يبدأ آلاف الأطفال في المنطقة الشرقية ودول الخليج العربي غداً"كرنفالاً"شعبياً، يعيشون خلاله فرحة غامرة، وهم يجوبون الشوارع والأزقة مبتهجين بهذه المناسبة التي توارثتها الأجيال، مرتدين الملابس التقليدية الجديدة، والتي قد تُخاط لهم خصيصاً لهذه المناسبة، حاملين معهم أكياساً يجمعون فيها الحلوى والمكسرات التي يحصلون عليها من أصحاب البيوت التي يقدمونها لهم بسخاء كبير. ويُعتبر"القرقيعان"الاسم الشعبي لهذه العادة السنوية، أو"القرقيعانة"أو"الكركيعان"، بحسب مسمياتها في دول الخليج، من أهم العادات الشعبية الشعبانية والرمضانية في المنطقة، وتتكرر مرتين في العام، الأول في منتصف شهر شعبان، والثاني في منتصف شهر رمضان المبارك. وتنتشر هذه العادة انتشاراً واسعاً في شرق السعودية، والبحرين، والكويت، وقطر، والإمارات، وسلطنة عمان، وكذلك بعض البلدان الإسلامية الأخرى. وبدأ الأهالي في المنطقة الشرقية هذا العام الاستعداد مبكراً ل?"القرقيعان"، الذي ينتظره الأطفال بكثير من الشوق، وتذكر السبعينية أم محمد هذه المناسبة بحنين إلى الماضي"كان اللبس التقليدي للفتيات الجلابية والبخنق، والفتيان إما الثوب أو لبس البحارة الإزار والطاقية، وما زال البعض ملتزماً بها الزي، ويحب أن يرتديه أبناؤه، أو يشتري لهم ملابس جديدة". وتختزن ذاكرة أهل الخليج الكثير من الأهازيج الشعبية التي يكررها الأطفال على مسامع ربات البيوت قبل حصولهم على الحلوى والمكسرات، إلا أن أكثرها شيوعاً بين الأطفال هي:"قرقع قرقيعان... عطونا الله يعطيكم... بيت مكة يوديكم... يا مكة يا معمورة... يا أم السلاسل والذهب والنورة... عطونا من مال الله... يسلم لكم عبدالله... عطونا دحبة حمولة ميزان... يسلم لكم عزيزان... باب الكرم ما صكه أغلقه... ولا حط له بوابة". ويكرر الأطفال هذه الأهازيج، إذ تطالبهم ربات البيوت بالدعاء لهم ولأصحاب الدار بالخير والصحة والعافية، وتبقى الدعوة المحببة للجميع بأن يوفق الله أصحاب المنزل للحج في هذا العام. ويشير صالح اليوسف إلى"وجود تنافس بين الأحياء في تزيين المداخل المؤدية إلى كل حي، إذ يشارك السكان في شراء ما يلزم من أدوات الزينة، أو حتى استئجار الإضاءة أو أشكال ومجسمات جبسية على شكل منزل قديم، أو بئر"، مضيفاً"هو أشبه بمهرجان طفولة، تعم فيه الفرحة الجميع". ويخرج الأطفال في بعض المدن والقرى إلى الشوارع بعد صلاة العصر، وفي مدن أخرى بعد صلاة المغرب مباشرة، وتكون جميع أبواب المنازل مفتوحة لهم، فيدخلونها للحصول على الحلوى أو المكسرات، أو يجلس أحد أفراد الأسرة بالقرب من الباب، ويوزع على الأطفال ما يجود به أصحاب المنزل. وتختلف الأشياء المقدمة للأطفال من جانب الأهالي، كل بحسب استطاعته، فالبعض يقدم الحلويات والمأكولات الخفيفة، والفول السوداني الذي لا غنى عنه في"القرقيعان"، والبعض الآخر يوزع الألعاب التي يفرح بها الأطفال كثيراً، فيما يقوم آخرون بوضع ريال أو ريالين داخل الأكياس لكل طفل، وهناك من يوزع المجسمات الصغيرة، والمهم أن لا يخرج الطفل من البيت خالي الوفاض. ويضع الأطفال ما جمعوه من الحلوى والمكسرات في كيس يسمى"الخريطة". وتقول فاتن عبدالله:"تتفنن بعض مشاغل الخياطة أو الخياطات في المنازل، في خياطة أكياس"القرقيعان"، التي يختارها الأطفال بدقة وعناية، فبعض الأكياس تكون ملونة بألوان وخيوط زاهية، وبعضها تتم خياطة مجسمات لحيوانات عليها، أو تركيب دمى كبيرة أيضاً، فكيس"القرقيعان"لا بد أن يكون كبيراً بما يكفي لأن بعض الأطفال يضطر لإفراغ محتواه في المنزل والعودة لملئه مرات عدة، ولم يستثن الأولاد من موضوع الأكياس أيضاً، ووضع ما يحبونه عليها من أشكال كرتونية مشهورة، وبعض الأطفال يقومون بطباعة صورهم على أكياس"القرقيعان"الخاصة بهم في تطور جديد لهذه المناسبة". وتذكر منى الحمادي أنه"في هذه الليلة يكون كل الأطفال خارج منازلهم، يرددون في الشوارع الأهازيج والأناشيد الشعبية القديمة، التي يعلمهم إياها ذووهم، خصوصاً الجد والجدة، ويجوبون الشوارع والأحياء فرحين بما لديهم من ألعاب ومأكولات، وان أصابهم التعب بسبب ثقل الكيس، عادوا إلى منازلهم، وأفرغوا ما لديهم في أكياس أخرى، والمهم هو عد الريالات التي حصلوا عليها، والرجوع إلى الشارع مرة أخرى، لدخول حي جديد، وشارع جديد". ويذكر مهدي الطيب ان"كل مداخل الأحياء والمنازل تتزين في هذا اليوم، بالأنوار والزينة، وتقام في الشوارع منصات يشرف عليها شبان يوزعون المأكولات الشعبية والعصائر، ويرشون ماء الورد على المارة، كما تتزين المنازل بالأشياء التراثية القديمة، وتبدأ تنتشر الصناعات التقليدية، وبخاصة التي يكون فيها سعف النخيل المادة الرئيسة. ويتذكر أبو عبدالله ستيني هذه المناسبة بالقول:"تعود بنا الذاكرة إلى أيام جميلة، وحياة بسيطة، يحظى فيها الصغار والكبار، وحتى السائق في سيارته بالحلويات والمكسرات، والهدايا الصغيرة، وتتحول الأحياء إلى معرض تراثي، إذ يقوم الأهالي بعرض ما يوجد لديهم في المنازل من أشياء تراثية أمام بوابة المنزل".