خلدت إلى فراشي ككل ليلة لأجتمع أنا وهمومي فألومها لأنها لا تفارقني، وإن فارقتني فسرعان ما تأتي إلي وتعود بوجه جديد على شكل تهميش مرة، وإقصاء مقصود مرة أخرى، وخسارة لرهان تكافؤ الفرص مرة ثالثة، في حين تلومني هي على اهتماماتي الجماعية وانشغالي بشأن المعوقين والضعفاء على حساب صحتي ووضعي المادي والأسري. الطريف أني أتهرب منها كل ليلة بالاستماع إلى المذياع على موجتنا الوطنية معزياً نفسي أني بين اللحظة والأخرى سأسمع خبراً يقول إن براءة اختراعي العالمية التي حصلت على وسام الملك عبدالعزيز من يد خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز يحفظه الله ستجد مكانها الملائم بعدما اختنقت من عرضها على طاولات المعارض العالمية، وملت التصفيق لها من دون أن تكون واقعاً يخدم المعوقين والضعفاء.. فيرد الاعتبار لها ولي. ولا أخفيكم أن الليلة الماضية كانت بلسماً علي بعدما أخذني النوم بعد صلاة الفجر إلى حلم جميل أجلس فيه بين يدي أمير الرياض وراعي نهضتها الأمير سلمان بن عبدالعزيز آل سعود يحفظه الله وهو يشرق لي بابتسامات الرضا التي تغني عن كل الهموم التي تجالسني كل ليلة. الاتصال الذي جاءني صباحاً، والذي عرفت من خلاله أن جامعة الملك سعود قررت تكريمي مع بعض الزملاء الرواد في هذه الجامعة الرائدة ضمن احتفالات تخريج الدفعة ال "46" برعاية الأمير سلمان بن عبدالعزيز، كان الصحوة من حلم جميل على واقع أجمل بعدما تلفظت الآه عشرات المرات .. جامعة الملك سعود !!! كم كان يؤلمني أن أجد التكريم دائماً مفتوحاً أمامي في الجامعات العربية والإقليمية بل والعالمية، في حين أجدني دائماً مغيباً عن جامعتي الحبيبة جامعة الملك سعود. كما كان غائراً جدا الجرح الذي أصابني وأنا أفارقها مرغماً بالتقاعد الباكر بعدما رفض التفرغ العلمي لي لإكمال مشاريعي البحثية والعلمية والخدمية لأجل المستضعفين في كل مكان باسم مملكة الإنسانية. كم كان صعباً أن يكون يوم 25 من كل شهر ميلادي، يوماً قاسياً علي فهو موعد التزاماتي الشهرية لأقساط مديونية تراكمت في وسط زحام اللامبالاة والتهميش من بعض الجهات والتي لو صرفت في إطارها الحقوقي لكان يوم 25 من كل شهر هو أسعد أيام حياتي!! لقد تزاحمت هذه الأفكار في رأسي بعدما أوشك النسيان أن يراودني عن جملة الأوليات التي تربطني بهذه الجامعة... أول سعودي في مجال هندسة تقويم الأعضاء وتأهيل المعوقين، وأول عضو هيئة تدريس سعودي يحصل درجة الأستاذية بروفيسور في تخصصه على ملاك كلية العلوم الطبية التطبيقية في الجامعة، بل وأول عضو هيئة تدريس سعودي يعين في الكلية، وأول متخصص في هذا المجال الدقيق في المملكة، وتمتد الأوليات إلى المنطقة بكاملها، ولا شك أنها أولية بريادة أحمد الله عليها وأدين بفضلها لربي ثم للمخلصين من أبناء الوطن قادة ومعلمين وأسرة وزملاء وأصدقاء، ولكن هذا الأول يعاني أنه ليس أولاً في حفظ مكانته العملية والعملية، وليس أولاً في استثمار قدراته من المسؤولين الحاذقين الذين يرون الأولويات على شكل آخر، وليس أولاً في حقه العيش محفوظ الكرامة، يملك مساحات الفرص المتكافئة ومساواة ليس بمن مثله بل بمن هم أدنى منه علماً وعملاً.. والأصعب من ذلك أنهم بلا أوليات!! الهم الذي يعايشني هو اعتبارات أن يكون الرواد في مواقعهم الحقيقية، بحيث تحيد تماماً الاعتبارات السياسية التي تخضع لمقادير الإرث التاريخي والتركيب الاجتماعي، وحتى اعتبارات المناخ وأحوال الطقس في موقع ما عن آخر، وتحيد الإرادات الشخصية للمنتقدين الذين يعتبرون مواقع صنع القرار تقوم على أسلوب المحاصصة في شتى المواقع وفي مقدمها مواقعنا الجامعية، وبعد كل هذا وذاك يسأل سائل: ما سبب تأخرنا في تصنيف الجامعات العالمية؟! شكراً لبادرة الدكتور عبدالله العثمان مدير جامعة الملك سعود بهذا التكريم، وهي بداية مبشرة له في موقعه الجديد بكل خير، أما سلمان بن عبدالعزيز فهذا الأمير لا استطيع بأي شكل من الأشكال أن أكتب عنه، ومرد ذلك أن شهادة الابن في أبيه دائماً مجروحة!! إلى أسد العهد الجديد وولي عهده الأمين... الأصل في إنجازات الريادة... وإلى كل المخلصين الذين تقشعر أبدانهم إذا ما شعروا بأن ظلماً يحوق بأبناء الوطن، وإلى كل المستبشرين بالخير... أقول الخير قادم لا نفطاً ولا ذهباً ولا أسهماً بل حقاً ومساواة وعدلاً... وهذا الخير الحقيقي. أ.د. محمد بن حمود الطريقي - الرياض