يتضح من تسمية القرينة أنها تعني المصاحبة، وهي مأخوذة من المقارنة، وقد تقوى أو تضعف دلالتها بحيث تصبح القرينة قاطعة عند قوتها، وبسيطة عند ضعفها، والفطنة وقوة الاجتهاد هما المرجع في ضبط القرينة، وقد ورد تعريف في مجلة الأحكام العدلية للقرائن على أنها "هي الأدلة التي يستنبطها القاضي من وقائع الدعوى وأحوالها باجتهاده، وأعمال فكرته وترجع في حقيقتها إلى قوة الذهن وبراعة المجتهد ووضوح الواقع"، وقد جاء في القرينة في مجلة الأحكام القضائية السودانية أن يشترط للأخذ بها أن تكون قاطعة في طبيعتها، بحيث يمتنع معها أي تعليل آخر سوى جرم المتهم. وقد أورد المشرع السوداني في المادة 50 1-2 من قانون الإثبات لعام 1983 حصراً للقرائن القانونية وهي قسم من أقسام القرينة على أنها هي" بينة الخبير، أو قصاص الأثر، وكذلك بينة خبير الخطوط والبصمة وبينة الشريك وبينة المحتضر"، كما أن القرينة القانونية قد تكون قاطعة لا تقبل إثبات عكسها، أو تكون بسيطة، ولصاحب المصلحة إثبات عكسها، أي أن أثرها يقتصر على مجرد نقل عبء الإثبات. وقد جاء في القانون نفسه في مواده في الباب السابع 52-54 أن "القرينة هي استنباط أمر غير ثابت من أمر ثابت بناء على الغالب من الأحوال، وان القرينة تكون قانونية أو قضائية، فأما القرينة القانونية فبالدليل العكسي ما لم يوجد نص يقضي بغير ذلك، وأما القرينة القضائية ففي الأحوال التي تقبل فيها الشهادة يكون للقاضي أن يستنبط من وقائع الدعوى وظروفها وملابساتها أية قرينة لم يقررها القانون ويكون لها دلالة معينة في البينات". عليه فإن القانون يحدد قرائن محصورة تسمى بالقرائن القانونية، وهي قرائن لا يجوز الإثبات بها إلا في الأحوال التي رسمها القانون، وقد جاء تعريف القرينة بحسب التقنين المدني الفرنسي "أن القرائن بوجه عام هي النتائج التي يستخلصها القانون أو القاضي من واقعة معلومة لمعرفة واقعة مجهولة، أما من حيث التقسيم الذي جاء على أنواع مختلفة، فإن القرائن القانونية هي تلك القرائن التي تذهب على حد الإعفاء من الإثبات، إذ إن وجودها لا يحتاج إلى دليل آخر حول الواقعة". وتسمى القرينة قرينة قضائية إذا كانت نتاج استخلاصها بواسطة القاضي في معرض نظرة للدعوى وظروف وملابسات القضية، وهنالك عنصران في القرينة القضائية حسبما جاء في الوسيط عبدالرازق السنهوري، هما أن القرينة واقعة ثابتة يختارها القاضي من بين وقائع الدعوى، وتسمى هذه الواقعة بالدلائل، أو الإمارات، وهذا هو العنصر المادي للقرينة، وأنها عملية استنباط يقوم بها القاضي ليصل من هذه الواقعة الثابتة إلى الواقعة المراد إثباتها، وهذا هو العنصر المعنوي للقرينة، وتعتبر سلطة القاضي واسعة في استنباط القرائن القضائية. يذكر أن القرائن القانونية ليست في الأصل إلا قرينة قضائية تواترت واطراد وقوعها فاستقر عليها القضاء، ومن ثم أصبحت هذه القرينة متغيرة الدلالة من قضية إلى أخرى، لذا قام المشرع القانوني بتنظيمها لتصبح قرينة قانونية، وتعتبر القرينة بينة غير مباشرة، أي أنها ليست كالإقرار والشهادة والكتابة... إلخ، ويعرف المتأخرون من الفقهاء القرينة بأنها أمر يشير إلى المطلوب، ويعنون بذلك تلك الإشارة غير المباشرة بل هي الإشارة الاستنتاجية من أعمال الفكر والنظر والمقارنة، وفي ما يتعلق بالأمر يجدر بنا الإشارة إلى التقسيم المفيد الذي أورده الدكتور عبدالله بن سليمان بن محمد العجلان في كتابه "القضاء بالقرائن المعاصرة"، من أن أقسام القرائن هي القرائن النصية، أي تلك التي نص عليها الشارع الحكيم في القرآن الكريم أو تلك التي جاءت في السنة النبوية المطهرة والمثال من القرآن الكريم هو قول الله تعالى:"... إن كان قميصه قد من قبل فصدقت وهو من الكاذبين" 26، "وان كان قميصه قد من دبر فكذبت وهو من الصادقين"، - الآيات - فقد جعل الله تعالى شق القميص من الخلف قرينة على صدق يوسف، وكذب امرأة العزيز، وكذلك قوله تعالى: "إن في ذلك آيات للمتوسمين" ? الآية - والوسم هو العلامة التي يستدل بها على مطلوب غيرها. والقسم الثاني من القرائن هو القرائن الفقهية، وهي القرائن التي استنبطها الفقهاء باجتهاداتهم، واستدلوا بها في كثير من الأحكام، ومثال ذلك منع المدين المفلس من التصرف في ماله المحجور عليه، وذلك قرينة على سوء القصد، وهنالك قسم ثالث هو القرائن القضائية، وهي القرائن التي يستنبطها القاضي بفطنته وذكائه خلال سماعه للدعوى، ونظره في الظروف المحيطة بها، وذلك من غير أن يكون هنالك نص من الكتاب أو السنة ورد بشأن الواقعة... فالقاضي على كل حال ليس بمشرع وإنما مجتهد إن كان هنالك مقتضى للاجتهاد، وهنالك مفهوم بقطعية وعدم قطعية القرينة، ويعني ذلك أن القرينة قد تكون قاطعة في دلالتها لما أشارت إليه، وهي قرينة غير قابلة لإثبات عكسها وهي قرينة تدعو للاطمئنان بشأن الحكم الصادر بموجبها، أما القرينة غير القاطعة وهي ما اصطلح على تسميتها بالقرينة الضعيفة أو البسيطة فهي قابلة لإثبات عكسها بل هي في حاجة لبينات أخرى تعضدها أو تساندها في الإثبات ولكي تكسبها الحجية، ومن البديهي أن العمل بالقرائن لا يكون إلا في حال عدم وجود الدليل المباشر في إثبات الدعوى وأن القرينة هي أدلة غير مباشرة في إثبات الدعوى، ودعا إليها خفاء أدلة الوقائع في كثير من الأحيان. عاطف بشير الحاج - مستشار قانوني [email protected]