أسر خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز في مطلع العام 2005 شعب بولندا وقادتها وكثيراً من زعمائها الوطنيين، كانت بالنسبة لهم المرة الأولى التي يسمعون فيها عن مبادرة إنسانية من هذا النوع التي يتجلى فيها النبل الإنساني. إذ استجاب الملك عبدالله لمعاناة والدي الطفلتين السياميتين أولغا و داريا اللتان ولدتا ملتصقتين في نهاية العام 2003، وفي مطلع 2005 عم الفرح الرأي العام البولندي بعد أن عرف من خلال وسائل إعلامه بنجاح فريق طبي سعودي في العاصمة الرياض من فصل توأمين اشتركا جسدياً لمسافة 15 سنتيمتر طوال أكثر من عام، وما مر على أسرتهما من مكابدة نشرت عنها الصحف البولندية أولاً بأول لندرة الحالة التي خلقتا بها الطفلتين. والمثير بالنسبة للرأي العام البولندي، ومن ورائه الرأي العام الأوروبي، أن وقائع وصول نبأ حالة الطفلتين إلى مسامع الملك السعودي الأمير في حينها جاءت من طريق الصدفة، إذ كان أعضاء من الفريق الطبي السعودي المتخصص في إجراء عمليات ناجحة لهذا النوع من حالات الولادة المصابة بالالتصاق الجسدي، يتجولون في الإنترنت حينما شدهم الانتباه إلى حالة الطفلتين. أبلغ قائد الفريق الدكتور عبدالله الربيعة الملك عبدالله، عندما كان ولياً للعهد، فاستجاب فوراً لاقتراح الفريق الطبي، ووجه بالاتصال بعائلة الطفلتين، وإبلاغهم بقراره التكفل بمصاريف العملية وسفر الأسرة من وإلى الرياض. وكانت"مفاجأة شديدة السرور"على والدي الطفلتين بعد أن تأكدا أن الاتصال الذي وردهما هو بالفعل من جهة حينما تقول تفعل. وفي هذا السياق، قرر أعضاء جمعية اللجنة الدولية لما يسمى ب"وسام الابتسامة"منح خادم الحرمين الشريفين وسام الابتسامة بعد أن تقدمت اللجنة إلى الحكومة البولندية بطلب تقليد الملك عبدالله الوسام خلال زيارته الحالية لوارسو. وهي لجنة بولندية - دولية صارمة المعايير فيما يتعلق بمن يمنحون الأطفال أياً كان دينهم أو جنسهم أو عرقهم إشراقة الابتسامة وانتشالهم من المواقف العصيبة. ويعتبره البولنديون وساماً فريداً من نوعه حول العالم ويرمز لمعاني الحب والصداقة. وهو بمثابة عرفان يمنحه أطفال العالم للكبار الذين أبدوا مشاعر الحب والصدق والصبر. وكان من المفترض أن يمنح للملك عبدالله بعد نجاح العملية في مطلع 2005 حينما كان ولياً للعهد. وتعود أسباب هذه الحفاوة الهائلة بنجاح عملية فصل التوأم البولندي، إلى المبادرة السعودية غير المتوقعة بالنسبة للشعب البولندي الذي عاش طويلاً تحت أتون الحكم الشيوعي الصارم، ولسبب إغلاق مراكز الطب الأوروبية أبوابها في وجه عائلة الطفلتين ما لم يتحملوا مصاريف العملية المعقدة، إضافة إلى ذهول المجتمع الطبي الأوربي بقدرة فريق سعودي من أمهر الجراحين على إدارة العملية الشائكة وإتمامها بنجاح بمستوى عالٍ من الأمان طبياً. ولأن والدا الفتاتين طافا أروقة الطب حول العالم بحثاً عن مخرج، أصيبا بحالة أقرب إلى القنوط بعد أن فرحا قليلاً أن هناك حلاً جراحياً لمشكلة طفلتيهما. لكن ما هو الثمن؟ كان الثمن باهظاً. بعد مراعاة ظروف الأسرة البسيطة، فإن أقل كلفة هي 1.6 مليون دولار، بحسب أسعار الطب الأميركي الوحيد القادر على تنفيذ العملية. كانت عملية معقدة غاية التعقيد، وأكثرها خطورة، وتطلباً لروح المغامرة والقبول بالجرأة الطبية من خلال الخضوع لجراحة تمتد معظم ساعات اليوم. وبدأت أياد طبية سعودية مؤهلة بالتوكل على الله ثم الشروع في تحقيق معجزة طبية. كانت الفتاتان تشتركان في عمود فقري واحد، وجزء من الأمعاء الغليظة وفتحة الشرج. وطبقاً لما نشرته مجلة الحرس الوطني، فإن وسائل الإعلام