المملكة ومصر .. شراكة استراتيجية تضخ استثمارات ب15 مليار دولار    انطلاق مؤتمر جمعية "علوم المختبرات" في الرياض .. غدا    السعودية تدين حادثة الدهس التي وقعت بأحد أسواق مدينة ماغديبورغ الألمانية    رابطة العالم الإسلامي ترحّب بتبني الأمم المتحدة قراراً بشأن التزامات إسرائيل المتعلقة بأنشطة الأمم المتحدة والدول الأخرى لصالح الفلسطينيين    المركز الوطني للعمليات الأمنية يواصل استقباله زوار معرض (واحة الأمن)    حضور ثقافي كبير في أول أيام ملتقى القراءة الدولي بالرياض    وزير الطاقة يرعى الحفل الختامي لجائزة كابسارك للغة العربية    اليوم ليلة الحسم في المملكة أرينا: ومواجهة أوسيك وفيوري لتوحيد ألقاب الوزن الثقيل    230 فارساً وفارسة يتنافسون على كأس التحدّي للقدرة والتحمل في الرياض    القوات الخاصة للأمن البيئي تواصل استقبال زوار معرض (واحة الأمن)    «الجوهرة».. أيقونة رياضية بمعايير عالمية تحت الأضواء في «كتاب جدة»    تاليسكا يؤكد اقتراب رحيله عن النصر    "الهجّانة" والمركبات الكهربائية.. التاريخ والمستقبل    البرنامج الثقافي لمعرض جدة للكتاب يسلط الضوء على علاقة الفن بالفلسفة    سينما الخيال العلمي في العالم العربي.. فرص وتحديات في معرض الكتاب    الأمم المتحدة: الأزمة الإنسانية في السودان «غير مسبوقة»    شولتس يعرب عن مواساته وتعاطفه مع ضحايا الهجوم في ماغديبورغ    بايرن ينهي عام 2024 بفوز كاسح على لايبزيغ بخماسية قاسية    الأمر بالمعروف في جازان تفعِّل المعرض التوعوي "ولاء" بالكلية التقنية    ضبط يمنيين في عسير لترويجهما (64) كجم "حشيش"    ضيوف الملك من "الجبل الأسود" يشيدون بجهود المملكة في خدمة الإسلام والمسلمين    الأخضر السعودي يختتم معسكر الرياض ويغادر إلى الكويت للمشاركة في خليجي 26    أمريكا تلغي جائزة ال 10 ملايين دولار لمن يدلي بمعلومات عن أحمد الشرع    السعودية ترحب بتبني الأمم المتحدة قراراً بشأن التزامات إسرائيل الأممية تجاه الفلسطينيين    توقيع مذكرة تعاون بين النيابة العامة السعودية والأردنية لتعزيز مكافحة الجريمة والإرهاب    المملكة توزع 724 سلة غذائية و724 حقيبة صحية في مدينة سرمدا بمحافظة إدلب    شيخ شمل قبائل الحسيني والنجوع يهنى القيادة الرشيدة بمناسبة افتتاح كورنيش الهيئة الملكية في بيش    نائب رئيس نيجيريا يغادر جدة    الأمير محمد بن ناصر يفتتح شاطئ الهيئة الملكية بمدينة جازان للصناعات الأساسية والتحويلية    ولي العهد يجري اتصالاً هاتفياً بملك المغرب للاطمئنان على صحته    الشؤون الإسلامية بجازان تنفذ ورشة عمل بمحافظة صبيا    %20 من المستثمرين شاركوا في الاكتتابات العامة بالمملكة    مدير عام الشؤون الإسلامية في جازان يتفقد مسجد العباسة الأثري بمحافظة أبي عريش    وزارة التعليم تنظم ورشة عمل "المواءمة مع التغيير والتحول في قطاع الخدمات المشتركة" في جازان    تعرف على قائمة المتوجين بلقب كأس الخليج    إمام الحرم المكي: الرسل بعثوا دعاة إلى الخير وهداة للبشر    آل بنونة وآل قاضي يتلقون التعازي في حورية    خطيب المسجد النبوي: أعظم وسام يناله المسلم أن يكون أحبّ الناس إلى الله    الدفاع المدني