الحملات التبشرية المسيحية المكثفة في بلاد المسلمين شرقاً وغرباً جنوباً وشمالاً من دون هوادة، حاملين معهم المن والسلوى لمسلمي البلدان الفقيرة ويتغلغلون فيها وحداناً وزرافات، هذه الحملات تعرف من أين تؤكل الكتف، يجدون ضالتهم بين فقراء المسلمين الذين هدهم الجوع والمرض وقلة الحيلة وكذلك الحروب التي لا ناقة لهم فيها ولا جمل ولا يسلمون من ويلاتها. وهذه الحروب التي لا نجدها إلا في الدول الفقيرة من العالم الثالث، ولأنها تشتعل لا دفاعاً عن بلدهم من محتل أو غازٍ. وإنما حروب على السلطة كفانا الله وإياكم شرورها. في مثل هذه الأوضاع ينتشر التنصير، والحملات التبشيرية مزودة بالمال والطعام والفرق الطبية بكامل طواقمها، وعندما يوجدون في هكذا نوع من البشر يشعرون - أي المبشرين - بأنهم آتون اليهم بأمر من النبي يسوع وتنفيذاً لأوامره لانتشالهم مما هم فيه من بؤس وشدة. فيبدأون برعايتهم والتودد إليهم ومدهم بالأغذية وعلاج مرضاهم ثم يغدقون عليهم بالأموال والكساء، وتكون معاملتهم لهؤلاء المعوزين معاملة حانية وغاية في الإنسانية والتي مع الأسف الشديد لا توجد لدينا معاشر المسلمين من المقتدرين، سواء حكومات أو جمعيات خيرية أو إنسانية!! ويقومون بحفر آبار المياه التي هم في أمس الحاجة إليها لشح المياه بسبب الجفاف الذي يصيبهم وإذا اطمأن هؤلاء المبشرون بأن عملهم بدأ يؤتي ثماره بكسب عواطفهم وقلوبهم معاً. بعد هذا يبدأون المهمة الأصعب وهي شرح محاسن الديانة المسيحية واهتمامها بالفقراء والمساكين وعدم تركهم للموت، لأن نبيهم عيسى عليه السلام هو الذي كلفهم بأن يأتوا إلى هذه الأماكن التي يوجدون فيها أي الفقراء، وأن المسيحية ستشملهم بكل رعاية وعناية ثم بعد ذلك يسألونهم بماذا استفادوا من الإسلام الذي يعتنقونه وماذا قدم لهم نبي هذه الديانة، وهل سأل عنهم، وهل أرسل أحداً يسد جوعهم ويعالجهم ويتفقد أحوالهم كما فعل المسيح الذي أرسلهم بهذه المهمة؟ وما واجهوه أي المبشرين من صعوبات ومشاق عظيمة حتى وصلوا إليهم وغيره من الكلام الجميل الملين للقلوب والمدعوم بالأفعال. يبدأ هؤلاء الفقراء في التحول من دين لا ينفعهم ولا يقف بجانبهم ولا يسأل عنهم!! إلى دين الرحمة الجديد الذي أتي به هؤلاء المنصرون؟ فأصبح دين الإنسانية والرحمة والتكاتف والتعاطف دين محمد صلى الله عليه وسلم والذي خاطبه ربه بقوله تعالى وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين أصبح هذا الدين لا قيمة له عند هؤلاء. وهم لا يلامون في ما فعلوه من تحول؟ أولاً، لجهلهم وللظروف السيئة التي يعانون منها. وثانياً، انشغال الدول الإسلامية المقتدرة عنهم، فلا نجد من يذهب اليهم ويسأل عن أحوالهم ويسندهم في محنتهم، ولا يوجد علماء دين وما أكثرهم يذهبون اليهم ليعمقوا مفاهيم الإسلام الصحيح في قلوبهم، ولهذا يكونون صيداً سهلاً لهؤلاء المبشرين، ولكن الله سبحانه وتعالى يتولاهم ويصرف عنهم من أرادهم بسوء. وسأسوق لكم هذه الواقعة عن هؤلاء المبشرين سمعتها من بعض الاخوة تقول: إن هؤلاء الداعين للمسيحية ذهبوا إلى إحدى القرى الفقيرة في اندونيسيا وبدأوا مهامهم التبشيرية واطمأنوا أنهم وصلوا إلى هدفهم