ما من أحد يُشعرني بضعف التعليم لدينا سوى ابنتي الصغيرة، والسبب أنني جعلتها قارئة درجة أولى ومتصفحة"إنترنت"لكل أنواع المواضيع العلمية، الأمر الذي جعلها مطلعة على كل ما هو متطور في المراحل التعليمية، وصورت في خيالها الخصب المدرسة الوردية وحلاوة تلقي الدروس، واستمتاعها بجو من الحب بينها وبين المعلمات، كالذي يحصل مع شخصية"بارني"الذي يشرح الدروس في جو من المرح، ولكن اصطدام الحلم بالواقع المر في مدارسنا أصابها بالإحباط والتردد في الذهاب إلى المدرسة في معظم الأحيان، والسبب الذي استنتجه ان ابنتي تحتاج إلى جو دراسي نموذجي ومواد تشغل العقل، لا حفظ وحفظ، وتلقين، إضافة إلى روتين التسلط الذي يميت القلب ويجيب الهم من التربويات. كما لاحظت أن الفرق بين المدارس الخاصة والحكومية هو تبسيط المادة والمعاملة الحسنة فقط، وبما أنني لا أملك ابتعاث ابنتي للمدارس العالمية لترقى بمعلوماتها إلى عقلية ابنتي ولا مصاريف المدارس الخاصة، حاولت خلق جو ودي بين ابنتي والمدرسة، لكن من دون فائدة، لأن ليس بأيديهم تطوير المناهج وثقافة العطاء التربوي، الأمر الذي جعلني أدور في حلقة مفرغة وكيفية السبيل للخروج من هذا المأزق، لدرجة انني في بعض الأحيان أخبرها بأن هذا هو تعليمنا ولابد من المذاكرة والحفظ لإحراز أعلى الدرجات حتى تدخل أفضل الجامعات. على رغم علمي بأن معظم خريجي الثانوية العامة في بيوتهم أو يدخلون تخصصات غير راغبين فيها سوى أنها المتوافرة فقط ولا تفي بحاجة سوق العمل، فتوصلت إلى حل عله يمد جسراً بيني وبينها، وتحاورت معها للوصول إلى حل مرضٍ، فسألتها ماذا تريدين ان تصبحي مستقبلاً، أجابتني واثقة من نفسها"عالمة بحار"أو"عالمة فضاء"، لأن هذين التخصصين يفتقدهما العالم العربي، تمالكت أعصابي حتى لا أشد شعري، وبابتسامة صفراء قلت لها ولماذا هذين التخصصين بالذات، وأين ستدرسين أياً منهما، قالت عندما أتخرج سأطلب بعثة للخارج، ولكن لابد من تنمية اطلاعي على كل ما يخصهما من معلومات، وبما ان المدرسة لا تخرجنا فاهمين لغة إنكليزية ولا شيء سوى معرفة القراءة والكتابة، فإنني اعتبر تلك المراحل الدراسية مضيعة للوقت لأنها قديمة ومعلومات عفا عليها الدهر. قلت في نفسي هذه أفكار مراهقة ستصبح ذكريات في ما بعد، والحل هو مجاراتها في أحلامها لحين التخرج، لعل في زمانها تتغير الأحوال المدرسية، وتوصلت إلى حل مرضٍ نوعاً ما بأني أتولى حل الواجبات المدرسية - المهدرة للوقت في نظرها - وهي تذاكر دروسها، ثم تمارس هوايتها واطلاعاتها. ولتعويضها المعرفي في حب الفلك ذهبت معها إلى"سايتك"مركز الأمير سلطان للعلوم والتقنية في الخبر واستمتعت بالعروض، لكنها فوجئت بالمنع من المشاهدة بالمرصاد الفلكي لأنه مخصص للمختصين فقط! وما زاد الطين بلة هو عدم إتاحة جمعية الفلك في"الشرقية"للفتيات بالتعرف على تلك المعلومات الفضائية، لتنظر لي ابنتي وكأنني السبب في عدم إتاحة الفرصة لطلب العلم لها في أي مكان في العالم. لذلك عوضتها بأي شيء يتعلق بالبحار، فأصبحنا أصدقاء دائمين لقرية الدلفين في الدمام لدرجة حفظي للعروض أفضل من أصحابها، ولكن ابنتي لا تكل ولا تمل بل تعلقت بالدلفين وبأسد البحر، لدرجة إصرارها على دراسة الطب البيطري لمعالجة هذين المخلوقين فقط، أو تتزوج المدرب الروسي مستقبلاً، حتى يتيح لها الفرصة لبقائها مع الدلفين طول العمر، لكني أصحح لها المعلومات بين فترة وأخرى واشتريت لها كل ما يتعلق بالبحار، لكن الحلم شيء وتحقيقه شيء آخر. لذلك تأجج الصراع بيننا بسبب ورود خبر قرأته ابنتي في مجلة"ماجد"المخصصة للأطفال، يقول هذا الخبر ان هناك مليون تلميذ يعيشون حياة كاملة في أعماق البحار، بفضل مشروع علمي كبير ينفذ في الولاياتالمتحدة يعتمد على تكنولوجيا متقدمة جداً، فكل مجموعة من التلاميذ داخل فصولها تعيش حياة كاملة في البحر، تتحدث مع الغواصين وتستمع إلى وصف الأنواع المختلفة من الكائنات البحرية، تسأل وتحصل على الإجابة وكأنها تعيش بالفعل مع خبراء البحار!! لم احتمل نظرات ابنتي لي بعد قراءتها هذا الخبر، ولعدم الإحراج سألتها أين واجبات اليوم؟ [email protected]