شاعت في سبعينات القرن الماضي آراء ومقترحات تتحدث عن "تسعير الدولار بالنفط"بدلاً عن"تسعير النفط بالدولار"، وذلك إبان الطفرة النفطية الأولى التي استمرت من 1973 الى أوائل 1982، إلا أن تلك الأصوات سرعان ما خفتت وتلاشت مع الانخفاضات الكبيرة التي شهدتها أسعار النفط لفترة تقارب ربع القرن، وساعد في ذلك الخفوت انخفاض تجارة النفط من مجمل التجارة العالمية من 21 في المئة في الثمانينات الى ما يقارب 7 في المئة منذ بداية الألفية الجديدة. وللارتباط الكبير بين النفط والدولار لجأت الدول النفطية ومن ضمنها المملكة الى ربط عملاتها بالعملة الأميركية، لأن صادراتها النفطية تسعّر وتباع بهذه العملة، إضافة الى ما يوفره الارتباط من تجنيب العملة المحلية الاختلالات والاهتزازات الناتجة من تغيرات قوى العرض والطلب في سوق العملات الدولية، وهي سياسة ما زالت المملكة تتبعها منذ ربط الريال الأخير بالدولار منذ عام 1986 بسعر صرف ثابت. ولكن مع انخفاض قيمة العملة الأميركية التي تجاوزت 35 في المئة في مقابل العملات العالمية الأخرى انخفض الدولار في مقابل اليورو بنسبة10 في المئة العام الماضي فإن هذا الانخفاض وإن كان يعطي للصادرات الأميركية ميزة تنافسية أكبر في أسواق العالم الأخرى، ويحسن من وضع ميزان مدفوعاتها الذي يشهد عجزاً طويلاً يبلغ 6 في المئة من الناتج المحلي الأميركي ولهذا لم يتدخل الاحتياطي الفيديرالي في تحديد عرض الدولار بغرض رفع سعره إلا أنه يضر بمصالحنا الاقتصادية، فأسعار النفط التي تراوح بين 70 و75 دولاراً للبرميل تفقد 35 في المئة من قيمتها في حال شرائنا من الدول التي لا تستخدم الدولار الأميركي بمعنى آخر فإن كلفة استيرادنا زادت بنسبة 35 في المئة جراء انخفاض سعر العملة الأميركية التي نقبض بها قيمة صادراتنا النفطية، التي تمثل 89 في المئة من مجمل صادراتنا، وهو ما يجعل فاتورة استهلاكنا تزيد كما ذكرت بمعدل 35 في المئة. والخسارة الثانية التي نتكبدها جراء الارتباط بالعملة الأميركية هي في"ادخارنا الوطني"، فموجودات مؤسسة النقد من العملات الأجنبية التي تصل الى تريليون ريال منتصف هذا العام يشكل الدولار معظمها، إضافة الى الذهب وبعض العملات الأخرى وهو ما يجعل هذه الموجودات عرضة للتناقص مع انخفاض قيمة الدولار المستمرة، كما أن أية مدخرات حكومية أو خاصة ستكون عرضة للتناقص بمقدار انخفاض قيمة الدولار. وعلى رغم أن الارتباط أعطى العملة السعودية ثقة واستقراراً، إلا أن معدل التضخم في سوقنا المحلية الذي يتجه إلى 5 في المئة يجعل التفكير في فك هذا الارتباط أمراً حتمياً، لا سيما أن مؤسسة النقد ووزارة المال تعترفان بتفاقم الأثر السلبي للارتباط، ولم تصدق أيضاً توقعات بعض المسؤولين والاقتصاديين الذين يقولون إن الدولار بلغ أدنى مستوياته، والعملات الأخرى بلغت أعلى مستوياتها، ولا بد من انعكاس الصورة، فهذا ما نسمعه منذ منتصف العام 2004، ولم يحدث ما يؤكد أو يشي بذلك. وتبقى الخيارات المتاحة في فك الارتباط في تعويم الريال، أو ربطه بسلة عملات كما فعلت الشقيقة الكويت، والخيار الثالث والأخير، واعتقد بأنه الأفضل هو رفع قيمة الريال في مقابل الدولار، وهو الخيار الأنسب، حتى نضمن استقرار عملتنا ببقاء ارتباطها بالدولار، ونضمن أيضاً ارتفاع قيمتها الشرائية، سواء أكان الاستيراد من أميركا أم من خارجها. * اقتصادي سعودي.