قبل ما يقرب من 75 عاماً، بدأت أعمال النفط في المملكة تسفر للعيان، كان ذلك الكائن الأسود غافياً في قلب الأرض، ومسترسلاً في سبات بين صخورها، لم يكن ليعلم أن ثمة أيد ستغتاله في سباته، إلى أن تسللت لمخدعه آلات الحفر، مزلزلة كيان الأرض، ليولد عهد جديد من الطاقة، صاغ اقتصاد المملكة وغير ملامح العالم منذ أكثر من سبعة عقود. أجيال تعاقبت على زمن النفط في المملكة، صفحة ابتدأت من تاريخها النفطي، وغطت آبار النفط مساحات شاسعة فيها. يتزامن اليوم الوطني هذا العام، وتأهب أرامكو السعودية للاحتفال بالذكرى الماسية على تأسيسها منذ 4 صفر 1352ه، الموافق 29 مايو 1933م، العام الذي شهد توقيع اتفاقية الامتياز الأصلية للتنقيب عن الزيت لمدة 60 عاماً. وفي مايو 2008 المقبل سيدق جرس العام الماسي في أرامكو السعودية تحت شعار"طاقة للأجيال". يعود الفضل في توقيع تلك الاتفاقية للرؤية الحكيمة الصائبة للملك عبد العزيز بن عبد الرحمن آل سعود، يرحمه الله، الذي أعطى أوامره للشيخ عبدالله السليمان وزير المالية وممثل المملكة في المفاوضات مع لويد نلسون هاميلتون من شركة ستاندر أويل أوف كاليفورنيا"سوكال"، وهي الشركة السابقة على أرامكو السعودية، وتعرف اليوم باسم"شيفرون تكساكو"، بالتوكل على الله وتوقيع الاتفاقية. أتاحت هذه الاتفاقية لسوكال التنقيب عن المواد الهيدروكربونية وإنتاج وبيع الزيت الذي يتم اكتشافه في المملكة. وقد تم تحويل الامتياز إلى شركة كاليفورنيا أرابيان أويل كومباني"كاسوك"التابعة لسوكال، والتي تغير اسمها في العام 1944م إلى شركة الزيت العربية الأميركية أرامكو. وفي العام 1988م ، تملكت المملكة الشركة بالكامل، وغيرت اسمها إلى شركة الزيت العربية السعودية"أرامكو السعودية". لذا، فقد أسفر ذلك القرار المبكر الحكيم عن السماح للجيولوجيين الأميركيين بالتنقيب عن الزيت في المملكة، لتضع اللبنة الأولى للتحول الاقتصادي في المملكة. لقد أفضت تلك الاتفاقية إلى تدفق الزيت بكميات تجارية في المنطقة الشرقية من بئر الخير، البئر رقم 7. وتوالت بعد ذلك الاكتشافات والإنجازات النفطية، لتمتلك المملكة اليوم أكبر احتياطي في العالم قابل للاستخراج من الزيت الخام والمكثفات، وهو تقريباً 260 بليون برميل، كما تحتل المرتبة الرابعة على مستوى العالم من حيث احتياطات الغاز الطبيعي، التي تبلغ نحو 249 ترليون قدم مكعبة.? وتعد أيضاً أكبر دولة مصدرة للزيت الخام، إذ صدرت - من خلال أرامكو السعودية - أكثر من 2.5 بليون برميل في العام 2006 بمعدل 8.9 مليون برميل في اليوم.? في 9 سبتمبر 1933م، وصل السيدان روبرت ميلر"برت"، وشويلر ب"كروق"، أول جيولوجيين تابعين لسوكال، يعملان في المملكة. وحفرت أول بئر بموجب الامتياز في العام 1935م في التكوين الجيولوجي الذي أطلق عليه اسم"قبة الدمام"، وهو تكوين جيولوجي واعد يوجد بالقرب من الظهران في المنطقة الشرقية. كما قطع ماكس ستاينكي، وهو جيولوجي آخر تابع للشركة نفسها، المملكة ذهاباً وإياباً في العام 1937م، في جولة انتهت بتأكيد توقعات الشركة في ذلك الحين بأن الزيت سيكتشف بكميات تجارية في قبة الدمام. وقد ثبت فيما بعد صحة هذا التوقع، إذ ما لبثت بئر الدمام رقم 7 التي حفرتها سوكال أن تدفقت بكميات تجارية من الزيت في 3 مارس 1938م. وكان ذلك حدثاً كتب له أن يغير وجه العالم، على الرغم من أن العاملين في تلك البئر التي سماها خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبد العزيز،حفظه الله، في ما بعد"بئر الخير"- لم يتوقعوا ذلك حينئذ، وها هي اليوم مسؤولة عن أكبر احتياطات زيت في العالم، وأكبر مصدر له. وقد أغلقت البئر رقم 7 في العام 1982م، بعد أن أنتجت ما مجموعه 32,436,877 برميلاً من الزيت على مدى 45 عاماً! وتركز أرامكو السعودية في الوقت الراهن على عملية توسع غير مسبوقة في مجال إنتاج الزيت، من خلال برنامج يُعد الأكبر من نوعه في تاريخ الشركة، وذلك من خلال مشاريع ضخمة للزيت الخام على مراحل متنوعة من التطوير. كما تتوقع أرامكو السعودية أن تزداد احتياطياتها بصورة كبيرة في السنوات المقبلة من خلال أعمال التنقيب المستمرة وتطبيق التقنية الحديثة في الإنتاج وإدارة المكامن. هذا بالإضافة إلى قيام الشركة بمشاريع تاريخية في مجال التكرير، وذلك في إطار سعيها لاستغلال احتياطيات المملكة من المواد الهيدرو كربونية لتنويع الاقتصاد الوطني.