من يراجع بعض الإدارات للمرة الأولى يشعر بالفخر والفرح وهو يشاهد جهاز الحاسب الآلي أمام كل موظف. فجأة يضيع هذا الشعور في مهب الريح ويتحول الفرح إلى ألم وخيبة، عندما يعرف المبالغ المصروفة على الأجهزة وكيف يسير العمل مع وجود هذه الأجهزة الحديثة، فأحد الموظفين المحال إلى التقاعد قبل ثلاث سنوات راجع إدارته السابقة في أواخر شهر صفر الماضي، للسؤال عن نقل ابنه المقدم منذ أربعة أشهر، وجلس في انتظار السماح له بالدخول على المدير من الساعة التاسعة صباحاً حتى الثالثة مساء. طبعاً وكما تعلمون فالمبررات لا تخرج عن"المدير مشغول"أو"يتحدث في التلفون". مع ذلك، فإن المتقاعد يعتبر السماح له بالدخول خلال تلك المدة تكريماً لخدماته السابقة، خصوصاً أن مراجعاً آخر حضر من منطقة أخرى بقي في الانتظار من يوم الأربعاء، وبعد المجادلة التي وصلت إلى رفع الأصوات مع السكرتير سُمح له بالدخول على المدير يوم الاثنين. قد يتساءل البعض لماذا هذا الإصرار على مقابلة المدير؟ فأقول إن ذلك بسبب المركزية الشديدة، فأبسط الأمور لا يمكن البت فيها إلا بأمر من المدير، ومع توسّع العمل وكثرة المراجعين وعدم وجود المسؤول التنفيذي يزداد الأمر تعقيداً. فمنذ 20 عاماً كان يوجد في بعض الإدارات قسم خاص للحاسب الآلي، يُرجع إليه في بعض المواضيع المهمة مثل الإحصاءات والرواتب، وكانت المعاملة تمرّ على ثلاثة موظفين المدير ورئيس القسم والموظف المختص، وبعد تركيب الأجهزة الحديثة وإبعاد الأجهزة القديمة صارت المعاملة تمرّ على أكثر من أحد عشر موظفاً. وإذا توقف الجهاز توقف العمل وإذا غاب الموظف توقف الجهاز، والمعلومات غير متوافرة في كل الأجهزة، ولا يتم إنجاز المعاملة في الحالات العادية إلا بعد 33 يوماً، فالنظام يعطي الحق لكل موظف بإتمام العمل خلال ثلاثة أيام، وهذا هو المنهج المتبع. وإذا لم يتم التغيير في العقول النائمة سيأتي اليوم الذي نلعن فيه الأجهزة الحديثة.