السوري: «تماس كهربائي» أشعل نيران «ملعب حلب»    البدء بأعمال صيانة جسر تقاطع طريق الأمير نايف مع شارع الملك خالد بالدمام ... غدا السبت    لسرعة الفصل في النزاعات الطبية.. وزير العدل يوجه بتدشين مقر دوائر دعاوى الأخطاء المهنية الصحية    5 إستراتيجيات لإنهاء حرب روسيا وأوكرانيا    دروس قيادية من الرجل الذي سقى الكلب    الحصبة.. فايروس الصغار والكبار    مدربون يصيبون اللاعبين    تقطير البول .. حقيقة أم وهم !    الإخلاء الطبي يشترط التأمين التعاوني للممارسين الصحيين    «سكن».. خيرٌ مستدام    السعوديون في هيثرو!    25 ألف سعودية يثرين الأسواق الناشئة    مستشفى الدكتور سليمان الحبيب بالفيحاء ينقذ مراجعاً عانى من انسداد الشرايين التاجية    أدوية إنقاص الوزن قد تساعد في القضاء على السمنة لكن مخاطرها لا تزال قائمة    انفراد العربيّة عن غيرها من لغاتٍ حيّة    السيسي: الاعتداءات تهدد وحدة وسيادة سورية    التجارة تضبط 6 أطنان مواد غذائية منتهية الصلاحية بمستودع في جدة    وزير الدفاع يستقبل نائب رئيس الوزراء وزير الدفاع الأسترالي    د. هلا التويجري خلال الحوار السعودي- الأوروبي: المملكة عززت حقوق الإنسان تجسيداً لرؤيتها 2030    رئيس الوزراء العراقي يغادر العُلا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



ماذا بعد الكيف؟
نشر في الحياة يوم 14 - 08 - 2007

عام 1973 أدرجت منظمة الصحة العالمية حشيشة"القات"ضمن قائمة"المواد المخدرة"، وفي المملكة العربية السعودية"حرّمت هيئة كبار العلماء تعاطي القات باعتباره من المخدرات المحرمة، وتوجد في المملكة مؤسسة عامة لمكافحة المخدرات تعمل على مكافحة"القات"ضمن ما تكافحه من أنواع المخدرات الأخرى، بعد أن انتشر تهريبه وترويجه وتعاطيه، وتحديداً في"جازان"لقربها من جمهورية اليمن الشقيقة، التي تعتبر من أكثر الدول التي يتناول مواطنوها القات على جميع المستويات، من حيث الفئات العمرية - ذكوراً وإناثاً - بطريقة"التخزين"وفي العلن!
وللقات أضراره الصحية والاقتصادية في المنطقة، كما جاء في موقع"فريق تحرير منتديات السعودية"عن جريدة"الوطن"بتاريخ 27 - 7 - 2005 الخبر الآتي: أوضح المدير العام لمكافحة المخدرات في منطقة جازان العقيد سعيد الشهري أن"75 في المئة من الدخل الشهري لمدمن المخدرات يذهب لشراء القات"... وأضاف:"إنه كان للقات دور كبير في إنهاك اقتصاد منطقة جازان، على رغم من وفرة خيراتها"، كما أكد العقيد الشهري"أن القات من أقل أنواع المخدرات تأثيراً، لكنه أشد تدميراً للأسرة والمجتمع".
ومن ناحية أضراره الصحية قلما تجد بحثاً عن القات يخلو من موضوع إصابة مدمنيه بأعراض"انفصام الشخصية"، فمتناول القات يمر بمراحل مختلفة الطبع والمزاج، منذ أن يشرع في تناوله إلى أن يخلد إلى النوم، ناهيك عن طبيعته العادية قبل تناول القات.
وأبرز حالات الانفصام - والتي سنتعرض لها هنا ? هي حال متناول القات أثناء تناوله وهي حال"الكيف"، والبعض يسميها ب?"الساعة السليمانية"التي تنتاب متناول القات، والتي تبدأ بعد ساعة أو ساعتين من تناوله، وهي حال انسجام وانطواء، ينفرد خلالها متناول القات بذاته، سواء كان معه قرناء أو بمفرده في المجلس.
