حدث دائم التكرار، وجميعنا توقف عنده مرات عدة لكثرة تردده علينا، وملازمته لأحداثنا التي نعيشها في يومنا المليء بالمتاعب والمثقل بالمواجع، حيث لا يكاد يخلو مسلسل حياتنا اليومية من مشهد شخص يبحث عن عمل... ونجد أن أكثر العبارات التي نسمعها والتى أصبحت بمثابة العبارة الرنانة، والمتداولة في مجتمعنا بشكل يومي ابحث عن وظيفة، أريد عملاً، وأصبح البعض يرددها مع نفسه من كثرة ما يتفوه بها لكل من يجالسه، أو يقابله، وكأنها أصبحت من عبارات الحديث الواجب ذكرها والتطرق لها. وغياب فرص العمل أو ندرتها يعرف بالبطال، هذه الظاهرة التي ظهرت حديثاً في عالمنا الإسلامي لتداعيات العصر الحديث، إذ إن ديننا الإسلامي الحنيف لم يكن في مجتمعاته ما تعرف اليوم بالبطالة، لأن الإنسان المسلم هو فرد عامل، ومنتج دائماً في عمل ليكف يده عن السؤال، ويؤمن لقمة العيش الكريم له، ولمن يعول، ولكي يشعر بانتمائه لمجتمعه، ولأهميته كعنصر فاعل فيه... فالبطالة كظاهرة اجتماعية موجودة في كل مجتمع من المجتمعات، ولكنها تختلف من مجتمع لآخر، بحسب معايير ومقاييس مختلفة، وتظهر البطالة نظراً لوجود مجموعة من الأفراد في سن مناسبة للعمل، وفي الوقت نفسه قادرة عليه من النواحي الجسمانية والعقلية.، ونتيجة لإخفاق الأفراد، وضياع الآمال المنشودة للقادرين على العمل، وعلى تحمل مشاقه، والراغبين في مواجهة صعابه يظهر ما نسميه غياب فرص العمل وهو ما يقصد به"البطالة". وفي مجتمعنا قد تختلف الموازين نوعاً ما، إذ إن البطالة تنتشر فيه، بسبب ثقافة المجتمع نفسه التي يمكن أن نطلق عليها"البطالة الفكرية"، المتمثلة في النظرة التي رسختها فينا ثقافتنا الاجتماعية عن طبيعة العمل، ونوعه وقيمته، وهي ثقافة أصبح لها قوانينها المرعية عن ذلك العمل، إذ تقيد بعض أبناء هذا المجتمع... ومنها أن العمل لابد وأن يوفر من الأجهزة الحكومية، وأن يكون في مكتب وثير، وأن يكون بعيداً عن العمل الميداني في مصنع أو حقل مثلاً، وأن تكون ساعات العمل محدودة، وألا يدخل يوما الخميس والجمعة في أيام العمل الأسبوعي تحت أى ظرف كان، وأن يكون الراتب متوافقاً مع الحاجات الحياتية، حتى تلك الثانوية منها، مثل سداد فاتورة الجوالين اللذين يملكهما الشاب، أن يفي الأجر بسداد أجرة الاستراحة الفخمة الشهرية، وأن يكفي لسدد أقساط السيارة الفارهة ذات المبلغ العالي، وغير ذلك كثير. وأن العمل المهني أو العمل اليدوي، أو الحر، لا يدخل في مفهوم ثقافتنا للعمل، فالويل والثبور لمن عمل في حرفة كالحدادة أو الميكانيكا أو الحلاقة، وغيرها الكثير من الحرف الشريفة... لأنها بحسب مفهومنا الجمعي أعمال وضيعة، ولا يعمل بها غير الوافدين، وقد تصنف في بعض العائلات بأنها انتقاص للرجولة، علماً بأن بعض تلك الحرف المهنية تدر دخولاً أكثر مما تدره الوظائف المكتبية. وعند المحاولة لتحليل تلك الأفكار السائدة، والبحث فيها، قد نجد أن السبب الرئيس لذلك هو الطفرة الاقتصادية التي مر بها المجتمع في الزمن الماضي، والتى تزامنت مع طفرة وظيفية، وتعدد فرص العمل، ناهيك عن المفاهيم المغلوطة المستمدة من العادات والتقاليد التي يتوارثها جيل بعد آخر، وهي مفاهيم شائعة في دول الخليج، وتتميز بها عن غيرها من مجتمعات العالم قاطبة، حيث إن جميع الأعمال الخدمية يقوم بها أبناء تلك المجتمعات لخدمة أوطانهم وأنفسهم وأسرهم. يجب علينا كأفراد أن نحمي أنفسنا من داء البطالة، لا بتصفح الجرائد، والبحث عن أسماء من نالوا الحظ وأدركوا قطار التعيين الذي يظن القاعدون أنه فاتهم، إذ كان بالنسبة لهم حلماً بعيد المنال، أو البحث عن وسيط يوفر العمل المرغوب فيه، وفي المكان المطلوب، أو انتظار جرس الهاتف لكي يخبرنا احدهم بأنه وجد العمل المناسب. علينا ترك الوقوف على الأطلال والأمنيات بأن يرجع الزمان الماضي بطفرته، وتعدد فرص الوظائف المرفهة، بل بالتشمير عن سواعدنا، فأبواب العمل الشريف عدة والأعمال الحرة تنتظر من يطلبها ويسعى إليها... وآن الأوان، أن نغتنم الفرص وأن نطرق أبواب العمل، وأن نخوض معتركها، فالأيام الآتية تنبئ عن مستقبل مشرق لكل من يطرق هذه الأبواب. * اختصاصي اجتماعي [email protected]