الظاهر والظاهرة والظواهر مجتمعة تشير إلى أن كلمة"حماية"لم تدخل بعد في قاموسنا ولن تدخل إلا بدعوة رسمية، وارتداء الزي الرسمي إلزام عليها أيضاً. فمثلاً يا عزيزي نتحدث إلى الجهات الإعلامية من كتَّاب ومعدي برامج ومثقفين و?"مصقفين"ومصفقين عن"حماية البيئة"، فنتلقى اللامبالاة، هذا إن لم نتلق السخرية عقبالك والاستهزاء ردعاً لأمثالي، بحجة أن"بيئة إيه اللي أنت جاي تقول عليها". هي خلصت المشكلات والقضايا والحروب والتوترات والصراعات حتى نوعي الناس بالبيئة وتلوثها والاحتباس الحراري وطبقة الأوزون. هذه يا عزيزي مواضيع صينية أميركية هندية سويدية فرنسية بريطانية وأية جنسية غير عربية، وهي تتكلم كل اللغات إلا اللغة العربية، وترقص على كل المشاعر إلا المشاعر العربية. لنترك البيئة وهمومها ومشكلاتها لمسؤوليها، يخلصون شوكها بأيديهم، ويجتاحون ملايين العقول البشرية وحدهم. بالمناسبة، أجدها فرصة للتهنئة باسمي واسمكم طبعاً لافتتاح قناة بيئتي، راجية أن تجد كل دعم من كل فرد بيننا، خصوصاً أنها تأتي في زمن انقسام المشاهد العربي بين القنوات الإخبارية الدموية والقنوات الراقصة الدموية أيضاً، لعل وعسى أن تستطيع هذه القناة أن تساعد المسؤولين في التنوير البيئي وأهمية الحماية. لأنصرف أنا لحماية نفسي فقط لا غير، أحميها أولاً وأخيراً من الناس وكلامهم وتجريحهم، وطبعاً من الرجال وأفكارهم المتلوثة بيئياً وظنياً كلما شاهدوا أنثى ولو قطة بدلاً من قط، فهم كلما سمعوا صوت امرأة أو شاهدوها أو التقوا بها ولو كانت ناسكة لجرَّموها. وهكذا تصبح كل امرأة تود العمل أو المشاركة بحاجة إلى"بودي جارد"ليحميها، ثم إلى محلل نفسي ليعلمها كيفية حماية نفسها من كلمة قد تصدر عنها بحسن نية أو تصرف بريء يفسر أي تفسير. وهذه الحماية أيضاً سأتركها لكل امرأة تحمي نفسها بنفسها هي الأخرى من العنف النفسي والجسدي. لكن عندما يأتي الموضوع إلى حماية الطفل، أسألكم بضمائركم: ألا تهتزوا قليلاً لمثل هذه الحماية؟ يا أهل الكرم والشجاعة، يا النشامى؟ أم أن هذه الصفات الحميدة ترتبط بالولائم والخرفان والتباهي أمام الضيوف؟ لا يظن أحدكم أنني أعني حماية الطفل الفقير أو اليتيم أو المريض أو المشرد أو المتسول أو المشغَّل أو المرمى. لا، عفوكم لأوضح كلامي لأنني لم أصل بعد لهذا الخيال العلمي، بل أعني حماية أطفالكم فلذات أكبادكم من الجهل وقلة التربية والأدب والعنف. أين كتب الأطفال والبرامج الثقافية والفنية وحتى الأفلام الكرتونية؟ أليست معدومة؟ إذاً لم نشتكي من الغزو الثقافي؟ لا أغاني لا أفلام لا بيت شعر واحد يتناول الطفولة، لا طلاق يفكر ببنت أو ولد، وزواج المسيار لا يهمه الطفل أو الطفلة يبغى يسير فقط، لا تربية، لا كلمة أرجوك أو من فضلك أو شكراً تسمعها من طفل كل ما تسمعه هات... جيب... اسكت... حيوان... غبي... أين... لو سمحت؟ وعن إذنك؟ يعني بصراحة ومن غير زعل منتهى قلة الأدب. ومن أين يتعلم الطفل الأدب إن لم يسمعها منا ونحن لا ننطقها إلا في الصالونات والمناسبات الرسمية.عن أية حماية نتكلم؟ إننا نقدم لأطفالنا حماية السقف والمعدة. إذاً أين حماية الفكر والعقل والشخصية والنفسية والعاطفية والجسد؟ لا تتركوني استمر في الكتابة لأنني سأصل إلى الحماية التاريخية والانتمائية والجغرافية. كيف نحميهم؟ أولاً بتأديب اللغة قبل العلم، ثم تنظيف الشارع قبل المنزل، ثم مسح القلوب قبل الزجاج، ثم سقي الشجرة قبل هدر المياه، ثم إطعام الجائع قبل زيادة الوزن، ثم إيواء المشرد قبل الضيف. ثم إسعاف الجريح قبل الهروب، ثم احترام إشارة المرور قبل احترام الفلوس، ثم احترام الكبير والصغير، واحترام الإنسان والحيوان والكائنات والطبيعة ومخلوقات الله عز وجل كلها بمعنى آخر: احترام البيئة فهي كلنا، أي أننا عدنا مرة أخرى إلى حماية البيئة وإلى التأكيد إلى أن كلمة حماية لم تدخل في قاموسنا بعد. خلف الزاوية أتيت مدّعياً حبي لتبقيني وأنك الآن ترعاني وتحميني من لم يكن قلب ليث بين أضلعه فلست أرغب يوماً أن يوافيني [email protected]