تحتفل جزر فرسان، مسقط رأسي جنوبي المملكة في البحر الأحمر سنوياً بسمك الحريد، وهو نوع من الأسماك يُعرف بالببغاء، يمر سنوياً بالجزيرة ما بين شهري نيسان وأيار أبريل ومايو من كل عام... كان الفرسانيون قديماً يحتفلون به على طريقتهم البسيطة، ويعبرون عن فرحتهم بهذه الهدية الربانية التي تأتيهم بطقوس غاية في الجمال، وغاية في البساطة، بدءاً من استعدادهم له بصنع الأكياس الخيشية التي يضعون فيها السمك، وانتهاءً بالأهازيج الشعبية، كالأناشيد، والرقص على الدفوف من النساء في بيوت العرائس الجدد، فيعم الفرح الناس، أغنياءهم وفقراءهم، ويبدعون في قصائد الشعر الخاصة بهذه المناسبة، ويتفننون في صياغتها بمواضيع مختلفة كالغزل، والأشواق، والحب، والترحيب بالشهر الحافل بالموسم. ونظراً لطبيعة الجزر المختلفة عن طبيعة المدن في تكوينها الجغرافي، وموقعها داخل البحر فقد اكتسب أهل هذه الجزر، المشهورة قديماً بإنتاج اللؤلؤ ومصائد المحار، ثقافة خاصة عن بقية مناطق المملكة، تتجلى في فلكلورهم الخارج من أبواب المواسم المختلفة التي يحتفلون بها مثل موسم الحج ? شهر شعبان ? الشدّة ? الحريد وتميزه بالألحان، والإيقاعات والموسيقى المتناغمة مع طبيعة المواسم، فأكسبتهم ثقافات كثيرة ورفيعة وغنية بالمظاهر العفوية في العادات والتقاليد العابقة بالأصالة والتواصل والعطاء. فمثلاً سمك الحريد هذا الذي أتحدث عنه لا يباع أبداً، وإنما يهدى من أبناء الجزيرة الذين يصطادونه، إذ لا يبقى بيت في الجزيرة من أقارب، وجيران، وأحباب، إلا وامتلأت به أطباقهم وأفرانهم وتجاوزهم إلى كل الغرباء المقيمين في الجزيرة. ومع تطور الحياة ودخول المدنية الحديثة إلى الجزر انقرض الكثير من المواسم، وأصبح من الذكريات الأثيرة في مخيلة الذاكرة الفرسانية، إلا أن البحر أصر على بقاء ثقافته، فإن كان البحارة الفرسانيون اكتسبوا منه ثقافة الغوص، وثقافة السفر، وثقافة الصيد، وتجارة اللؤلؤ، فهو مازال يأتيهم بسمك الحريد الذي يصلهم في موعده... يذكرهم بماضيهم البسيط الرائع الذي جعل منه أمير منطقة جازان محمد بن ناصر بن عبدالعزيز مهرجاناً سنوياً ينمو متطوراً ومختلفاً على مدى سنواته الأربع للاحتفاء بالتراث، وإنعاش الجزر سياحياً ليعرفها من لم يرها من المواطنين والمقيمين والقادمين ليتمتعوا بمظهر الجمال الطبيعي من آثار الجزيرة التاريخية، وشواطئها الجميلة، ورمالها الباذخة بالدفء والحياة، خصوصاً في وجود العبّارات الجديدة الفاخرة التي وفرتها الدولة لينتقل بها الزائر هو وأهله وسيارته ويستمتع برحلة بحرية لن تخرج من ذاكرته التي ستسكنها الصور المائجة داخل البحر وخارجه. الأربعاء المقبل سيكون عرس فرسان واحتفالها بحريدها الذي يواصلها كل عام كأنه يبعث لها رسائل حب وسلام من خلال رحلته الطويلة التي يطفو فيها في هذه الجزر ويحمل معه البهجة، ولعلي أكمل مع القارئ في الأسبوع المقبل الكثير من الصور عن هذه الجزر التي يجهلها الكثير منهم. [email protected]