لا حديث يدور هذه الأيام إلا عن السفر، وكيف الفرار من البلد، حيث الحر والرطوبة والملل والزهق والطفش فلابد من السفر وبأي شكل وبأي ثمن، في المجالس والديوانيات والمنازل والمنتديات وفي كل مكان من جسد هذا الوطن المتعب والمثقل بعام كامل - هكذا يقال - من العمل والجد والإخلاص. . لا صوت يعلو فوق صوت التذكرة، وكيف الحصول عليها؟ فالحصول على التذكرة، أية تذكرة هو غاية كل الغايات، والهدف الأسمى لكل الأهداف، ولا يهم إلى أين أو كيف أو متى؟ الأهم من كل ذلك أن يُختم الأخضر - وآه يالخضر - معلناً مسلسل الخروج الجماعي في حلقات تتكرر سنوياً وبشكل نمطي يكاد لا يتغير تماماً، كما يحدث في الكثير من أنماط وسلوك الحياة في مجتمعنا المحافظ. ولعل مسلسل"طاش ما طاش"الرمضاني، ومهرجان الجنادرية العالمي، والمراكز الصيفية، ومهرجانات السياحة العديدة، وأهمها مهرجان"جدة غير"الذي لم يتغير تقريباً منذ إقامته قبل سنوات عدة، والعديد من الفعاليات والأنشطة التي تؤكد وبشكل صارخ سيطرة النمطية والتكرار والكسل وعدم الرغبة في التجديد والابتكار في ذائقة العقل والقلب السعوديين! لنعد إلى الحديث عن السفر، فهو حديث ذو شجون وجنون... تحل الإجازة علينا كالصاعقة وكأنها المرة الأولى التي نحظى بها، لا داعي للقلق أو الارتباك، لا داعي للتفكير أو التخطيط أو الترتيب لقضاء الإجازة هنا أو هناك، الأمر لا يحتاج إلى كل ذلك، فقط شنطة صغيرة للذهاب - سترافقها الكثير من الشنط عند الإياب - وبطاقات عدة للسحب الآلي، ولا بأس أن تساندها بعض البطاقات الائتمانية التي ادخرت لمثل هذه الأيام العصيبة، هذا هو كل ما في الأمر! هكذا اذاً نسافر ونقضي بعضاً من إجازاتنا الصيفية وننعم بالسعادة والراحة - أو هكذا نظن - بعيداً عن أجواء الوطن المناخية والاجتماعية والاقتصادية، ويتكرر الأمر - أي النمطية - نفسه في اختيار الوجهة التي نريد، إذا كنا نعرف ماذا نريد أصلاً، اعرف شخصياً العديد من العائلات المهاجرة سنوياً ولأكثر من عشرين سنة تقريباً تقصد البلد نفسه، وتحط رحالها في المدينة نفسها وتسكن الشارع نفسه، وتفعل المستحيل لكي تحصل على الشقة نفسها أو الفندق نفسه، الأمر نفسه تماماً يحدث لشبابنا، فمسارهم شبه ثابت ووجهتهم لا تتغير وسلوكهم لا يتبدل إلا إلى الأسوأ طبعاً! ياسر 39عاماً شاب سعودي يعمل في إحدى وكالات السفر في شرق السعودية منذ 7 سنوات، تدرج في الوكالة نفسها من متدرب إلى مدقق تذاكر إلى أن أصبح الآن مديراً لقسم الحجوزات، يستغرب ياسر - ومازال - من مزاجية المسافر السعودي، ويؤكد بأنها الأغرب والأعجب على المستوى العالمي، ويدلل على ذلك بالكثير من القصص والحوادث التي واجهته مع المسافر السعودي، الذي لا يقرر متى يريد الذهاب أو العودة، ولا يعرف أي نوع من السكن يحتاج، بل إن الأمر قد يصل به إلى أكثر من ذلك، فهو - أي المسافر السعودي - لا يدري إلى أين يتجه وأي البلاد يقصد... كل ما يعرفه فقط هو أنه يريد السفر، أما غير ذلك فالأمر لا يعنيه مطلقاً. ويغوص المسافر في كرسيه أمام"المنقذ ياسر"ليختار له كل شيء، الوقت وخطوط الطيران والبلد والفندق وعدد الشنط ونوع الملابس وكل شيء، أما هو فكل ما عليه هو أن يُجيد استخدام بطاقته الآلية لدفع الثمن، ثمن السفر والاتكالية والكسل أيضاً. لم يعد ياسر يتفاجأ كثيراً حينما يطلب منه أحد المسافرين السعوديين أن يحجز له تذاكر السفر للبلد الأكثر وجهة للسائح السعودي أو الخليجي، هكذا بكل بساطة - أو لنقل بكل سخافة - يسافر السائح السعودي، تماماً كما يحدث له في الكثير من جوانب حياته، فهناك من يختار له عطره وسيارته وطبقه المفضل وساعته وشماغه وتخصصه الدراسي والعملي، وأحياناً - بل دائماً - عروسه! [email protected]