البولندية تحدثت كثيراً عن العمل الإنساني الذي وجه به الملك عبدالله، حينما كان ولياً للعهد، وتكفله بإجراء عملية فصل للتوأم السيامي البولندي على نفقته الخاصة في مدينة الملك عبدالعزيز الطبية للحرس الوطني في الرياض. وقالت المجلة، إن صحيفة"غازيتا فيبو رتشا"واسعة الانتشار أجرت حواراً مع السفير البولندي في الرياض أثنى خلالها على صاحب المبادرة الإنسانية وعلى تكفله بإجراء العملية على نفقته الخاصة. كما أشار إلى تكفل الأمير الملك حالياً عبدالله بإجراء عمليات سابقة لتوائم سيامية من بلدان مختلفة جميعها تكللت بالنجاح. وتحت عنوان - الأمير المنقذ - تحدثت صحيفة"ميترو"عن تكفل ولي العهد السعودي بإجراء العملية وكتبت على غلاف الصحيفة:"سينقذنا الأمير"وبجانبها صورة للطفلتين التوأم وقالت الصحيفة:"المعجزات تحدث.. أخيراً ستُجرى للتوأم السيامي عملية لفصلهما وسيقوم ولي العهد السعودي الأمير عبدالله الملك حالياً الذي تأثر بمصير الطفلتين بتغطية جميع تكاليف العملية. ولا تزال السيدة والدة التوأم لا تصدق ما حدث لهما. وفجأة حدثت معجزة. فقد قرأ أطباء من المستشفى في الرياض معلومة عن حالة أولغا و داريا في إحدى مجموعات الحوار على شبكة الإنترنت واتصلوا على الفور بعائلة الأم. ويقول خال الطفلتين: طلبوا منا إرسال نتائج التحاليل والفحوصات الطبية الخاصة بالطفلتين وبعد ذلك بعدة ساعات استلمنا رسالة بالبريد الإلكتروني بأن المركز الطبي في الرياض يوجه لنا الدعوة للمجيء وإجراء الفحوصات للعملية وسيقوم ولي عهد السعودية بتغطية التكاليف كافة". من جانبها، أوردت صحيفة"تريبوتا"واسعة الانتشار تقريراً مطولاً حول الأمير عبدالله بعنوان -السياسي المتنور- تناولت فيه سيرته منذ الولادة والمناصب التي تقلدها ومبادراته السياسية والديبلوماسية، حيث ذكرت الصحيفة أن الملك عبدالله حالياً أصلح مرات عدة بين الدول العربية المتنازعة وقالت الصحيفة إن الأمير عبدالله مولع بجمع الكتب وأنه أمر بتأسيس مكتبة عامة في الرياض وأنه يشرف على الكثير من الفعاليات الثقافية في المملكة والدول العربية". كما تحدثت صحيفة"إكسبرس بيد غوسكي"عن الاهتمام الكبير الذي حظي به التوأم من قبل الأمير عبدالله وأنة أبدى رغبة كبيرة في تمويل هذه العملية الجراحية المكلفة جداً والتي تقرر أن تجرى في الرياض. وواصلت الصحافة البولندية متابعتها للموضوع. إذ قالت صحيفة"جيتشة فار شافا"تحت عنوان - الأمير السعودي سيساعد التوأم السيامي-، سيقوم ولي العهد السعودي بتمويل عملية فصل التوأم وبفضل سخاء الأمير السعودي ستغادر الأختان السياميتان الملتصقتان بعامودهم الفقري إلى الرياض. وأوردت الصحيفة تصريحاً لوالدة التوأم تقول فيها: أنا واثقة من نجاح العملية الجراحية". كما ألقت الصحيفة الضوء على مدينة الملك عبدالعزيز الطبية للحرس في الرياض وقالت تحت عنوان"مستشفى كالقلعة": يعتبر المستشفى جزء من المجمع الطبي التابع للحرس الوطني السعودي وقد أجريت في هذا المستشفى عمليات جراحية ناجحة لفصل التوائم، وأضافت الصحيفة: إن آخر عملية أجريت قبل أشهر قليلة وتم حينها فصل طفلتين متلاصقتين من الفلبين. كما تحدثت وكالات الأنباء البولندية مطولاً عن مكرمة ولي العهد وتكفله بعملية فصل التوأم البولندي. من جهة أخرى عقد سفير خادم الحرمين الشريفين في بولندا أسامة بن أحمد السنوسي حل محله السفير محمد البريك مؤتمراً صحافياً خاصاً في المطار قبيل مغادرة التوأم البولندي إلى السعودية حضرته مختلف وسائل الإعلام البولندية للحديث حول عملية الفصل، والطريقة الإنسانية التي ألتقط فيها أمر معاناة أسرة الطفلتين.