مرمية في خاصرة البحر، هانئة في غفوتها، كما بنت سلطانٍ، داعبت خصلات شعرها نسمات البحر، فبللت جبينها الأسمر. لم تتبرج أو تتغشى بغطاء وشراع، عالية فوق البحر بعلو أميرةٍ أو كاهنةٍ، نسيها الزمان فتناست حكايتها ومكانتها ومكانها أو حتى من مروا خفافا ببندرها، أو من هربوا ليلاً، على غناء نهام هدّه التعب، فبح صوته من ولهٍ. تلك حكايات وأسفار، دونتها الكتب وتغنت بها السير، أزمان كثيرة تبدلت، وسلالات أرهقها الترحال والأسفار، ولم يكن الجوع إلا حلقة من الخوف المرتقب، ولم تكن المراكب، إلا بشراً تتثاقل بهم البُجر من الحقائب التي امتلأت من الأموال والذهب، حتى اللؤلؤ وهو ينام في قماشه الأحمر والأسود، لأسرار طواش ٍ يعد عدته لتجار بومبي الموعودة بحياة لرجال سمر، تاهوا وتغنوا لليال طوالٍ، ترقبتهم فتاة بصبح مرتقب مغسول ببياض موج ينام على ضفاف سيفٍ ربما تداركه نسيان"دارين"المنسية بنسيان اسمها المعتق من قدم الدار أو البيوت. تلك هي دارين التي تاهت باسمها بين أزمان كثيرة وحضارات ربما لم تدونها كتب الفاتحين، ربما تاق الاسكندر المقدوني وهو يرسو بسفنه الحربية قبالتها إلى صلاة مباركة وأسقفٍ تبارك فتوحاته أبرشية شرق ٍ تليد، ولم يدر بخلد العلاء الحضرمي وهو يحث جنوده ويشحذ عزيمتهم بالصبر، حتى عبر البحر بخيوله، تاركةً مخاضةً غسلتْ حوافر الخيل إسطورة العبور، فتاه الجند ونامت أيديهم على خزائن وذهب وأساور، خضبوا بها صليل سيوفهم. كنوز كثيرة تنام هنا، وأسرار كثيرة أيضاً، أسكنها البحر بسره فأين تنام وتختبئ أسرار وكنوز دارين؟ على شرفات البحر تنام البيوت، تترقب الآتين بحكاياتهم، ولليال كثيرة تعلو القلوب بالغناء والرقص تلك ليال البحر ورجاله، البيوت لا تعرف سر الكنوز، ولا الناس الذين افترشوا"حوشها"، أو فناءها، وهم يفرشون حصرهم الخوصية فوق ذهب وجرار كل من أتى هنا، قال إنه هو صاحب القلعة هذه، من التبس به اسم دارين فنامت قلعته على سيفها، ولم يدر بخلد من عجزتْ ذاكرته على النسيان، أن الناس هنا ناموا قبل قلاع البحر، لا يُسرد التاريخ إلا لمن نام ليالي بين شراع، أو تسامرت عيناه بمواويل وحكايات آبائه وأجداده عن مرافئ بعيدة وغناء. فالفتى لم يكن موعودا بكنوز الأرض التي يمشي عليها، لكنه مستودع لأسرارٍ وغناء، مهم بنسيانه فقام بجمع بقايا رائحة الآباء أو من شدّ بهم الترحال. القصر أو القلعة واحدة من الحكايات التي لم تكتمل، وقلة من أهل دارين الذين بقوا، حفظوا السر فباحوا به لمراكب مخرت أو نامت لليلة قبالتهم. تاهت كتابتي هنا وأنا أسرد سراً أتغنى به أيضاً، حتى وقعت يدي على كنوز يعرضها الفتى أمامي بتعجب، وبتلقائية يسألني: هل هناك طريقة كي نحافظ على هذا؟ فكل ما قمت به أن اتصلت بالجهات المختصة، كي يعاينوا هذه القطع التي أمامك، لكنهم لم يشبعوا فضولي وشغفي، فقد ذهبوا، مثلما أتوا، ولم يتركوا لي بارقة أمل، لإيقاف ما يسرق ويرمى بجهل من عمال البناء، فكما سرق من قبل سيسرق الآن من غرباء كثر. أتعجب أنا أيضاً، كيف يعبث بهذه الكنوز في بارقة النهار؟