في حين تتوسع عيون المرصد العالمي لحقوق الإنسان على منطقتنا العربية، فإن ما تتجاذبه المنظمات المعنية بحقوق الإنسان ذات الوجه الإنساني والقلب السياسي، ليس بالضرورة أن يكون من الصواب بمكان في شتى الحالات أو الانتهاكات، ولكن هذا لا يعني أيضاً أن منطقتنا العربية والخليجية، بأي حال من الأحوال، محصنة من هذه الانتهاكات... وهذا حديث يطول تأتيك السياسة العربية فيه بالخبر اليقين! أما ما يثيرني في هذا الاتجاه هو حال الإغفاء التي تمارسها بعض المؤسسات الحكومية تجاه مواطنيها، وأشدد أنها مؤسسات وليست أنظمة، لأن النظام الذي لا يقيم وزناً لمواطنيه هو نظام استعباد واستبداد، وهذا للحق تبرأ منه منطقتنا العربية، ولكنها تعيش حال الإغفاء السابقة بسبب ما تمنحه هذه الأنظمة لمؤسساتها من سلطة تستغل للتهميش وانتقاص الحقوق، والإقصاء والضرب فوق وتحت الحزام. هذا التصوير لمشهد غياب وتغييب الحقوق ليس جديداً، لكن الجديد فيه تعامل هذه السلطات مع من يطالب بحقه تحت تهم جاهزة، تبدأ بإطالة اللسان، وتنتهي بالتهور مع حكم جاهز بسحب ولائه... وكأن الولاء لرموز المؤسسات والقائمين عليها!! المواطن العربي في ظل هذه السياسات اللاحقوقية يعيش حالة من التراجع الولائي، لأنه بفقدان حقه من جهاز الدولة يسعى للحصول عليه من خلال ائتلاف طائفي أو حزبي أو قبلي، فتنتشر أقطاب جديدة على ساحة المواطنة، تنذر بخراب يسهل بعده إعدام المواطنة على مقصلة أعداء الخارج. المعضلة الكبرى في هذا الاتجاه أيضاً أن السياسات المبنية على احترام ما حول المواطن لا المواطن تقود مواطننا إلى التخبط الذي لا يلام عليه والذي يصفه السلطويون بالتهور... وهم في الأساس سببه الرئيس، لأنهم يتعاملون مع صاحب الحقوق على أساس أنه يجهل ماذا يريد... تماماً كمن ذهب إلى سوق الخضار ليبتاع برتقالاً بلدياً، فإذا ما سأل عن جودته أجابه صانع القرار في السوق أن التفاح الذي لديه أميركي 100 في المئة، وشتان بين البرتقال البلدي والتفاح الأميركي! في تراثنا قالوا:"الإنسان اللي ماله لسان يأكله الخنفسان"، من هنا تجد مواطننا يتحدث صارخاً مطالباً بحقوقه خوفاً من أن تضيع، وحرصاً على إيصالها قبل أن يقضم الخنفسان لسانه!!... ولكن ما الذي دعاه إلى ذلك!... الإجابة في أوراق آلاف القضايا الحقوقية التي أصفرت على طاولات المسؤولين بين تسويف وربط خاطئ واستنتاج رديء!! المطالبة بالحق جزء من ثقافة المواطنة، والإلحاح في المطالبة فيه جزء من ثقافة الانتماء، والإصرار على تحصيله جزء من ثقافة المسؤولية... أما السياسات اللاحقوقية فهي بلا شك هدم لكل هذه الثقافات، ليبقى السؤال ما قيمة الوطن من دون مواطنة وانتماء ومسؤولية؟! هذه السطور دعوة إلى التفكير في كل ما من شأنه أن يعزز ويعمق نسق الوطن للجميع... بعد أن نسأل من هم الجميع؟ جميع صنّاع القرار؟! أم جميع المسؤولين؟! أم جميع المستفيدين من هباته الكثر؟! الدعوة للتفكير عامة... أما الدعوة للتغيير فهي خاصة... وخاصة جداً. أ. د. محمد بن حمود الطريقي المشرف العام على مركز أبحاث الشرق الأوسط للتنمية الإنسانية وحقوق الإنسان