ليس في استطاعة ابن السنوات الخمس أن يحلل أفكاره، ولا يدرك أن اللانهاية تحيط به، ولكن حتماً ستمتلئ نفسه غبطة وسعادة إذا شعر بذراع أمه تطوقه فيدرك معنى الطمأنينة الكاملة... قد يستعصي على الطفل فهم تيار الحياة الجارف وحركة الكون وارتفاع المد، لكنه يشعر حتماً وعلى نحو غريب أن هناك لحظة كاملة لكل كائن حي بين البداية والنهاية. شعر أحمد منذ بداية وعيه للحياة في دار الرعاية بحنين وشوق لوجود الحب حب الأب وحب الأم بالتساوي، حاله كان كحال البقية من أصدقائه أو إخوانه الذين تخلى آباؤهم عنهم لظرف ما، كما فهم من المشرفين في الملجأ، تراهم يتحدثون دائماً عن حب الأم والأب لهم، وأنهم سيحضرون يوماً للزيارة على رغم مرور أشهر وسنوات لا تحصل فيها هذه الزيارة أبداً. ولكنهم يتشبثون بهذا الحلم والاعتقاد حتى ولو اضطروا إلى نسج حكايات من الوهم والأحلام لتثبيت هذا الاعتقاد. المسألة ليست مجرد أن الطفل لديه رغبة في الحصول على حب الأب أو الأم أو رغبة في الحصول على مظاهر تدل على هذا الحب... إنما الرغبة في إيمان داخلي عميق بضرورة أن يكون له أب وأم وعائلة خاصة به تضمن له الطمأنينة واحترام النفس. شعور آخر محزن ومؤلم لدى هؤلاء الأطفال عديمي الوالدين والأهل، الشعور بأن نقصاً أو عيباً يكمن فيهم، وان هناك شيئاً ما موجود لدى بقية الأطفال وغير موجود عندهم، كلما كبروا تستمر شكوكهم الحساسة، تجعلهم أحياناً يرتابون في ما إذا كان الناس من حولهم يحبونهم حقاً أو لا؟ مهما بلغ عدد الذين يحبونهم فعلاً في الواقع، وهذا الوسواس يقف كجدار لا يمكن اجتيازه في سبيل علاقاتهم مستقبلاً بأصدقائهم وزملائهم في العمل ورؤسائهم، بل وبأطفالهم عندما يتزوجون وينجبون. لذا فمن الواجب الديني والأخلاقي والاجتماعي أن يكون هناك اهتمام اجتماعي بزيارة هؤلاء الأطفال، ومبادلتهم زيارة الأبناء ودمجهم بالمجتمع لمنحهم الطمأنينة والأمان قبل الدخول في خضم الحياة. ولا أدري لماذا لا نشغل أبناءنا وبناتنا خلال الإجازة الصيفية بمساعدة الأطفال والعجزة والمسنين في الجمعيات الخيرية والمستشفيات. لنُبعد عنهم ألم الفراغ ونشركهم هموم وآلام الآخرين، وليكن ذلك ليس علماً واجباً بقدر ما يكون إسعاداً للآخرين، وبالتالي إسعاداً للنفس والشعور بالقيمة الذاتية للأبناء. شهر زاد عبدالله - جدة