حمى"الوادي المتصدع"و"الضنك"و"الخُمرَة"من الفيروسات التي أقلقت السعوديين منذ أعوام طويلة، حتى باتت وزارة الصحة عاجزة عن تشخيص نوعية هذه الفيروسات التي قتلت عشرات المصابين، من دون أن تكتشف هوية هذه الفيروسات، ما دعاها إلى الاستعانة بفريق اختصاصي من جانب منظمة الصحة العالمية للوقوف على كوارث هذه الفيروسات التي اجتاحت البلاد على فترات متفاوتة. يروي قصة هذه الفيروسات ل?"الحياة"، أول من اكتشفها وشخّصها في السعودية الدكتور علي محمد زكي، الذي يعمل استشاري فيروسات في مختبر أحد المستشفيات الأهلية في محافظة جدة، والذي يعد المرجع الرئيس لوزارة الصحة منذ العام 1994، كونها تفتقر لهذا النوعية من المختبرات عالية الدقة، والتي تمكنها من التعرف على هوية الفيروسات القاتلة والمعدية. يكشف زكي، الذي يعمل في محافظة جدة منذ 14 عاماً، أنه اكتشف فيروس حمى الضنك في السعودية خلال عام 1994، بعد أن أخذ عينة دم من سعودي توفي إثر مرض غامض، تمثلت أعراضه في حمى وقيء وآلام في البطن، وبقع دموية على كامل الجسد، ونوبات إغماء، مع ارتفاع شديد في انزيمات الكبد، وبعد إجراء الفحوصات والتحاليل المخبرية اتضح أنه توفي إثر إصابته بفيروس"الضنك". ويؤكد في الوقت ذاته، أن هذا الفيروس قتل عشرات المرضى في ذلك الوقت قبل أن يتم التعرف على هويته، إذ تم تسجيل"الضنك"رسمياً لدى وزارة الصحة عبر هذه الحالة، والتي كانت الطريق لإنقاذ المرضى من موت محقق بعدما تم التعرف على هوية إصابتهم ومنحهم العلاج المناسب. وقال الدكتور زكي البالغ من العمر 54 عاماً:"على ضوء ذلك أسهمت في إقامة دورات عدة للتوعية بهذا المرض وأسبابه وعلاجه، وساعدت العاملين في وزارة الصحة في التعرف على طرق الكشف السليم لهذا الفيروس، والذي ينقسم إلى أربعة أنواع عالمياً توجد ثلاثة منها في السعودية، وللأسف لا يوجد لدى وزارة الصحة معمل"بيلوجي"متكامل سوى المعمل المتوافر في مستشفى أهلي في محافظة جدة تستعين به". ويشير إلى أنه استطاع في العام 1996 اكتشاف فيروس آخر غير معروف عالمياً أسماه فيروس"الخرمة"، وكان يصيب عمال المسالخ بشكل خاص ويقتل الكثير منهم في ذلك الوقت، مضيفاً أنها الحالة الأولى التي تسجل على مستوى العالم بإصابتها بهذا الفيروس. ويوضح الدكتور زكي أنه اكتشف هذا الفيروس بعدما أصيب"جزار"يعمل في أحد مسالخ مكةالمكرمة، بحمى ورجفة قوية وأعراض مرضية غريبة، وبعد إجراء الفحوصات عليه من طريق عينة الدم اتضح أنه يحمل فيروس فريد من نوعه وغير معروف عالمياً وهو قاتل، مضيفاً أن هذا الجزار أصيب بالمرض بعدما أسقط سكينة الذبح من دون قصد على قدمه، وهي مليئة بدماء إحدى المواشي المصابة لينتقل الفيروس إلى جسده. وتعود تسمية هذا الفيروس ب?"الخرمة"لأن الماشية التي كان يذبحها هذا الجزار جاءت من الخرمة، إذ أن الماشية هي الوحيدة التي تحمل هذا الفيروس من دون أن تتأذى، لكنها تنقله للإنسان إذا تعرض لأي جرح واختلط دمها بدمه، ذاهباً إلى أن وزارة الصحة ارتأت تسميته بفيروس"الخُمرَة"بعد اكتشاف حالات مماثلة في منطقة الخمرة قبل عشرات الأعوام. ولفت استشاري الفيروسات إلى أنه في عام 2000 اجتاح مرض غامض منطقة جازان وقتل عشرات المرضى، وعمدت وزارة الصحة إلى إرسال عينات إلى مختبر الفيروسات في المستشفى الخاص الذي يعمل به كونه من أفضل المختبرات في السعودية، مرفقة بخطابات سرية لتشخيص هذه العينات والرد بنتائجها. وأضاف الدكتور زكي أنه على الفور عكف على فحص أكثر من 70 عينة من مختلف المناطق، وتأكد له أنها"حمى الوادي المتصدع"، الأمر الذي ساعد وزارة الصحة للسيطرة على هذا المرض قبل أن تستعين بفريق اختصاصي من جانب منظمة الصحة العالمية للكشف عن هوية هذا المرض، والذي راح ضحيته عشرات السعوديين.