"عند النقا ويلاه ضيعت أنا روحي، ياهل النقا بالله ردوا علي روحي"، واحدة من الأغنيات التي صدح بها صوت الأرض طلال مداح، قبل نحو 40 عاماً، و"النقا"الذي يستجدي أهله الفنان الراحل في الأغنية، هي حارة من حارات مكةالمكرمة القديمة. وجدت أسماء الأماكن والحارات في مكةالمكرمة طريقها إلى أفواه الفنانين عبر أغنيات شعبية رسخت في الذاكرة. تماما كما ارتبطت أسماء المواقع المكية، بعيون الشعر العربي قبل ذلك بقرون عديدة. الحارة المكية حضرت بقوة في الأغنية الحجازية التي أوصلها إلى مسامع العامة، فنانو الحجاز، فإلى جانب حارة"النقا"التي تغنى بها طلال مداح، هناك حارتا الحجون وغيلمة العتيقتان، اللتان سقطتا في أغاني الموروث الشعبي من خلال الأغنية الشهيرة،"الاسم سلمى والمنازل مكة، والدار مابين الحجون وغيلمة". وإلى جانب دخول أسمائها في عمق الأغنية، حاكت حارات مكة القديمة بشعبيتها وبساطتها خيوط الإبداع الأولى في موروث الفن الحجازي الأصيل، فأنجبت الرعيل الأول من جيل العمالقة، ممن أسهموا في نشأة الأغنية السعودية الحديثة، فمن حارة"الشبيكة"خرج الفنان السعودي الأول طلال مداح، مما يؤكد العمق الثقافي والإرث الفني الذي تحمله هذه المدينة. وضمت حارات مكة، شاعر الأغنية وصاحب كلمات النشيد الوطني، إبراهيم خفاجي، وهو أحد أبناء حارة"سوق الليل"، وإن يممنا شطر أحد أشهر الأحياء المكية"المسفلة"فيقف أحد أساطين الفن الموسيقار عمر كدرس شاهداً على تاريخ فني حافل هناك، وكذا الحال بجبل عمر الشهير الذي أنجب أستاذ الموال والمجس الأول الفنان محمد أمان. هذا خلافاً عن مشاهير العازفين للآلات الموسيقية، مثل أشهر عازفي آلة الكمان الأخوين غازي وحسين الأهدل، وعازف آلة القانون الأول مدني عبادي. وخلافاً لذلك، ترتبط مكة ارتباطاً وثيقاً بعديد الفنون التي تمتزج بروح الأصالة والقدم، وبحسب حديث أحد عمالقة الفن الحجازي وممن عاصر الطفرة الفنية والثقافية في مكة الفنان جميل محمود. يؤكد أن مكة اشتهرت بجمل غزيرة من الموروث الشعبي ذات الطابع المميز، فمن فن المجسات والدانات ولعبة المزمار الشهيرة، مروراً بلعبة الصهبة ويماني الكف والحدري والرفيحة وانتهاء بفن الطمبرة والزار والرفيحة والجوق وغيرها من الفنون والألعاب الشعبية التي اشتهرت في وقت سابق وما زال بعضها يحظى بالاهتمام. ويشير جميل إلى مدى التنافس المحموم بين الحارات المكية فيما بينها، رغبة في إثبات وجودها الفني، حتى أصبحت كل حارة تتميز بفنها ولعبتها عن الحارة الأخرى. يقول"اشتهرت حارة"الشبيكة"بلعبة يماني الكف، وتميزت حارة جرول بلعبة الحدري، فيما تفوقت حارتا الباب والنقا بفن الصهبة".