في الثالثة عشرة من عمرها كتبت سلطانة السديري تقول: مرحباً يا نجم يا شمع المساء أنت للنفس غذاء ودواء قل لنا يا نجم هل حان اللقاء أم تُرى سُطَّر وعدٌ لم يحن؟ كان ذلك عام 1956، عندما كان بعض الرجال لا يجرأون على قول الشعر، وكان المجتمع السعودي غارقاً في الأمية. وتقول في قصيدة ذكرياتي: سوف لا تبرح في ذكرياتي فهي رمز لبقائي وحياتي كم بها القى مُحبٌ شوقه أنطَقَ الوجد بأغلى صفحاتي كم بها أذكر دنيا طفلةٍ تُضحك القلب بمعسول النكات لا ترى الدنيا سوى أفراحها خلقت للأنس تِلو الفتيات ذكريات لفتاة أصبحت زهرة ناضرة في الزهرات تمسك الدرس بشوق لاعجٍ ... مُطلق يفتح أُفْق الجاهلات ولا عجب في أن تكون سلطانة في ذلك العمر المبكر ادركت معنى الدرس والأفق والجاهلات فوالدها عبدالعزيز السديري - أمير القريات سابقاً - كان رجلاً عاشقاً للعلم والمعرفة، وهو أول من طالب بفتح مدرسة لتعليم البنات، وكانت تتوافر فيه بيته كتب الأدب والشعر. وكان وفر لأبنائه وبناته مدرسين لتعليمهم، كما كان يتردد مع عائلته على بيروت والأردن، الأمر الذي وفر لسلطانة جواً من الانفتاح والمعرفة، وعرفت اختلاف الثقافات وتمازجها، ورأت أن الإنسان العاقل يأخذ الأصلح من كل ثقافة. وسلطانة ليست شاعرة فقط بل ناشطة اجتماعية محبة للعمل الخيري منذ شبابها، وقد عملت في بدايات نشاطها في جمعية النهضة، ثم استقلت فيما بعد وعملت رئيسة لجمعية الوفاء الخيري، التي وجدت فيها متنفساً لمشاعرها الفياضة بالحب والعطاء، بمساعدة المحتاجين ومعالجة المرضى وتبني الأسر المعوزة، وتعليم النساء والفتيات وتدريبهن على أمور المنزل والتربية. لذا لم تكن تلك الشاعرة الارستقراطية التي تحيا في برجها العاجي، بعيدة عن الناس، كل همها ماذا قال المعجبون عن شعرها، بل كانت وما زالت المرأة البسيطة القريبة من القلب... والمتفهمة لظروف مختلف أطياف المجتمع السعودي، فهي إنسانة ذكية، لماحة، سريعة البديهة، قارئة جيدة للوجوه والملامح وشاعرة بما تكنه القلوب والنفوس. والجلوس معها ومصاحبتها متعة كبيرة فهي إلى جانب ذكائها وثقافتها تمتلك حساً كوميدياً مميزاً وذات ظرف ولطف... بحيث لا يمل جلساؤها صحبتها، وقد تدمع عيون صديقاتها من الضحك حتى على أقسى الذكريات وأشدها مرارة. ومن المؤكد أن حياتها في الشمال أثّرت فيها تأثيراً بالغاً، وكثيراً ما سمعتها تقول حناً الشماليين لذلك إلى فكرها وشاعريتها يجدها الإنسان متواضعة ومرحة. من شاعريتها الفياضة أتذكّر هذه الأبيات: هاجت الذكرى وأضواني الظلام من له في الحب نجوى لا ينام كلما لاح لعيني رسمه زاد وجدي وشجوني والسقام يا فؤادي ماورا اسرابه غير نارٍ تجعل القلب"ضرام" وتتفجّر معاناتها مع الحياة أبياتاً مفعمة بالشاعرية تقول بالشعبي: أتعس عبيد الله قلبٍ بصدري يحمل أسى غيري ويحمل أسايا وصلّتني يا قلب للهم وادري إنك سبب حزني وكثرة شقايا شيبت قبل الوقت شيبت بدري دنيا عجيبة ضاع فيها رجايا فاض الصبر يا ناس والعمر يجري توقفت طاقات صبري معايا. ومن لقطاتها المميزة نقرأ هذين البيتين الرائعين: بعيداً بعيداً مكثت هناك بكوخٍ على البحر خلف الرذاذ بدربٍ بعيدٍ جفاه المشاة وجدت السكينة لي والملاذ وعن وطنها المملكة العربية السعودية تقول بمحبة متدفقة بلا تكلّف: بيني وبينك يا بلادي مواعيد ما تنتهي حتى نهاية حياتي ياديرتي يا ديرة المجد والخير مجدك مع الأجيال بالخير ياتي أما عن ابنتها ندى وابنها فهد فتقول وهي مسافرة في رحلة علاج: وسط الرياض الغالية لي حبيبين نَدا وفهَد هُمَّ سعادة عيوني أمسى الضحى فارقتهم يوم الاثنين قلبي عصف به شوق من فارقوني باريس في عيني غدت كلها شين شوقي شديد ودايماً كلموني. هذه نماذج من شعر سلطانة السديري وسيرتها الذاتية: حكاية امرأة نجدية سكنت الشمال الذي فتح لها باباً إلى العالم وفتح للعالم بابه إليها... وبالنسبة لي تظل سلطانة مع كل وضوحها وبساطتها سراً... فكيف استطاعت في عام 1956 أن تُصدر ديوان شعر؟!. وكيف قالت كل ما قالت بجرأة. وشجاعة؟! وكيف تقبّل أهل البيت من حولها ذلك؟ سؤال لعله يفتح باباً للنقاش في صالون لا يهدأ، ألا وهو: هل المجتمع حقاً... لا يقبل حضور المرأة الشاعرة وعملها الاجتماعي ونشاطها الثقافي أم أن المرأة هي الكسولة التي توافرت لها الحجج الجاهزة للتراخي؟ ومع سلطانة أتمنى أن تنضم إلى النقاش بقية الشاعرات السديريات... ريمة وجواهر وغيرهما. لماذا هذه الأسرة النجدية وحدها تميزت بذلك؟ علماً أن جواهر السديري تربّت في الشمال... وريمة والدتها شمالية.