الحالة الثانية، والتي يمكن أن نسميها ب?"الساعة السأمانية"من السأم، أو من العناء، وهي الحال التي تنتاب متناول القات بعد أن يخرج القات من فمه، وسنقارن بين هاتين المرحلتين حتى نتمكن من رؤية الازدواجية أو الانفصام الذي يحدثه القات على متناوليه.
فمنذ بدء تناول القات، إذ تبدأ الثرثرة والحديث والأخذ والرد والكلام في مختلف القضايا القريبة والبعيدة، وبعد ذلك يكتنف الجلسة جو من الهدوء ومن الانسجام، يكون مدعاة للدخول إلى"الساعة السليمانية"، ويسود الهدوء والصمت جو الجلسة.
وتجد متناول القات يشخص ببصره إلى بعيد، فتعتقد أنه يحدق في هذه الصورة أو في ذلك المنظر الذي على مرمى بصره في المجلس، لكنه في الحقيقة غير موجود في المكان، إنه يسبح في عالمه الخاص، عالم ينشده هو ويعرفه هو، لا يراه أو يعرفه أحد غيره!
وتراه يلوح بيده بالإشارة، أي انه يشرح الفكرة التي في رأسه، إذ إن مرحلة الساعة السليمانية مرحلة"تأملية"، إذ إن مرجعية الحكم أو الاحتكام إلى"العقل الباطن"خلال هذه المرحلة، والصور التي في ذهن متناول القات في هذه اللحظات صور مصطنعة من خياله الخاص، أو من مخزونات العقل الباطن.
كما ينفرد متناول القات بذاته ووجدانه وتفكيره، أي أنه يحب الانطواء بعقله وليس بجسده، أي يُرحب بوجود قرنائه من متناولي القات شرط الهدوء والصمت دون حركة.
وتجده يشرد بخياله ويفقد إحساسه وإدراكه بمن حوله، لكنه سرعان ما يعود من شروده ويشعر بمن حوله، ثم يقوم بتناول أوراق القات ويشعل حبة السيجارة وكأنها مصدر طاقة جديدة لشرود جديد، إذ إنه لا يدرك مصدر تلك الفكرة التي في باله.
وصورة هذه الفكرة تتوسع وتتضح مع كل شرود، وكأنها مركبة من بعدين زماني ومكاني في آن... ومع تعدد شرود متناول القات، تتضح الفكرة وتتجلى، وتزداد فترة كل شرود عن غيرها، ومع كل شرود يحاول أن ينسجم أكثر، ويشعر بابتهاج زائف يكسبه شعوراً بالسعادة والاطمئنان، وتجده يريد البحث عن انسجام أكبر، ويكره أي شيء يغير من حال انسجامه، بل يفضل الشرود الطويل والهدوء والصمت والسكون، كما لا يحب أن تدخل إلى رأسه أي فكرة، فهو يبني فكرة واحدة، في مجال يتوسع في كل مرة مع توسع الفكرة، وتجده وكأنه يتصعد إلى أعلى، ويغير قليلاً من جلسته، لأن فكرته كالفقاعة أو البالون تطفو إلى أعلى.
ومع كل شرود يشعر بألم في رأسه وصداع، ويمسح العرق من على رأسه وجبينه ويكون العرق الأكثر على رأسه.
وفي نهاية مرحلة"الساعة السليمانية"يصل متناول القات إلى أطول وآخر حال شرود، وعند نهاية هذا الشرود الأخير تجد متناول القات يتنفس الصعداء، وذلك بما يمكن أن نسميه ب?"ولادة الفكرة"، لكنها ولادة معنوية.
وهنا تنتاب متناول القات حال من"الثقة بالنفس"، بعد أن وصل إلى وضوح للفكرة، ويزيح آخر حبة عرق من على رأسه.
ونشير إلى أنه إذا أضاف أي كمية جديدة من القات فإنها لا تصنع له أي انسجام! وهنا يخرج القات من فمه ويخرج من المجلس ويذهب ليحقق تلك الفكرة عملياً.
وفي هذه الأثناء تبدأ المرحلة الأخرى وهي مرحلة"الساعة السأمانية".