بانجذاب هؤلاء المساكين اليهم وما يدعون إليه، فقد جمعهم رئيس البعثة أو ما يسمى بالقسيس وخطب فيهم واخبرهم بأن مندوب الحبر الأعظم سيأتي اليهم ليحقق لهم أمانيهم ومطالبهم، وعندما أتاهم هذا المندوب تجمعوا حوله وطلب من كل واحد منهم أن يطلب حتى يجاب ويلبي طلبه، فما كان منهم إلا صاحوا جميعاً بكلمة واحدة نريد أن نذهب إلى مكة للحج وأسقط في يد مندوب البابا وجن جنونه، فبعد كل ما فعلوه كان هذا المخيب لآمالهم وعادوا مفلسين. أما كيف يدخل أصحاب الديانات في بلادنا الإسلامية وبرغبة وتصميم منهم فهو مضحك مبكٍ. فهؤلاء البشر لا يريدون المن والسلوى ولا الهدايا ولا العلاج وخلافه، هؤلاء لا يريدون إلا التعاون معهم من مكاتب الدعوة والإرشاد وتوعية الجاليات، فعندما يذهب احد هؤلاء الراغبين في اعتناق الدين الإسلامي لمثل هذه المكاتب بمجهود شخصي منه ويطلب منهم كتباً توضح مبادئ الإسلام وتعلمه وبلغتهم التي يسهل عليهم فهمها، فمع الأسف الشديد واكرر هذا الأسف مرات عدة، هذه الكتب أو الكتيبات تباع لهم بفلوس! بالله عليكم انظروا كيف البداية مع من أراد أن يسلم وأين في بلادنا التي انطلق منها هذا الدين العظيم في أغنى بلاد المسلمين كافة! أفبهذه الطريقة نبدأ معهم، خصوصاً أن من يأتيهم هم العمالة البسيطة المعدومة وما أتوا اليهم إلا عن قناعة وبمجهود فردي من هنا أو هناك، علاوة على شح رواتبهم وسوء معاملتهم من مكفوليهم وتأخير صرف رواتبهم. أين وزارة الشؤون الإسلامية والدعوة والإرشاد من هذا الأمر المشين؟ أيصل بنا الحد لهذه الدرجة؟ هل لا ينقصنا ويستعصى علينا إلا طباعة مثل هذه الكتيبات؟ ألا توجد مطبعة تحمل اسم الملك فهد رحمه الله لطباعة المصحف بالمدينة المنورة؟ هذه المطبعة الجبارة تعجز عن طبع ملايين النسخ وبجميع اللهجات وتوزع مجاناً، هل البلد في حاجة لدراهم هؤلاء الضعفاء الذين هم في أمس الحاجة لكل قرش يؤخذ منهم، ألم يأتوا للعمل وتحمل المشاق وترك الأهل والأولاد للبحث عن لقمة العيش لهم ولأسرهم، ومع ذلك عندما يريدون اعتناق الإسلام يفاجأون بمثل هذه الأعمال غير اللائقة لا على بلدنا ولا إسلامنا، فبدلاً من إرسال الغذاء والدواء لفقراء المسلمين من أماكن وجودهم ونصد عنهم من يتربص بهم ويصدهم عن دينهم، يكون تعاملنا مع من يريد الدخول فيه طواعية وعن رغبة بهذه الطريقة اللا أخلاقية. قد يقول قائل هذا غير صحيح؟ بل صحيح ومررت به شخصياً عندما أراد اثنان من الفيليبيين الذين يعملون لدي بأن اشرح وأوضح لهما شيئاً عن الإسلام، فقد سارعت بإرساله لمكتب إرشاد وتوعية الجاليات الواقع شمال الرياض لكي يشرحوا لهما كمختصين في هذا المجال وهذا هو عملهم الذي أوجدوا من أجله، لكنني فوجئت عندما ذكرا لي أنهما اشتريا الكتيبات التي يحملانها من مكتبة داخل مبني المكتب! اندهشت أشد دهشة فبدلاً من احتضانه واستقباله الاستقبال اللائق الذي يدخل في صدوره الفرحة والسرور، نقابلها ومنذ أول وهلة بهذا السلوك الجاف المنفر، تخيلوا معي وتفكروا عن الفارق الكبير بين من يبشرون بالمسيحية وكيفية تعاملهم وعن من يريدون الدخول في الإسلام طواعية وعن الكيفية التي نبدأ معهم بها!! [email protected]