{ حاولت الاتصال به مرات عدة، واستجاب سريعاً حين قذفته برسالة جوال، تشع بأكثر من"واطات"وزيرة الثقافة السورية السابقة التي قال الزميل محيي الدين اللاذقاني في مقالة له"تشع ب 270 واطاً"، فما هي إلا لحظات من رسائل ودية حتى ظفرت بلقاء معه، بعد صلاة جمعة في أقصى الرياض جنوباً. وهنالك في جامع البواردي في حي العزيزية جمع لنا الداعية الوسيم الدكتور محمد العريفي، بين خطبة ألهمتني بعض المحاور، وبين الإجابة على الدردشة التي رد 50 في المئة منها بذريعة الزهد في الحديث عن الذات تارة، والكف عن"الدخول في المتاهات"تارة أخرى. وبعد مشادة أخوية، تمسك فيها هو بما يعتقد أنه الأنسب أو بالاعتذار عن عدم الإجابة، وأصررت فيها أنا على طرح أسئلتي بتوابلها، توصلنا إلى حل وسط تنازل فيه كلانا، فاسألوه عن أي سؤال تفقدون. وفي المتن، حذر الداعية زملاءه في المهنة من فساد نواياهم بسبب الإقبال اللافت الذي يجدونه من الجماهير، كما دعاهم إلى"الصبر على الناس وتحملهم". وكما عارض العريفي قذف الخطيب والداعية نفسه في مواضيع لا يتقنها، رفض علمنة المنبر وتحريم السياسة على الأئمة، خصوصاً في مواضيع يتردد صداها مثل"إعدام صدام"الذي قال إنه لا يفهم كيف يخطب عن المسح على الخفين والناس تتحدث عن شنق رئيس سني صبيحة العيد. وفي ما يأتي حديث مقتضب معه: ما الذي أوجد لأفراد من الدعاة دون غيرهم هذا التأثير القوي في وسط المجتمع السعودي، حتى غدا بعضهم عملة صعبة وعابراً للقارات؟ - أولاً أنا لا أرى أن الدعوة متوقفة على بلد معين دون غيره، فهي ليست خاصة بأناس معينين بل عامة لجميع الناس، بدليل ظهور دعاة لهم تأثيرهم في دول عربية واسلامية عدة ولم يقتصر الأمر على المملكة العربية السعودية، الأمر الثاني أن الدعاة والعلماء منذ الأزل لهم تأثيرهم من عصر النبي صلى الله عليه وسلم إلى عصرنا هذا، ولكن قديماً كان الداعية يجتمع بالناس في أماكن تجمعهم كالمساجد والأسواق والمجالس، أما الآن فأصبحت هناك وسائل أكثر يستطيع الداعية وكل من أراد أن يبلغ للناس فكراً، الوصول من خلالها إليهم بصورة أوسع، سواء كان داعية أو علمانياً أو كافراً! ولكن هل للدعاة العابرين للقارات مواصفات خاصة؟ - كل الدعاة يعبرون القارات وليس فقط السعوديون، لان العالم كما يقال أصبح عبارة عن قرية صغيرة، وأنا أرى أن كل من يدعو إلى الله - سبحانه وتعالى - على سنة النبي صلى الله عليه وسلم وبحسب المنهج الشرعي، فإنه سيلقى القبول عند الناس بإذن الله من أي جنسية كان. ذكرت قبل قليل أن الوسائل المعاصرة استفاد منها الجميع إن كانوا دعاة أو علمانيين، فلماذا ينتقد البعض المشايخ في الاستفادة من هذه الوسائل الجديدة؟ - لا اعلم أن أحداً ينتقد من يشارك في الإعلام اليوم. قد تكون له ملاحظة على بعض القنوات بحسب اختلاف وجهات النظر وبحسب تصوره المسبق عنها، أما المشاركة في الإعلام عموماً وإيصال الصوت إلى الناس فهذا شيء يجمع عليه المشايخ عموماً، ولا تكاد تجد الآن شيخاً إلا وله مشاركة في إحدى القنوات، إما في برنامج خاص بشكل دوري، أو عبر استضافة أو نقل لبعض محاضراته. ولكنك حين ظهرت أخيراً على قناة"ال بي سي"أثار ذلك جدلاً واسعاً، فهل كانت التجربة تساوي استفزاز جمهورك؟ - أنا أرى أن الداعية إذا فتح له أي مجال لإيصال فكره إلى الناس من دون قيد على ما يطرحه من فكر، فليقبل من دون أي تردد، لان الرسول عليه الصلاة والسلام كان يأتي للأسواق وفيها بيع الخمور والأصنام والنداء على البغايا، ومع ذلك كان يقف لينذر الناس ويحذّرهم ثم يمضي، فإذا استطاع الإنسان أن يوصل فكره للناس عبر وسائل ليست شراً محضاً ولكن فيها شبهة فلا بأس في ذلك إن شاء الله. هل تجاوزت هذه الانتقادات الآن؟ - لعل الله يسَّر ذلك. في وقت فشلت فيه المؤسسات الإسلامية في إنشاء قنوات محترفة، كيف تنظر القنوات إلى مشاركات الدعاة، وهل تعتبرهم عالة عليها؟ - الدعاة ليسوا عالة على تلك القنوات، وذلك لان هذه القنوات هي التي تطلبهم وتصرَّ عليهم لكي يظهروا فيها، وأنا أرى أن القنوات بحاجة إلى الدعاة أشد من حاجتهم إليها، لأن الناس هم من يطلب هؤلاء الدعاة، والله سبحانه وتعالى يضع القبول لمن يشاء، والآن هناك قرابة عشر قنوات إسلامية خاصة ليس فيها حرج شرعي وبدأت تنتشر ولله الحمد. هل هناك عوامل أخرى تساعد في تقبل الناس الداعية مثل وسامته وحسن تحضيره؟ - نعم، فلابد للداعية من أن يعتني بتطوير قدراته إذا أراد أن يكون له تأثير في الناس، وذلك في ما يتعلق بكيفية الإلقاء، وفن التعامل مع الناس، وفن حل المشكلات، إضافة إلى التحمل والصبر على الناس بمختلف انواعهم ولهجاتهم وأشخاصهم. انتم في الساحة الدعوية الآن كيف ترون توجه الناس، هل هو إلى القضايا الاجتماعية أم للدينية البحتة... لأن هناك من يقول إن فترة الصحوة قد ولَّت؟ - الناس يتنوعون في اهتماماتهم وأذواقهم، وبالتالي أسئلتهم تختلف، وعلى الداعية والعالم عموماً أن يطور نفسه دائماً بالقراءة، وطلب العلم، والالتجاء إلى الله سبحانه وتعالى، وسؤاله التوفيق لأجل أن يفتح الله عليه لتلبية حاجة أكبر قدر من الناس. هل هذا يعني انك ترى أن الخطاب الدعوي يجب أن يغطي كل شيء؟ - هذا هو الإسلام الذي يعيش مع الناس، ويتحكم في جميع شؤون حياتهم، فيبيح لهم أشياء ويحرم عليهم أخرى، والداعية يدعو الناس إلى الإسلام والدين لا يتجزأ، وعلى الداعية أو العالم أن يوضح للناس المنهج الشرعي، وهو منهج واسع في مفهومه. ألا ترى أن بعض الدعاة خلط في خطابه الدعوي بين وظيفة الداعية المجرد الذي يدعو الناس إلى دينهم وبين وظيفة السياسي؟ - ليست هناك سياسة من غير دين ولا دين من غير سياسة، واما السياسي الذي يقول أنا لا أريد الدين وسأفعل ما أشاء، فمنهجه مرفوض شرعاً لأنه مسلم، وهذا يعني انه استسلم لله تعالى في كل شيء، وفي الأصل الشريعة تحيط بالإنسان من كل مكان، وأنا لا أطالب بالنظر للحكم الشرعي في كل صغيرة وكبيرة من أمور الدنيا، ولكن في ما يتعلق بالعقود وإبرام الصلح، فلا بد من الالتزام بالنصوص الشرعية الخاصة بها. ولكن هل ترى أنت أن الدعاة مؤهلون للخوض في القضايا السياسية ذات التركيبة الخطرة مثل ما يجري في العراق الآن مثلاً؟ - أنا في الحقيقة ادعو جميع العقلاء من الناس بمن فيهم غير المسلمين إلى ألا يتكلموا إلا بما يحسنون، ويقال:"من تكلم في غير فنه أتى بالعجائب"، فكذلك الداعية أو العالم الشرعي إذا تكلم في السياسة أو في الطب مثلاً فإنه سينتقد إذا تكلم بغير علم، أما إذا تكلم بعلم وكانت لديه نظرة سياسية معينة ومتابعة للأخبار، فما الذي يمنعه من الكلام، وفي مجلس الوزراء الآن تطرح أمور سياسية ويحضرها وزير الشؤون الإسلامية ووزير العدل وغيرهما من الإسلاميين ويطرحون آراءهم فيها، وسماحة المفتي يستفتى في كثير من الاحيان في مثل هذه الأمور، وذلك لأن الإسلام يدخل في جميع شؤون حياة الناس. إذا أسقطنا هذا الرأي على الخطابة، فهل ترى مقبولاً أن تكون الخطبة شبه تقرير سياسي؟ - إذا أخذت القضية بعداً كبيراً لدى الناس، واصبحوا يتكلمون بها في مجالسهم، واصبح لها صدى قوي في الأخبار ووسائل الإعلام، فلا ينبغي للداعية أن يبقى بعيداً عنها، وإنما يذكر لهم وجهة النظر الشرعية بأسلوب مناسب، أما أن يتحدث الناس مثلاً عن مقتل صدام ويخطب الداعية في مسح الخفين فهذا غير مناسب، يجب على الداعية أن يعيش قضايا الناس التي يعيشونها ولكن بحدود وضوابط معينة. ولكن قد يقال هذا استجابة لما يطلبه المستمعون؟ - لا، ليس شرطاً، وينبغي على العالم أن يحكم نفسه بالضوابط الشرعية وليس بعاطفة الناس. على صعيد العاطفة هنالك من يتهم الخطاب الصحوي أو الوعظي بأنه يجنح للخطاب التهييجي أو العاطفي اكثر من العقلاني؟ - أنا أقول: لا ينتقد الداعية في أسلوب دعوته، ما دام هذا الأسلوب لا يخالف الشريعة، إذ لا نستطيع أن نطالب جميع الدعاة بأن يكونوا بقدرات وعلم وحكمة آخرين، لأن الناس قدراتهم مختلفة، ولكل أسلوبه في التأثير على الناس. يلاحظ أن مجموعة من الدعاة في الوقت الراهن يعيشون في أبراج عاجية وحياة مخملية بعيدة عن الزهد مثلما هي أبعد ما تكون عن الدور المنتظر منهم اجتماعياً كما كان الشيوخ مثل الشيخ عبدالعزيز بن باز والشيخ صالح الفوزان وسماحة المفتي، هل اختلف داعية اليوم عن الذي بالأمس؟ - أنا لا أرى أن هذا واقعاً، ولا تستطيع أن تلزم الدعاة جميعهم بأن يجمعوا بين وظيفة الداعية والعالم والمفتي والمصلح الاجتماعي، لأن لكل شخص قدرة على التحمل، والشيخ ابن باز مثلاً آتاه الله القدرة والصبر على أن يجمع بين العلم الشرعي وتحمل الناس وهمومهم، وهذه لم تجتمع لغيره من العلماء، فضلاً عن أن تجتمع لدعاة. كيف يرى العريفي حل الطائفية التي اشتعلت إسلامياً، هل بطائفية مماثلة أم بالصفح والتجاوز والدفع بالتي هي أحسن؟ - بلا شك تكون بالصفح والتجاوز وتبيان الحق، لأن الله سبحانه وتعالى أمر بالقول الحسن قال تعالى:"وقل لعبادي يقولوا التي هي أحسن"و?"لا تجادلوا أهل الكتاب إلا بالتي هي أحسن"، فالأصل استخدام الحسنى وتبيان الحق للناس من دون الانشغال بقائله أو التجريح ونحو ذلك، لأن الإنسان العاقل لا يقابل الصراخ بصراخ وإنما يقابله بعقل ورزانة. ينتقد بعض الدعاة في الخطاب الإسلامي انشغاله بهدم بعضه أكثر من البناء، فهل هناك قضايا محورية ترى أن الخطاب الدعوي يجب أن يركز عليها في هذه المرحلة بالذات؟ - في الحقيقة أنا أدعوا الجميع إلى توحيد الصف وترك الخلافات قدر المستطاع، والقفز فوق بعض الحواجز التي بيننا، لاجل أن يكون هناك نوع من التقارب، وصدق النية مع الله سبحانه وتعالى، وسؤاله التوفيق دائماً، وأن يحرص الداعية على أن يجدد نيته دائماً لله، وألا تفسد باجتماع الناس عليه أو إقبالهم إليه أو نحو ذلك، كما أنه يجب على من مشى في طريق الدعوة أن يتحمل المسؤولية ويتحمل الناس. هل تخشى على الدعاة مثلاً أن تلهيهم الجماهيرية عن المقاصد النبيلة للدعوة إلى الله؟ - لا، لكن القلب يتقلب على الإنسان وما سمي قلباً إلا لذلك، والمقصود هو أن يعتني الداعية بقلبه ولا يلتفت إلى ما يريده الناس، بل إلى ما يريده الله سبحانه وتعالى. خطبت اليوم عن مقتل الحسين، وكتب أحد الدعاة"من قتل الحسين؟"، وظهرت خطب ومحاضرات كثيرة بصورة لم تكن في سنوات مضت، ما الذي حدث؟ هل هو الهيجان الطائفي؟ - لا، ليس الهيجان الطائفي، لكن الناس يتابعون عدداً من القنوات التي تتكلم عن مقتل الحسين رضي الله عنه بكلام مليء بالابتداع والأكاذيب، فأردت أن أبين للناس المنهج الشرعي في التعامل مع مثل هذه المواضيع، لكي يكون هناك نوع من التوازن.