والمرحلة السأمانية مختلفة ومناقضة للمرحلة السليمانية.. وباستطرادنا عن هذه المرحلة، فإن متناول القات يبدأ بالتعبير عن الفكرة بالحركة، بعكس السابقة التي كان التعبير عنها بالإشارة، إذ إن السليمانية تأملية فإن السأمانية"حسية"? وجودية ? ومرجع الحكم أو الاحتكام فيها إلى القلب، وذلك لأنه يكون مدركاً للفكرة بوعي لكنها تتقلب أو تتغير وذلك بسبب تقلب القلب، أي أنه يؤشر باستيعاب ووعي للفكرة، لكن سرعان ما يختفي ذلك الاستيعاب، والمشكلة أو الصورة هنا تكون مشكلة قريبة وواقعية تمسه وتمس وضعه المعيشي.
ومتناول القات لا يحب الانطواء بتفكيره أو بعقله فقط، بل الانطواء والهروب بجسده ويكون شروده في هذه المرحلة عكس المرحلة السابقة حيث أن الشرود الأول ? خلال السأمانية أطول من الشرود الثاني، والثاني أطول من الثالث وهكذا.
وخلال هذه المرحلة تقل الشهية للأكل بعكس السابقة، ولكن تزيد شهيته لأكل القات، وكلما خرج من شرود فإنه يجد الفكرة تزيد قتامة وعتمة، وكأن الفكرة عبارة عن لفيف من المادة والفراغ يزيد التفافاً حول نفسه، إذ إن المشكلة واقعية وتمسه هو ولا تتعداه.
ومع كل يقظة يشعر بضيق وكدر واكتئاب، ويحاول أن يشرد، لأنه يعتقد أنه يأخذ الحلول من هناك ? من الباطن أو من اللاشعور ? ويأتي بها إلى الواقع، إذ ترتبط المشكلة بحياته الخاصة، بعكس ? السليمانية ? فإنه عند اليقظة من شروده وكأنه يفكر في الحل ويأخذه إلى اللاشعور ويبني الصورة التي في خياله، أما في السأمانية فإنه يأتي بالحل من اللاشعور إلى الواقع.
بمعنى أنه خلال مرحلة السليمانية تتضح الفكرة أكثر مع كل شرود جديد، لأن زمن الشرود الجديد أكبر من الذي قبله، لكن خلال السأمانية فإن المشكلة تتعقد أكثر لأن زمن الشرود الجيد أقل من الذي قبله.
أي خلال السليمانية يريد الهدوء والصمت من أجل الانسجام والوصول إلى حال الكيف المثالية، لكن خلال السأمانية يريد الحركة والرقص على إيقاعات صاخبة من أجل ان ينسى المعاناة التي يعيشها.
وفي كل مرة تتعتم الرؤية أمامه وتجده يريد إدخال أكثر من فكرة إلى رأسه لأنه من خلالها قد يجد الحل المناسب، بعكس السليمانية، إذ يعتقد أن المصدر مادي، لذلك فإنه يتناول أوراق القات بعد العودة من شروده. أي المشكلة خلال السليمانية تغذيتها مادية، وخلال السأمانية المشكلة حسية وتغذيتها معنوية وتجده وكأنه يهبط إلى أسفل ويزداد ثقلاً ومادية بعكس السابقة.
وخلال السأمانية يكون الرشح من على جسده، لأن مرجعية الحكم خلالها إلى القلب، وتجده يدق على صدره بقوة!
وبعد آخر شرود في مرحلة الساعة السأمانية وهو أقل شروداً يصل إلى أطول فترة يقظة، وتكون ذات صفاء ذهني تجده يشعر بالارتياح لكنه مصحوب بإعياء وخمول وبإحساس بالخوف وعدم الثقة، وجسده لا يقوى على الحركة، ويفضل حينها الخلود إلى النوم فيرمي بجسده على الفراش، إذ يريد الهروب من العالم كله.
لكن في نهاية السأمانية يفضل الوحدة والنوم.. وهنا تبدأ مرحلة جديدة من مراحل مشكلات التعاطي المدمر!
[email protected]


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.