المتابع لمسيرة المؤسسة العامة للتقاعد خلال السنوات الماضية، وما قامت وتقوم به من إنجازات جبارة وملموسة من حيث تغيير النهج التعاملي مع المتقاعدين في المقام الأول، وتسهيل معاملاتهم التي كانت تأخذ شهوراً من التسويف والتأخير، وما كان يلاقيه المواطن، عسكرياً كان أو مدنياً, من مشقة وعناء في مراجعة هذه الإدارة من اجل إنجاز معاملته التي كانت تدور في حلقة مفرغة ومن موظف لآخر ومن إدارة لأخرى، ولا من الفزعة والواسطة إلى أن يفرجها رب العالمين، لا بد أن يشيد بمنهجها العملي الحالي. فالآن أي شخص يحال إلى التقاعد لا يستغرق من الوقت إلا ساعات قليلة، إن لم تكن ساعة واحدة لإنهاء معاملته، وهذا لم يحصل من فراغ وإنما عندما تسند الأمور لرجل مخلص نظيف، واضعاً أمام عينيه مخافة الله في المقام الأول، والحفاظ على أموال من افنوا عمرهم في خدمة دينهم وملكهم ووطنهم، بدأ عمله بالقضاء على الفساد المستشري في مؤسسته قضاءً تاماً، حيث كانت بعض رواتب التقاعد تصرف في غير محلها، ولم يعد هناك تعامل بأوراق أو مخاطبات تمتلئ بها الملفات وتضيع بوجودها حقوق كثيرة لا يعلمها إلا الله سبحانه، وعندما صدقت النية ووضعت الأمور في نصابها, صلح حالها وتوجهاتها لما فيه خير للمتقاعد وللوطن وبدأت الايجابيات تلمس على ارض الواقع... فها هي مشاريعها وانجازاتها واستثماراتها الجبارة واقع حقيقي في كل المجالات، من مجمعات سكنية واستثمارات عقارية وخلافه، وكان ختامها مسكاً ألا وهو مدينة الملك عبدالله الاقتصادية، هذا المشروع الهائل الذي سيزيد الرياض حسناً وجمالاً، ولكونها أول مدينة اقتصادية متكاملة تحتوي بورصة مضاربات مالية فريدة من نوعها وناطحات سحاب ومبانٍ خاصة بالبنوك وغيرها، ولأن الجميع شاهد خادم الحرمين الشريفين-حفظه الله- وهو يضغط بيده الكريمة أخيراً إيذاناً بالبدء في هذا المشروع وغيره من مشاريع الخير، لكي تكون بلدنا في مصاف الدول المتقدمة في كل المجالات. نحن في حاجة لرجال يخلصون لله ولوطنهم، وينفذون توجيهات ولي الأمر الذي لم يألُ جهداً بالنصح والتوجيه والأمر، دائماً وابداً وفي كل مناسبة بالإسراع على إنجاز معاملات المواطنين كل في مجاله. إننا إذا لم نخلص النية والبعد عن البيروقراطية وحب الذات، وإذا لم نركز على تصحيح الأوضاع والقضاء على الروتين القديم المتبع في كل جهاز من أجهزة الدولة بكل صدق وإخلاص وأمانة، وبعيداً تعطيل مصالح المواطن وحقوقه بكثرة التسويف وعدم المبالاة، فلن تقوم لنا قائمة... وفي مقدم الجميع المحاكم الشرعية التي تعج بآلاف القضايا المكدسة لديها من دون البت فيها وتمكث سنين طويلة من دون أن تُنهى. وهذا هو الموجود على أرض الواقع, مع الأسف الشديد، فإذا لم يُصلح حال إدارات القضاء وتجديد دمائها والقضاء على الروتين الموجود فيها, والتباعد الكبير بين الجلسة والأخرى بسبب تغيّب ومماطلة المدعى عليه، كل ذلك يحتاج إلى إعادة هيكلة وتنظيم جديد وسريع جداً. والإنسان مهما كانت طاقته تتوقف عند سن معينة، وهذه هي سنة الله في خلقه، فإذا لم يكن القضاء هو الأولى بالإصلاح وتغيير النمط المتبع فيه حتى الآن فمن سيكون يا ترى؟ خادم الحرمين الشريفين بدأ عملية الإصلاح والقضاء على الفساد والضرب بيد من حديد, كما قال ? حفظه الله ? في كلمته الأخيرة أمام مجلس الشورى، وهذا تحذير صارم لمن تسول له نفسه ويتهاون بمصالح هذا البلد ومواطنيه مهما كانت مكانته أو موقعه ولم يُستثن أحد بعينه، النقد الهادف والصريح والمفيد لما فيه خير البلاد والعباد واجب شرعي يجب الجهر به وإيضاحه والساكت عن الحق شيطان أخرس. عوداً على بدء مؤسسة التقاعد تصلح نموذجاً يحتذى به ويُشكر القائمون عليها وفي مقدمهم محمد الخراشي... ويجب علينا ألا نبخس الناس حقوقهم في ما يقدمونه ويستحقون الشكر عليه، وألا نسكت عن إهمال مستشرٍ في محاكم شرعية، أو وزارات، أو مصالح حكومية أخرى, لأن لا عذر لهم وليسوا فوق النقد والمساءلة، الكل سواسية والكل وضع لخدمة الدين والوطن, والبقاء للأصلح، ولأن ركود الماء يُفسده. والله الهادي إلى سواء السبيل.