذلك هم بحاجة ماسة لمن يمنحهم الفرصة ليؤكدوا له أن جمالهم لم يرحل وإنما فقط تم نقله الى المكان الذي يستحقه. وعلى رأي أفلاطون الذي قال"إن الرؤية الروحية تزداد مع تردي الرؤية البصرية"، هناك أمور كثيرة تتحسن مع مرور الوقت ولكن لا يتنبه لها عديمو الخبرة. شباب الرجل الحقيقي يبدأ وينتهي بعلاقته بالمرأة. فالرجل كما يقولون يبقى شاباً مادام باستطاعة المرأة أن تسعده أو تشقيه. دع عنك حسابات السنين فهي لا تخبر الا عن حركة الأفلاك والنجوم، ولا تنشغل كثيراً بتضاريس التجاعيد وألوان الشعر، فقط فتش عن المرأة، فهي حتى عندما تجتهد في إشقائك هي فقط تؤكد لك أنك مازلت شاباً. [email protected]