تمكّن الأكاديمي السعودي الدكتور محمد بن صفاء العلواني من بعث النخوة ل?"العربية"من مرقدها مجدداً، عندما أعلن أخيراً رفضه الجزم بأن للغة قومه العربية فضلاً على بقية اللغات من الانكليزية إلى البربرية! وبات رأي العلواني الذي نشرته"الحياة"قبل نحو شهر عنواناً جدلياً في المجالس والمنتديات، تجاوز تعقيبات قراء"الحياة"إلى صحف أخرى محلية، شن فيها"أنصار العربية"حملة ضروساً لا تُبقي ولا تذر. واليوم ترصد"الحياة"ردود الفعل منذ البداية، وتفتح الملف على مصراعيه للمعنيين بالشريعة والعربية، ليناقشوا الباحث في رأيه الذي وجد له مؤيدون ومعارضون. وبدأت قصة الجدل عندما نشرت صفحة"الواحة"الجمعة 14-1-1428ه، رأياً مفصلاً للأكاديمي في جامعة الإمام الدكتور محمد صفاء العلواني، جزم فيه بأنه لم يجد دليلاً ينص على أن العربية أفضل اللغات على الإطلاق، أو أنها كلام أهل الجنة. ناقداً في هذا الصدد آراء من قبله من العلماء كالثعالبي وغيره ممن ذهبوا إلى خلاف ما ادّعاه. وفي العدد التالي من الصفحة الأسبوعية نفسها، وتحديداً في تاريخ 21-1- 1428ه، هاجم ناقد أدبي هو صديق بن عبدالباقي الأنصاري آراء العلواني، واعتبرها لا تقوم على سند متين، واعتبر أفضلية العربية مسلّمة، نظراً إلى نزول القرآن بها، كما أن"العجم أنفسهم يقرون بذلك"، مستشهداً بأقوال غربيين في عصور عدة. وانفتحت بعد ذلك شهية مهتمين آخرين، فبعث الدكتور محمد فجال هو الآخر رداً على الباحث، لم يزد على أن حشد فيه أقوال ابن تيمية في كتابيه الفتاوى، واقتضاء الصراط المستقيم، ليعتبر ذلك رداً ظنه مفحماً ضد زميله السابق في جامعة الإمام، صاحب الرأي المثير. لكن تطور الجدل إلى ما تجاوز"الحياة"حدث عندما شحذ المحامي والمستشار القانوني يوسف بن عقيل الحمدان شفرته، واعتبر القول بعدم ثبوت أفضلية العربية"باقعة ليست لها راقعة"، وقال:"ما يؤسف له أن أكثر الذين يستهدفون حملة التشويه إقلالاً وحطاً من شأن لغتنا العربية هم من بني جلدتنا، نصابحهم ونماسيهم، وإذا كنت لا أستغرب أن تصدر مثل هذه الدعوات من غير العرب، فلعمري إنها الباقعة التي ليست لها راقعة أن يكون وراء هذه الحملة من عاشوا وتربوا وتعلموا ونهلوا من معين هذه اللغة، التي لا ينضب رواؤها ولا يسبر غورها، وهم بدعواهم هذه - من حيث يعلمون أو لا يعلمون - يقللون من إعجاز القرآن الكريم الذي نزل بهذه اللغة المباركة". إلا أن الآراء المؤيدة للعلواني خرجت هي الأخرى عن صمتها، إذ انتصر عميد كلية الإعلام السابق في جامعة الإمام الدكتور عبدالله الحمود للقول الذي يرجح عدم الأفضلية بالضرورة، وتساءل في مقالة كتبها في الزميلة"الجزيرة"قبل نحو أسبوعين، عما وراء"انزعاج نفر من الناس عندما كتب أحد أساتذة العلوم الشرعية من القادرين على التفكير والاستنتاج، في العدد 16009 من"الحياة"عن عدم وجود الدليل الشرعي على أن اللغة العربية هي أفضل اللغات، أو أنها لغة أهل الجنة. لقد كان طرح الدكتور محمد صفاء العلواني طرحاً صريحاً وواضحاً، بأن القضية تكمن في عدم وجود الاستدلال الشرعي على تلك الأفضلية، وليس على أن زيداً أو عمراً يحب العربية ويفضلها على بقية لغات أهل الأرض. فالعرض الفكري الذي شدني وأسر فضولي أن الكاتب كان ينفي مبدأ التفاضل بين اللغات على أساس شرعي، أو الجزم بالأفضلية الشرعية للغة العربية، وليس نفي أفضلية اللغة العربية عنده أو عند غيره ممن هام بالعربية وعشقها". غير أن حَمْل الحمود على معارضي العلواني قذف بصدى الجدل إلى بوابة جمعية اللغة العربية في جامعة الإمام، التي تعد المعنيّ الأول بالموضوع، فخرج رئيسها محمد بن علي الصامل عن سكوته، ليبرر خذلانه"العربية"أول الأمر بأنه"اطلع على المقال الأول وآثر إغفال الموضوع"، مشيراً إلى أن ذلك لم يعد يسعه اليوم، وقد نشر الموضوع في صحيفة"أعرف مدى حرصها على الأصالة في الرأي والموضوعية في الطرح"! وخلص في رده إلى أن"التلازم الظاهر بين اللغة العربية والإسلام يقتضي عقلاً ونقلاً اكتساب اللغة العربية شرفها من الإسلام، فالإسلام هو الدين الذي ارتضاه الله وختم به الأديان، فهو بلا منازع خير الأديان عند الله، وبالقياس العقلي فلغته خير اللغات". وبينما ظل الجدل محصوراً في مناوشات شفوية، وما ينشر في"الحياة"و?"الجزيرة"، صعّد عضو مجلس الشورى الكاتب الدكتور عائض الردادي الجدل في ناحية أخرى، وحمل في مقالة نشرها في الزميلة"عكاظ"الاثنين الماضي، على العلواني والحمود، من دون أن يسميهما. وربط الموضوع بمنتدى جدة الاقتصادي الذي تحدث فيه العرب بالانكليزية وسفير أوروبي بالعربية! ورأى أن"الموضوع هزيمة داخلية، ومحاولة استرضاء للآخر، أو بحث عن أضواء، ولكن كل ذلك سيتحطم على صخرة قوة لغتنا، كما تحطمت الموجات قبله من دعاة الهدم خارج بلادها". والردادي أسف لكون الموضوع أخذ أبعاداً أخرى"وامتد إلى عدم أفضيلة جنس العرب، مع أن ما يعتقده المسلمون ويدينون الله به أن جنس العرب أفضل الأجناس". وهو ما قرره المفتي العام الشيخ عبدالعزيز آل الشيخ، الذي سئل عن الجدل الدائر في محاضرة ألقاها الثلثاء الماضي في إسكان الجامعة نفسها التي انطلق منها الجدل، إذ جزم بأن العربية أفضل اللغات، كما أن جنس العرب أفضل من غيرهم. مستنداً إلى رأي شيخ الإسلام ابن تيمية في كتابه"اقتضاء الصراط المستقيم". وفي ما يأتي مزيد من السجال الدائر مع تصرف يسير.